المنشآت الرياضية في الساحل السوري بدل من أن تكون واجهة سياحية وترفيهية لاستضافة الألعاب الرياضية تحولت إلى معتقلات يستخدمها نظام الأسد كمراكز احتجاز في العقد الأخير، وفي بعض الحالات تحولت مساحاتها الخضراء إلى مراع للأغنام والماشية بسبب الإهمال والفساد.
على الرغم من إعادة افتتاح ملاعب كل من اللاذقية وطرطوس وبانياس وجبلة في السنوات الأخيرة، بعد الهدوء وانقطاع الاشتباكات العسكرية، فإنها لم تحظ بالاهتمام والصيانة الكافية التي تجعلها صالحة للرياضة.
أحد الأمثلة المدينة الرياضية في مدينة بانياس الساحلية، التي بدأ النظام قبل نحو عشرين عاما بتشييدها، لتكون مركزا للأنشطة الرياضية في محافظة طرطوس.
وبسبب الإهمال، كما هو حال معظم المشاريع الحكومية في سوريا، تأخر افتتاح مدينة بانياس الرياضية إلى عام 2009، التي ضمت استاد كرة قدم ومسابح وملاعب مكشوفة.
ونظراً لموقعه المتميز على البحر وجمال المناظر الطبيعية حوله اعتبر الملعب واحداً من أجمل الملاعب السورية ويتسع لـ 15 ألف متفرج كما أقيم مطعم وفندق بجواره.
وعلى الرغم من تكاليفه العالية وجماليته لم يجد الملعب بعد أقل من خمسة أعوام من افتتاحه الاهتمام والرعاية من حكومة النظام وتحول إلى ما يشبه مكاناً لرعي الأغنام، ما اضطر فريق "مصفاة بانياس" إلى الانتقال للعب في مدينة طرطوس.
المدينة الرياضية في اللاذقية.. مركز للاعتقال
ومثل ملعب بانياس تحولت معظم المنشآت الرياضية في محافظة اللاذقية بعد عام 2011 إلى معتقلات وأماكن للتعذيب، وعدم السماح بممارسة الأنشطة الرياضية فيها.
وكانت المدينة الرياضية في اللاذقية التي تم افتتاحها في عام 1987 لاستضافة بطولة ألعاب المتوسط أبرز الأمثلة لكيفية تعامل النظام مع الرياضة في سوريا.
في عام 2011 بعد اجتياح قوات النظام السوري لمخيم الرمل الجنوبي الفلسطيني، حولت المدينة الرياضية إلى سجون جماعية لاعتقال المتظاهرين من سكان الحي.
ونقل موقع "تلفزيون سوريا" عن مصادر محلية، أن قوات النظام كانت تقوم بمصادرة البطاقات الشخصية (الهوية) للأشخاص الداخلين والخارجين من مخيم الرمل الجنوبي وتخبرهم بضرورة مراجعة أحد المقار الأمنية بالمدينة الرياضية لاستردادها.
وبحسب المصادر، التي يتحفظ الموقع على ذكر أسمائهم لأسباب أمنية، كان النظام يعتقل هؤلاء المراجعين وينقلهم إلى صالات المدينة الرياضية التي أصبح معظمها زنازين ومهاجع للمعتقلين.
بقيت المدينة الرياضية، على مدار سنوات بعد اندلاع الثورة السورية، أحد أبرز معتقلات النظام لمعارضيه، كما استخدمتها ميليشيات الدفاع الوطني كمكان مستقل للتعذيب والتنكيل بالسوريين.
ومنذ عام 2018، وعلى الرغم من انخفاض حدة العمليات العسكرية في المنطقة، لم تستضف ملاعب المدينة الرياضية في اللاذقية أي أنشطة رياضية، إلا ما ندر.
في حين استخدمها النظام لتنظيم الحفلات والمهرجانات الغنائية تحضيراً لانتخابات الأسد واستضافت عدداً من المطربين أبرزهم جورج وسوف العام الفائت.
وأظهرت الصور الواردة من هناك تحول أرضية الملعب خلال استضافة مباراة فريقي جبلة والفتوة، العام الماضي، إلى ما يشبه مستنقعاً من الوحل.
يشار إلى ان استاد المدينة الرياضية في اللاذقية يعد ثاني أكبر ملعب كرة قدم في سوريا من حيث السعة بعد استاد حلب الدولي ويليه ملعب خالد بن الوليد في حمص.
الصالة الرياضية في جبلة
وفي مدينة جبلة تحولت الصالة الرياضية، منذ عام 2011، التي كانت تستضيف بطولات كرة الطائرة وفعاليات المدارس والكرة الخماسية إلى معتقل آخر للناشطين في المدينة.
وعرف عن الصالة الرياضية في جبلة أنها واحدة من أكثر الأماكن دموية في الساحل السوري لتعذيب الناشطين وتصفيتهم تحت إشراف ميليشيا الدفاع الوطني السوري، بحسب شهادات لناشطين في المدينة.
ورغم عودة الصالة الرياضية للاستخدام الرياضي بعد العام 2017 فإنها بقيت مهملة من دون صيانة أو إعادة تأهيل، بحسب ما أكدته مصادر في المدينة لموقع "تلفزيون سوريا".
ملعب طرطوس رغم افتتاحه غير صالح
قبل أيام أعلن رئيس اللجنة الأولمبية التابعة للنظام السوري فراس معلا عبر برنامج الكابتن الذي يبث على القناة السورية أن ملعب "الصالة" في طرطوس غير مطابق للمواصفات وفق العقد المبرم مع مؤسسة "الإسكان العسكري".
وأضاف رداً على سؤاله عن غياب عمليات الصيانة، "الملعب تابع لمديرية التربية بطرطوس والاتحاد الرياضي غير مسؤول عن صيانته".
وتداول ناشطون صوراً لملعب طرطوس خلال إحدى مباريات دوري الشباب بين فريقي الحرية والساحل تظهر عدم صلاحية الملعب وامتلاءه بالطين وسط تساؤلات عن المسؤول عن الصيانة.
الحال ينطبق على معظم الملاعب في سوريا
لم تكن الملاعب والمنشآت الرياضية في الساحل هي الوحيدة التي تعاني من الإهمال، على الرغم من بعد المنطقة عن الاشتباكات العسكرية، وإنما الوضع ينسحب على معظم الملاعب السورية بصفة عامة.
في العاصمة دمشق، تحوّل ملعب العباسيين منذ الأيام الأولى للثورة السورية إلى مقر للفرقة الرابعة التي يديرها ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري، لقمع المناطق الثائرة في ريف دمشق، والحال ذاته ينطبق على ملعبي تشرين بدمشق والشهباء بحلب.
وبحسب أحمد اللاذقاني، ناشط إعلامي في اللاذقية فإن الرياضة السورية تعيش أسوء حالاتها سواء على الصعيد الفردي أو الجماعي نظراً لغياب البنية التحتية وعدم الاهتمام.
وقال اللاذقاني، لموقع "تلفزيون سوريا"، إن المنشآت الرياضية جميعها بحاجة إلى إعادة ترميم منذ سنوات بسبب استخدامها كمعتقلات وأماكن تعذيب لكن النظام السوري اقتصر على إعادة افتتاحها بهذه الوضعية السيئة.
ويشار إلى أن حالة ملاعب الدوري السوري هذا العام كانت مثار جدل وسخرية على مواقع التواصل نظراً لسوء أرضيات معظم الملاعب والصالات الرياضية، في حين يتهم النظام العقوبات الغربية بأنها السبب وراء عدم صيانتها.