قبل عشرة أيام أنفقت ولاء علي الأسد ثروة في مدينة حلب لكن الأمر كان يستحق. فقد حصلت لقاء ذلك على حزب سياسي «جاهز من مجاميعه». برخصة صادرة عن لجنة شؤون الأحزاب، ومكتب سياسي، وفروع في المحافظات، وأيديولوجيا ذات محتد عريق يعبّر عنها اسمه «الحزب القومي العربي»، وأهداف حديثة «متعوب عليها» هي «علم، ديمقراطية، تنمية»، وشعار يتناص مع التحية القومية السورية ويتجاوزها هو «تحيا عروبتنا». فأي صفقة خير من هذه لسيدة لم تبلغ الأربعين شغلت منصب «الأمين العام» الذي لم يحتله القائد الخالد المؤسس، في حزبه البعث الشقيق، إلا بعد سنتين منها؟
بدأت قصة الحزب منذ وقت طويل، وبشكل لا يشبه حاله اليوم. ففي عام 2012، في أثناء تحول القوات الرديفة المدافعة عن النظام من مجموعات تشبيحية إلى فصائل منظمة، قرر شاب لبناني من أصل شيعي وتوجه قومي عربي إنشاء جماعة من الراغبين في القتال إلى جانب الأسد الابن تحت شعار جمع المقاومة بالقومية، وصورة ثلاثية لجمال عبد الناصر وبشار الأسد وحسن نصر الله. أطلق الرجل على نفسه لقب «ذو الفقار العاملي» وسمّى فصيله «الحرس القومي العربي»، واستقبل متطوعين من مصر وتونس ولبنان ودول عربية أخرى، فضلاً عن السوريين والفلسطينيين السوريين، قاتلوا في صف النظام، إلى جانب «حزب الله» اللبناني والقوات المدعومة من إيران، في مختلف أرجاء سوريا.
كان العاملي قائداً عاماً وميدانياً، بنائب تونسي. أما التمثيل السياسي، الذي يجب أن يُترك لأبناء البلد، فقد تولاه مهندس حلبي شاب هو باسل خراط.
في آخر أيام «الحرس...» كان مسؤوله السياسي قد التقط صيداً ثميناً من قلب عرين القرداحة، هو ولاء علي منير عزيز سليمان الأسد. ورغم أن هذه السلالة لا تضعها في صدارة آل الأسد لكنها تحمل النسبة الذهبية على كل حال
توسعت المجموعة حتى بلغت عدة آلاف عضو، بحسب تصريحاتها، وذاع صيتها نسبياً بين أوساط القوميين العرب. لكن شعور النظام بأنه انتصر قبل سنوات قليلة، والتفاته إلى ملف تنظيم الميليشيات، أطاح بها كلياً وعاد أفرادها إلى بلدانهم. غير أن هذا لم يكن حال خراط بالطبع، سوري الجنسية، الذي أدمن العلاقات والأضواء والتمويل، فقرر تأسيس «الحزب القومي العربي» على أنقاض «الحرس...»، ما دام الزمن قد جنح للسلم، وفي كل خير. وعمد إلى تنظيم السوريين من أبناء التجربة السابقة.
في آخر أيام «الحرس...» كان مسؤوله السياسي قد التقط صيداً ثميناً من قلب عرين القرداحة، هو ولاء علي منير عزيز سليمان الأسد. ورغم أن هذه السلالة لا تضعها في صدارة آل الأسد لكنها تحمل النسبة الذهبية على كل حال. وفضلاً عن ذلك فقد كانت غنية بفعل ثروة والدها التي حازها من مصادر متعددة، وهو يوزعها الآن على أولاده الكثر الذين تعددت أهواؤهم وتجاربهم المادية العاثرة. وأخيراً فولاء دكتورة كحال دكاترة آل الأسد في الأرض، وإن لم يعرف أحد اختصاصها وصدقيّة شهادتها.
ضم باسل خراط الدكتورة ولاء إلى القيادة المركزية للحرس القومي العربي، وهي كيان خلّبي. ثم، لما عمل على تأسيس الحزب أدخلها فيه وسلّمها أمانة فرع اللاذقية الذي كان أبرز أعماله هو استقبال الأمين العام، خراط، وصحبه، في القرداحة للمشاركة في مهرجان فني نظّمته ولاء لدعم ترشيح ابن عمها لرئاسة الجمهورية في «انتخابات» عام 2021. يوم منحت أباها وإخوتها وزوجها وطفلها شهادات شكر وتقدير لمساهمتهم في إنجاح الحفل، والرئيس، ممهورة بتوقيعها المعقّد باللون الأخضر المعتمد لكبار المسؤولين من وزير فما فوق.
قنعت ولاء بمنصب أمين الفرع تاركة رئاسة الحزب لمؤسسه في مركزه بحلب. لم تدفعها «جينات انقلابية» للقفز إلى كرسيّه بل كان نائبه هو السبب. ففي حين ظن خراط أن ذلك الرجل المخضرم «خل وفي» كان النائب ينسج خيوط المؤامرة عبر أعضاء المكتب السياسي وأمناء الفروع القلائل في المحافظات المتاحة، وأخيراً عرض منصب الصدارة على ولاء، مستغلاً الفراغ الذي يثقلها، وشعور العظمة الذي ينغّص عليها حياتها كربّة منزل في القرداحة.
لم يحتج الأمر لأكثر من عدة أشهر، باستخدام المال كميسّر، لاستقطاب «مؤسسي الحزب» الصغير. وهم إعلامي فصيل مدعوم من الإيرانيين، ومالك مكتب سيارات، وصاحب محل لبيع إكسسوارات الموبايلات، ووارث حصة في مقهى، وشيخ من الأوقاف يقول إنه «خادم أهل التصوف»، وشيخ بعقالٍ يقول إنه «خادم عشيرة من قبيلة البگارة الهاشمية»...
هكذا أعلن الحزب عن موعد مؤتمره التأسيسي في يوم الجمعة الفائت في 8 أيلول في مجمّع «شهبا روز» بحلب. المؤتمر الذي لم يُدعَ إليه خراط رغم إسراف اللجنة التحضيرية في دعوة الأعضاء القلائل وأصدقائهم وعائلاتهم بتمويل سخيّ من ولاء التي صحبت معها مجموعة أخرى من الرفاق من اللاذقية ومساعدات حسناوات بدا منظرهن شديد التناقض مع حضور عدد من «وجهاء» العشائر من الأرياف، ونسوة حلبيات بالحجاب الأسود يمسكن طرف «الباشاية» بأفواههن. وتصدرت المراسم قريبة ولاء التي تحمل اسماً مهيباً، عرين شاليش.
حُملت الأمين العام على الأكتاف ورقصت على أنغام «اسمك يا شهبا» و«عيون السواهي» في أجواء من الوحدة الغنائية التي تخللتها التحيات لبشار الأسد، رئيس حزب البعث المنافس، وآله الكرام
لم يعلن «الحزب» من نتائج مؤتمره الباذخ إلا أن ولاء شغلت منصب الأمين العام، فهي «كل الأمان وكل الأمانة لكل العمر»، كما قالت مساعدة أخرى وهي تدعو أم حبيب لارتداء الوشاح المخصص، في أثناء حفل فني مع عشاء أقيم في مساء يوم الجمعة ذاك، ودعي إليه أكثر من مئتين من الضيوف والأعضاء.
أحيا أنس أبو قوس، ابن صباح فخري، الحفل. وفيه حُملت الأمين العام على الأكتاف ورقصت على أنغام «اسمك يا شهبا» و«عيون السواهي» في أجواء من الوحدة الغنائية التي تخللتها التحيات لبشار الأسد، رئيس حزب البعث المنافس، وآله الكرام. كما رقص النائب، الذي حافظ على منصبه، جذلاً على إيقاع «إن تجودي فصِليني».
كانت تلك ليلة ثقيلة على باسل خراط، ولا نعرف ما الذي فعله فيها بالضبط وهم يشلّحونه «حزبه». ربما لو أمكنه حضور الحفل الساهر لوجد بعض السلوان في الاستماع إلى أغنية «شو جابك ع حيّنا يا صغيرة؟ عملتي أزمة كبيرة!».