من لا يملك لمن لا يستحق.. كيف خسر الأسد حصته من فاغنر؟

2023.07.06 | 09:37 دمشق

من لا يملك لمن لا يستحق.. كيف خسر الأسد حصته من فاغنر؟
+A
حجم الخط
-A

في محاولة منه لتعزيز صلاته مع الكرملين ونيل مزيد من الدعم والرضا، ومدّ نظامه بالدعم المالي، كان نظام الأسد يلعب مؤخراً ورقة اعتقد فيها أنه سيحقق مكاسب داخلية لتحقيق استقرار أمني ومادي.

فقد شهد الشهر الفائت زيارات ومفاوضات بين النظام السوري وممثلي مجموعة فاغنر، من أجل التوصل إلى اتفاقية جديدة من شأنها زيادة عدد قوات المجموعة العسكرية غير النظامية في سوريا في الأشهر المقبلة من نحو 4 آلاف مقاتل إلى ما يقرب من 70 ألفاً في صفقة كبيرة يسمح لهم النظام بالاستثمار في مجال الفوسفات والنفط والغاز.

 وقد كان الاتفاق _الذي يقضي بأن تكون نصف القوات متمركزة في المناطق الساخنة من سوريا على أن يّوزع النصف الثاني في بلدان أخرى وفق مصالح روسيا_ على وشك التوقيع، بحسب ما ذكرت معلومات تداولتها وسائل إعلام بريطانية، لكن التمرد الذي قاده بريغوجين أحبط آمال النظام السوري بقطف ثمار هذا التعاون على أمل أن تمنحه صيرورة الأحداث فرصة التعاقد مع مرتزقة جدد.

كيف يمكن للسوريين التعامل مع مرتزقة مستعمرين؟ وكيف يمكنهم تقبل وجود مثل هذه المجموعات، وقد ارتكبت جرائم وحشية بحق السوريين من اعتقال وتنكيل في الجثث ونهب لآثار وخيرات البلاد؟

لم يعد من المستغرب أن يتحالف رئيس النظام السوري مع الشيطان من أجل تحقيق مآربه، وربما أثبت ذلك بالفعل في أكثر من موضع، فدعم إنشاء مجموعات مرتزقة في داخل البلاد ومنحها سلطات صلاحيات عسكرية وسلطها على رؤوس السوريين لتسرق حقوقهم وتمارس ضدهم القمع وترغمهم على الرضوخ.

الفكرة التي قد تلفت النظر وتثير التساؤل هنا، كيف يمكن للسوريين التعامل مع مرتزقة مستعمرين؟ وكيف يمكنهم تقبل وجود مثل هذه المجموعات، وقد ارتكبت جرائم وحشية بحق السوريين من اعتقال وتنكيل في الجثث ونهب لآثار وخيرات البلاد، وحاولت بثّ الرعب في نفوس المواطنين بقصد الردع، على الرغم من اتهامهم بانتهاكات لحقوق الإنسان وارتكاب جرائم حرب من طرف الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية؟

لن تعني الإجابة على هذه الأسئلة النظام وأعوانه الذين لا يكيلون وزناً لرأي السوريين بشكل عام، ويكفي أن يصرح واحدٌ من أبواقه أن المقصد من ذلك لم يكن إلا بهدف حماية الأمن ودحر الإرهاب في سوريا، مستغلين في ذلك أن السوريين لم يعودوا يمتلكون رفاهية طرح الأسئلة، وهم بالكاد يسعون إلى أن يكونوا آمنين في موطئ أقدامهم ولديهم ما يكفي لسدّ الرمق حتى اليوم التالي.

استعانت السلطات بالمجموعات العسكرية غير النظامية في فترات مختلفة من التاريخ، لتقويض الاحتجاجات والتمردات وتثبيت قواها، لكن الحكومات في الغالب كانت تأخذ احتياطاتها في حال تجاوزت أهداف تلك المجموعات مهمتها الأساسية، وتطاولت بالامتداد نحو مطامع فرض سيطرة وسلطة، لأن مثل هذه المجموعات ليس من السهل السيطرة عليها وكبح جماح سلوكها الهمجي في كثير من الأحيان، بعد أن أُطلقت يدها لتستطيع فعل ما تشاء في مقابل تأدية المهمة المطلوبة منها، وهذا بالضبط ما فعلته روسيا التي آثرت قطع ذراعها العسكري على أن تسمح لها بالتمرد ضدها.

من حسن حظ السوريين ربما ورأفة بحالهم فقد فشل ذلك المخطط وذهبت نتائجه أدراج الرياح ولم يفلح النظام في إتمام صفقته، بسبب خلاف لم يتبين العالم معالمه بعدُ بين فاغنر وبين روسيا، ولكن اتضحت على إثره أن أطماعهم باتت أكبر من الارتزاق فحسب وأصبح طموحهم يتجه نحو حب امتلاك القوة والسلطة، ما قد يدفعهم إلى التخطيط ليكونوا أصحاب حكم لا دروع عسكرية فحسب.

ربما لم يكن الحظ وحده، بل كان الغباء السياسي الذي يصر النظام السوري على أن يثبته للعالم يوماً بعد آخر، لكنه لم يكن غباء صرفا بقدر ما كان ممزوجاً بجشع واضح بالتحالف مع أيٍّ كان ولعب أقذر الأوراق، حتى وإن كان الثمن إقطاع مزيد من الأراضي ومنح الصلاحيات للمرتزقة والمتكسبين والمستعمرين في مقابل أن يبقى متربعاً على عرشه، أما الاحتمال الآخر الذي لا يقلّ أهمية عن سابقيه، أنه بسلوك التابع لم يتبين حقيقة ما يدور خلف الكواليس واكتفى بتفيذ الأوامر وطاعة أولي الأمر.

استعانت القوات الروسية بعد تدخلها العسكري في سوريا في عام 2015 بمجموعة "فاغنر" للقتال إلى جانبها، وأوكلت إليها عدداً من المهام أبرزها حماية حقول النفط ومناجم الفوسفات وخاصة في البادية السورية، وكان من المتوقع أن تصبح سوريا أكبر قاعدة لهم لو أن الرياح السياسية أتت على هواهم قبل أسبوعين في ذروة المفاوضات التي جمعتهم بالنظام السوري.

من منا كان يتوقع أن خطوة عسكرية تقوم بها روسيا قد تأتي لصالح السوريين؟ وأن إحباطها تمرد فاغنر قد يجعل السوريين يتنفسون الصعداء

لم تكن تلك الصفقة مثلما قد يتوهم البعض لحماية السلم في سوريا أو لتأمين حماية مشددة لحقول النفط والفوسفات والغاز في البلاد، لقد كان من المخطط أن يدر ذلك التحالف ملايين الدولارات على الطرفين، في وقت يعاني فيه السوريون من فقر وسوء أحوال معيشية وضيق حال، في حال حصلت المجموعات المرتزقة على رخصة لاستثمار الموارد الطبيعية التي لا تمنح ثمارها للسوريين أبناء البلد أنفسهم.

من منا كان يتوقع أن خطوة عسكرية تقوم بها روسيا قد تأتي لصالح السوريين؟ وأن إحباطها تمرد فاغنر قد يجعل السوريين يتنفسون الصعداء وأن تنقلب خطتهم بالانقلاب على روسيا ضدهم وضد الأسد الذي قرر مصافحتهم وعقد حلف معهم.

لم تفعل روسيا ذلك لو لم تشكل تلك القوات تهديداً لها، ولم تكن مصلحة السوريين من ضمن أهدافهم، وقد لا يعني ذلك ألا تعيد استخدام خدماتهم مرة أخرى إذا لزم الأمر، وإن كنا لا ندري.. فقد علمتنا السنوات الأخيرة جيداً كيف تتقاطع العلاقات وفقاً للمصالح، وكيف يصبح عدوّ اليوم صديق الغد والعكس صحيح.