في جولته المعتادة كل عطلة نهاية أسبوع على محلات شارع العرب وسط برلين، لفت نظر أبي سعيد (طلب عدم ذكر اسمه كاملا) وجود الكمأة في بعض المحال، لكن ما لفت انتباهه أكثر هو سعرها الذي قد يتجاوز 50 يورو للنوع الجيد منها و35 للنوع المتوسط.
ولعل الكميات المتوفرة في السوق تعكس غزارة إنتاج موسم الكمأة لهذا العام في سوريا، ويقول أبو سعيد لموقع تلفزيون سوريا، إن أحد الباعة أخبره عن مصدر الكمأة والتي تعود إلى منطقة "جحار" في بادية الشام السورية.
يكاد لا يمر يوم إلا وتتناقل وسائل الإعلام خبرا مفاده مقتل أشخاص يعملون في جمع فطر الكمأة، حتى وسائل إعلام النظام السوري أفادت مؤخرا بمقتل 110 أشخاص منذ بدء موسم جمع الكمأة في البادية، "بسبب الهجمات التي يتعرضون لها من قبل مسلحين، أو بسبب انفجار ألغام ومخلّفات قصف سابق".
كيف تصل الكمأة إلى أوروبا؟
أكد عدد من التجار لموقع تلفزيون سوريا، أن الموردين "للكمأة السورية" هم تجار "لبنانيون" مرتبطون بشكل مباشر بحزب الله وهم وكلاؤه في ألمانيا، ولكن بشكل خفي خاصة بعد الحملة الأمنية التي أطلقتها السلطات الألمانية عام 2020 والتي حظرت خلالها عدة جمعيات كانت تنشط بشكل علني لدعم الحزب في أوروبا.
يقول التاجر أبو عبدالله (طلب عدم ذكر اسمه) لموقع تلفزيون سوريا: "نشاطات وكلاء الحزب تتمثل بإدارة شبكة تجارة مخدرات في برلين وعموم ألمانيا، وشراء الأسلحة وجمع النقود لتمويل الحزب في لبنان، وكذلك تجارة الحشيش والسيارات المسروقة، وفرض الإتاوات على كل المحلات التي تم افتتاحها مؤخرا في شارع العرب وحوادث حرق مفتعل حصلت بسبب تردد أصحاب المحال الجديدة من مشاركة هذه المافيات، وكذلك وغسيل الأموال".
وفي محاولة لتتبع مسار الكمأة من مرحلة الجمع حتى وصولها إلى الأسواق الأوروبية، حيث أكد خالد العبد الله وهو تاجر محلي يعمل في منطقة العليانية المحاذية لتدمر في ريف حمص، أنه لا توجد مجموعة تعمل بمفردها دون "غطاء أمني" فمثلا المسؤول عن هذه المنطقة هو فرع الأمن العسكري بحمص ويعمل على حماية من يعملون مقابل أجر يومي يتراوح بين 10 إلى 15 ألف ليرة في الساعة مع وجبة طعام.
ويضيف العبد الله لموقع تلفزيون سوريا أن الإنتاج اليومي من الكمأة يتم تجميعه ونقله عبر القصير إلى لبنان بالتعاون مع وكلاء لحزب الله موجودون على طرفي الحدود.
وفي برلين يقول سليم الأحدب وهو موظف لدى أحد محلات البيع في شارع العرب أن مستوعبات الشحن "الكونتينرات" تصل إلى روتردام في هولندا قادمة عبر البحر من بيروت ومن ثم يتم توزيعها على مدن وعواصم الاتحاد الأوروبي.
حظر "حزب الله" في ألمانيا
في 30 من نيسان 2020، أعلنت وزارة الداخلية الألمانية حظر أنشطة حزب الله الإرهابي في ألمانيا بموجب الفقرة 1 من المادة 3 بالارتباط مع الفقرة 1 من المادة 15 والجملة 2 من المادة 18 من قانون الجمعيات، كون أنشطة حزب الله تخالف قوانين العقوبات وتتعارض مع مفاهيم التعايش بين الشعوب.
وضمن مساعي الاستخبارات الألمانية للحد من مخاطر عمليات حزب الله داهمت الشرطة الألمانية يوم 15 من تشرين الأول 2021 مواقع في سبع ولايات ألمانية ضد جماعة حزب الله اللبنانية.
وجاءت عمليات البحث بعد أن أعلنت وزارة الداخلية حظر ثلاث مجموعات مرتبطة بالحزب. وقالت السلطات إنه يشتبه في قيام الجماعات بجمع أموال لعائلات مقاتلي حزب الله القتلى بينما تتنكر كمنظمات "إنسانية".
لكن يبدو أن الشركات والمؤسسات التي لا تزال تنشط في المحال التجارية قد شكلت واجهات مالية حالت دون إيقاف نشاطهم في أوروبا كم يقول الخبير الاقتصادي محمد عبد الدايم.
وأكد عبدالدايم لموقع تلفزيون سوريا، أنه من واجب الإعلام الحديث عن هذه الشركات لتسليط الضوء على نشاطها في تأمين القطع الأجنبي لحزب الله وكذلك الأمر بالنسبة لشركات سورية تعمل في ألمانيا وأصحابها على علاقة مباشرة مع موظفي سفارة النظام السوري في برلين وكأنهم وكلاء تجاريون للنظام في أوروبا.
حزب الله: الكمأة والمخدرات
ضبطت العديد من دول العالم، خلال السنوات الماضية، مئات شحنات المخدّرات القادمة مِن مناطق سيطرة النظام السوري، حيث يعدّ النظام وميليشيات إيران المساندة له، وعلى رأسها "حزب الله" اللبناني، مُصدّراً رئيسياً للحبوب المخدّرة، والتي تعدّ مِن أهم مصادر تمويلهم.
وسبق أن كشف تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" أن أنشطة النظام السوري في تصنيع المخدرات والاتّجار بها، أسهمت في مضاعفة كمية المخدرات المضبوطة عالمياً عشرات المرات، إذ ضُبط أكثر من 250 مليون حبة "كبتاغون" في جميع أرجاء العالم حتى الآن، أي أكثر من 18 ضعفاً للكمية التي تم الاستيلاء عليها قبل أربع سنوات فقط.
وتجاوزت قيمة تجارة النظام السوري من مخدر الكبتاغون في منطقة الشرق الأوسط خلال العام 2021 أكثر من 5.7 مليارات دولار أميركي، وفق تقرير لمعهد "نيو لاينز".
وفي تموز الفائت، أثار اكتشاف مصنع المخدرات ضجة كبيرة على مستوى البلاد، حيث اكتشف المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية في ألمانيا (BKA) معملاً لتصنيع الكبتاغون بورشة تصليح سيارات في ريغنسبورغ (بافاريا) داخل مقر خاص لصاحب الورشة.
وصادر المحققون نحو 300 كيلوغرام من المخدر ومواد أولية لإنتاج محتمل لثلاثة أطنان أخرى من أقراص الكبتاغون، في أكبر مصنع لإنتاج مخدر الكبتاغون اكتُشف في ألمانيا حتى الآن، وفق ما ذكرت صحيفة (بيلد) الألمانية.
وقبضت الشرطة على المتهمين السوريين البالغين من العمر 31 و52 عاماً، في أثناء قيامهما بتجهيز الأمفيتامين في مختبر ريغنسبورغ للمخدرات، في حين تمكن المشتبه به الثالث من الفرار قبل أسبوعين، ويقال إنه مختبئ في سوريا. وفي آذار الماضي بدأت محاكمة المتهيمن.