في القرداحة، مساء الثلاثاء الفائت، كانت امرأة تبكي وتسأل بانفعال: «في دولة وإلا أفي دولة؟»، وهي تراقب النيران تأكل بيتها الذي أُخرجت منه للتو، بصحبة أولادها الثلاثة. كان السؤال متأخراً، في الحقيقة، والإجابة عنه صعبة بالنظر إلى حال زوجها المحسوب على حافظ منذر الأسد، والواقع الآن فريسة ملاحقة بشار طلال الأسد الذي لم يهدأ غضبه رغم إحراق المنزل.
وعلى كل حال، لم يكن خلاف الشابين الشرسين من العائلة إلا حلقة في سلسلة طويلة من المشاكل التي خاضها كل منهما في ساحته الخاصة؛ الأول في اللاذقية والثاني في القرداحة. فمنذ نشأة الأخوين يسار وبشار بدأ صيتهما يذيع في مسقط رأس العائلة الذي لم يسكنا خارجه. ورغم أن هذا وافق السنوات الأولى من حكم بشار الأسد وانحسار أجواء التشبيح وعوالمه، إلا أنهما أثبتا أن الزمن يمكن أن يستمر أو يتوقف، لكن دون أن يكتسبا سطوة كبيرة توازي من سبقوهما من أجيال العائلة على هذا الطريق. حتى كانت الثورة فأزاحت عن صدارة مشهد الحكم الأسدي أولويات التحديث والتغريب والأعمال لصالح الحاجة إلى القوة العصبوية المخلصة، فأسس يسار ميليشيا محلية عرفت بلقبه «أبو الحارث» أو بقوات «سرايا العرين» 313، الرقم ذو الإحالات الطائفية.
وبينما لمع اسم يسار في «الحرب» التي خاضتها هذه الميليشيا في مناطق مختلفة، ولكن أساساً في ريف اللاذقية دفاعاً عن مناطق العلويين؛ فإن اسم بشار برز مع «السلم» المتنامي هناك، ولا سيما خلال السنة الأخيرة. وإذا كان الأخوَان قد عُرفا بلقب أثير واحد في هذه البيئة، هو «أبو الفقراء»، فإن بعض الاختلافات الشخصية بينهما تفرض نفسها. فبينما يبدو يسار (42 سنة) أهدأ وأبعد عن الأضواء وميالاً إلى ارتداء الملابس العسكرية المرقطة وعقد الشملة السوداء على رأسه في الأحراش، مما يعطيه مظهراً متمرداً أكثر منه مقاتلاً في صف الدولة؛ ينزع بشار (37 سنة) إلى ارتداء ملابس مدنية عادية أو بيجامات رياضة تكشف سمنته التي لا يبدو مهتماً بالسيطرة عليها، فعند «أبو القسورة» مشاغل أخرى وأولويات أهم. عليه أن يؤمّن مبالغ ضخمة للمحافظة على نمط حياته الذي يشمل عدداً كبيراً من الرجال الذين يوجدون حوله دوماً كحاشية، سواء في قصره الذي يستضيف فيه الكثيرين للعشاء، على وقع صوت المطرب الشعبي بهاء اليوسف، أو كأعوان له في أعماله الكثيرة التي تتراوح بين التجارة والتهريب والقمار وفرض الإتاوات وغير ذلك.
فبينما يبدو يسار (42 سنة) أهدأ وأبعد عن الأضواء وميالاً إلى ارتداء الملابس العسكرية المرقطة وعقد الشملة السوداء على رأسه في الأحراش، مما يعطيه مظهراً متمرداً أكثر منه مقاتلاً في صف الدولة؛ ينزع بشار (37 سنة) إلى ارتداء ملابس مدنية عادية أو بيجامات رياضة
منذ مدة ومشاكل بشار مع «الحكومة» في تزايد. ومنذ أشهر كاد الصدام أن يحصل بعدما خطف آيات بركات، قائد الدفاع الوطني في جبلة، وعذبه بوسائل قاسية تنافس ما تفعله العصابات. وإذا كانت الأمور قد حُلّت وقتها فإن «عقلاء» العائلة عرفوا أن السلطة المتزايدة لبشار الذي لا يستطيع السيطرة على نفسه لن تمر بسلام دوماً. وها هي الأيام لم تخّيب ظنهم، فبعد إحراقه المنزل بيومين اجتمعت اللجنة الأمنية والعسكرية في اللاذقية، بوجود المحافظ، وقررت إنهاء ظاهرة بشار طلال الأسد وتوقيفه وتفكيك مجموعاته.
منذ مدة طويلة لم يعد يخرج من القرداحة، ممتنعاً فيها بعدد كبير من الموالين له وبتأييد الجزء الأكبر من أفراد العائلة الذين شمل بعضهم بعطاءاته التي تتوجه إلى كثير من المحتاجين والجرحى وعوائل «الشهداء». وفي ظل بيروقراطية الدولة وبخلها وشح مواردها، فإن هذا السلوك يجتذب عديداً من الرجال والشبان من المؤلّفة بنادقهم، مع انتشار السلاح وفوضى الفصائل وتداخلها مع الجيش والأمن. والأهم من ذلك، مع النظر إلى أن الرهان على أحد «أسياد البلد» من آل الأسد لن يخيب مهما بدت الأمور غير ذلك الآن، ففي نهاية المطاف سيتفاهم بشار القرداحة مع بشار دمشق، ربما عن طريق العلاقة الجيدة التي تربط يسار، شقيق الأول، بماهر، شقيق الثاني.
مع النظر إلى أن الرهان على أحد «أسياد البلد» من آل الأسد لن يخيب مهما بدت الأمور غير ذلك الآن، ففي نهاية المطاف سيتفاهم بشار القرداحة مع بشار دمشق، ربما عن طريق العلاقة الجيدة التي تربط يسار، شقيق الأول، بماهر، شقيق الثاني.
ومن هي اللجنة الأمنية للاذقية؟ ومن المحافظ؟ أليسوا دواعش الداخل من الفاسدين والمسؤولين البعثيين الشبيهين بالإخوان المسلمين؟ وإذا كانوا قد نجحوا في أن يوغروا صدر بشار الرئيس على ابن عمومته فذلك لدأب خبثهم، لكنه لن يستمر طويلاً فللصبر حدود. وحتى الدكتور عماد، الرجل العاقل، عم بشار القرداحة، لم يسكت، وبدأ يلوح للجنة بردة فعل مناسبة في الوقت المناسب!!
في الحقيقة يجد عماد نفسه مضطراً إلى ذلك، رغم أنه يعرف تماماً ما الذي يفعله مزاج ابن أخيه. غير أن الدكتور رأس هذا الفرع من العائلة المتحدر من أحمد الأسد، الأخ الأكبر غير الشقيق لحافظ الذي يفخر عماد بالشبه الشكلي اللافت الذي يجمعه به، مذكراً الناس بالترحم على «القائد الخالد»، أكثر مما يفخر بأي شيء حققه؛ سواء الثروة التي راكمها عندما كان مديراً للتوكيلات الملاحية لسنوات عديدة، أو شهادة الدكتوراه التي مكّنته من أن يصبح رئيساً للأكاديمية البحرية في اللاذقية، وهي التابعة لجامعة الدول العربية، مما يتيح له السفر إلى مصر، كل حين، واستغلال ما يحصل من لقاءات جانبية مع رجال حكم السيسي لتسويق حكم ابن عمه.