لم تقتصر دورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024، على استعراض البراعة الرياضية فحسب، بل كانت أيضاً معرضاً لعلاجات مثل حمامات الجليد والطب التقويمي "للعظام"، والتي لا تزال قيمتها الطبية غير مثبتة علمياً، وفقاً للخبراء.
ولطالما كانت الألعاب الأولمبية بيئة خصبة للعلاجات الطبية المثيرة للجدل، حيث يسعى الرياضيون إلى تحسين أدائهم وتخفيف آلامهم بكل الوسائل الممكنة.
ووفقاً لطبيب الأعصاب واختصاصي الألم الفرنسي ديدييه بوحصيرة، فإن الرياضة تروج كثيراً لمختلف أنواع "الطب البديل" بسبب الطلب الكبير عليه من قبل الرياضيين.
العلاج بالتبريد: حمام الجليد
وقبل ثماني سنوات، في دورة ألعاب ريو دي جانيرو، كانت الحجامة هي البدعة العلمية الزائفة الرائجة، وعلى الرغم من إشادة رياضيين كبار بها مثل بطل السباحة الأولمبي الأميركي مايكل فيلبس، إلا أن الأدلة العلمية حول فوائدها كانت محدودة، أما في أولمبياد باريس هذا العام، فإن حمامات الجليد هي الصيحة الرائجة.
ويشمل العلاج بالتبريد السباحة في الماء البارد، وحمامات الجليد وغرف التبريد المتقدمة، ويُستخدم لمساعدة الرياضيين على التعافي بعد ممارسة التمارين الشاقة.
وبحسب مقالة افتتاحية في المجلة البريطانية للطب الرياضي، طلبت الاتحادات المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في باريس أكثر من 16 ألف طن من الجليد، بكلفة بلغت 2.5 مليون يورو (2.7 مليون دولار).
ومع ذلك، لم يتمكن أي بائع من توفير هذه الكمية الهائلة، ما اضطر المنظمين للاكتفاء بـ650 طناً، وهو رقم يزيد بعشر مرات على الألعاب الأولمبية في طوكيو قبل ثلاثة أعوام فقط.
وانتقد كُتاب الافتتاحية الاستخدام المفرط للعلاج بالتبريد بين الحصص التدريبية، مشيرين إلى أنه رغم فوائد حمامات الجليد في بعض الحالات مثل ضربة الشمس، إلا أنها غالباً ما تُستخدم دون أدلة علمية قوية.
كما كتبوا: "قد يكون للجليد تأثيرٌ معاكسٌ لما هو متوقع مثل تأخر تجديد الأنسجة أو ضعف التعافي"، وأشاروا إلى التأثير البيئي السلبي لإنتاج، ونقل، وتخزين كميات كبيرة من الجليد.
مُقومي العظام
البحث عن حلول بديلة للعلاج لا يتوقف عند حمام الجليد، فالطب التقويمي للعظام يمثل جزءاً من طاقم الاتحادات الرياضية في الألعاب الأولمبية.
ورغم وجود مقوّمي العظام في العيادات الأولمبية، إلا أن فعالية هذا النوع من العلاج لا تزال محل خلاف شديد.
وأُجريت دراسات متعددة على الطب التقويمي، وقد أظهرت أن فعاليته غالباً ما تكون غير مثبتة علمياً. فعلى سبيل المثال، نُشرت دراسة سريرية في "JAMA Internal Medicine" عام 2021، قارنت تأثير تلاعبات الطب التقويمي مع العلاجات "الوهمية" مثل اللمس الخفيف لـ400 مريض يعانون من ألم في الظهر، وخلصت إلى أن الاختلاف بين الاثنين "من المحتمل ألا يكون له مغزى سريرياً".
من جانبها، قالت رئيسة مجلس المعالجين الطبيعيين في فرنسا، باسكال ماثيو، إن مُقوّمي العظام يُقدّمون للرياضيين شعوراً بالرفاهية دون خصائص علاجية، مبينة أنها ليست قلقة للغاية بشأن إعطاء الطب التقويمي عرضاً في الألعاب الأولمبية، حيث غالباً ما تكون الرعاية الروتينية مزيجاً بين العلاج الطبيعي والطب التقويمي.
وأضافت: "ما أقاتل من أجله حقاً هو منع اعتماد الطب التقويمي في المستشفيات".
اتهامات باستغلال الألعاب الأولمبية
اتُهمت بعض الشركات باستغلال الألعاب الأولمبية للترويج لمنتجات ذات قيمة طبية مشكوك فيها، فشركة سانوفي، على سبيل المثال، تعرضت لانتقادات لترويجها لصاقة "مسكنة للألم" تُسمى "إينيتيف" قبل بداية الألعاب، والتي تزعم الشركة أنها تخفف الألم باستخدام جزيئات تعكس طاقة الأشعة تحت الحمراء. إلا أن مختص الألم "ديدييه بوحصيرة" اعتبر ذلك مجرد ترويج دون أساس علمي.