معظم الماليزيين يعتبرون عيد الفطر من أمتع الأوقات كونه يتيح للأهل والأصدقاء أن يلتقوا ويجتمعوا ويمضوا أحلى الأوقات سوية في ظل أجواء سعيدة تخيم على الجميع وتحلو بوجود أطايب الطعام.
ولكن في الوقت الذي يحتفل فيه كثيرون بهذا الموسم، هنالك كثير غيرهم ممن أصبح الاحتفال بالنسبة لهم حلماً صعب التحقيق، وتلك هي حال جواد، 53 عاماً، بما أن مواسم الأعياد تذكره ببلده التي رحل عنها.
وعن وضعه يحدثنا جواد فيقول: "أنا سوري-فلسطيني تعود أصولي لغزة، سافرت أنا وأهلي إلى سوريا عندما كنت في الثانية عشر من عمري"، وأضاف بأنه هو وأهله عانوا لسنوات طويلة من اليأس بعد اندلاع الحرب في سوريا، إلا أن أمور هربهم منها لم تتدبر حتى عام 2015، وذلك عندما فرّ جواد مع زوجته وابنه إلى ماليزيا فودعوا بذلك البلد الذي شهد ملاعب طفولتهم ومدارج صباهم، وعن ذلك يقول: "تركت كل شيء في سوريا، بلدي، وأهلي، ولذلك سألتني أمي وأنا راحل: إلى أي مدى يمكنك أن تصبر على فراقي؟ ومازال هذا السؤال عالقاً بذاكرتي، ولهذا أتوجه كل صباح إلى غرفتها لألقي تحية الصباح عليها وأقبل يدها".
خلال فترة كفاحه ليبدأ حياته من جديد، نفخت موهبة من مواهبه الروح في الأمل لديه، وذلك لأنه طاه ماهر لا شيء يمتعه أكثر من تقديم الأطباق التي عشقها أيام طفولته للمجتمع الجديد الذي صار يعيش فيه، وعن ذلك يخبرنا بكل حب: "تعلمت الطبخ من أبي، فقد كان طاهي العائلة، وهو من علم أمي الطبخ في الحقيقة".
جواد في مطبخه
كما أن عشقه للمطبخ التقليدي الشرق أوسطي أبقاه على صلة بجذوره، ولهذا يقول: "عندما أطبخ أضيف شيئاً من روحي للطعام، وأعتقد أن هذا ما يجعل الطعام لذيذاً".
وبما أنه لاجئ، لذا فلم تتسن له الفرصة ليقدم طعامه لأهالي ماليزيا على نطاق واسع كما يحب ويتمنى، ولكن لحسن حظه، حصل على مساعدة من قبل منظمة خطوات صغيرة وهي منظمة غير ربحية تساعد الجاليات المحرومة، إذ من خلال مبادرتها التي حملت اسم: مطبخ المهاجر، والتي أطلقتها بالتزامن من بداية الشهر الفضيل، تمكنت هذه المنظمة من ربط الطهاة من اللاجئين من أمثال جواد بمواطنيهم وذلك حتى يقوموا بتقديم أشهى الأطباق لهم.
وهكذا انهمك جواد بالعمل وهو يعد الطعام لـ80 شخصاً من الجالية اليمنية في ماليزيا، ثم أخذت الرائحة الزكية لتوابل الشرق الأوسط تنتشر في كل مكان في أثناء تحضيره لمناسف الدجاج التي أخذ يطبخها على نار هادئة لمدة ساعتين، ويشرح لنا ذلك بقوله: "أتركها على النار لتخرج عصارتها" ثم يلتفت لقدر مملوء بأرز بسمتي تغلي ماؤه ويعلو سطحها خليط من التوابل وعلى رأسها القرفة والفلفل الأسود والكمون.
الجالية اليمنية وهي تستمتع بطعام الإفطار الذي أعده جواد
وفي الوقت الذي يقدم فيه جواد البرياني، ذلك الطبق الكلاسيكي المعروف في الشرق الأوسط، نجد الكباب والفلافل على مائدته أيضاً.
وفي أثناء عملية الطهي، يفتح جواد قلبه ويحدثنا عن شغفه بمشاركة أطباق المطبخ السوري للأهالي هناك، لا سيما هؤلاء الذين لا يعرفون أي شيء عن النكهات الغنية الآسرة التي يتمتع بها الشرق الأوسط، وعن ذلك يحدثنا جواد باسماً: "أتمنى أن يصبح ما أقدمه من طعام مشهوراً"، ولكن بالنسبة له ولأمثاله من الطهاة، يثير الاحتفال بالشهر الفضيل وعيد الفطر لواعج الشوق لديهم، ولهذا يقول: "يعتبر رمضان مناسبة سعيدة في بلدي، ولكنني لم أعش شعور الفرح هذا منذ أن أصبحت لاجئاً".
يتذكر جواد بشوق الدفء الذي يغمره مع الأهل والجيران في بلده سوريا، حيث يقول: "يجتمع الجميع سوية في مثل هذا الوقت، وإن طهوت شيئاً فلا بد وأن أرسل منه لجيراني، وفي اليوم التالي سيردون بالمثل، ولهذا تصبح مائدة الإفطار عامرة بحوالي عشرة أصناف من الطعام الذي أعد في عشرة بيوت".
جواد في مطبخه
ومن الذكريات التي بقيت عالقة في ذهنه ذكرى المسحراتي الذي يوقظ الناس لتناول وجبة السحور، بما أن عادة المسحراتي مهمة في تراث الشرق الأوسط، وعنه يقول: "لم يكن يوم يمر علي دون أن أسمعه وهو يوقظ الناس عبر قرعه على الطبل، كما أتذكر اسمه وصوته حتى اليوم".
إلا أن جواداً يعرب عن سعادته بعدما تمكن من رد الجميل للمجتمع الذي احتضنه، ولهذا يقول: "حتى الآن بعد مرور ثماني سنوات على إقامتي في ماليزيا تبين لي بأن الناس هنا غاية في اللطف، وعندما أطبخ من أجل اللاجئين، تغمرني مشاعر الفرح لأنني أدرك تماماً مدى صعوبة الحياة بالنسبة لهم ولي أيضاً، ولهذا يسعدهم أن أقدم لهم طعاماً صحياً وشهياً".
المصدر: Free Malaysia Today