لم تشهد السنوات العشر السابقة لاندلاع الثورة السورية تبدّلات ملحوظة من ناحية استمرار انتهاك النظام السوري للعهود والشرائع الدوليّة التي أكّدت على وجوب حماية حرية التعبير وصونها، وعلى حماية الإعلاميين. بل مارس التضييق المستمر على الإعلاميين ومنعهم من السفر، وزجّ بالكثيرين منهم ومن المدونين وكتاب الرأي في السجون بناءً على مواقفهم وآرائهم الشخصية.
وسحبت سلطات النظام السوري تراخيص العديد من المطبوعات السورية التي سبق أن حصلت عليها بشكل نظامي من "وزارة الإعلام"، كما منعت توزيع وتداول الكثير من المطبوعات العربية داخل سوريا، وحجبت مئات المواقع الإلكترونية والمدونات وشبكات التواصل الاجتماعي.
الإعلام السوري قبل الثورة.. إطباقٌ وسيطرة
ومنذ تولي بشار الأسد السلطة في البلاد (عام 2000) بقيت جميع وسائل ومؤسسات الإعلام السورية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأجهزة النظام وحكومته، كما كانت الحال في أيام الأسد الأب.
إحكام القبضة على الإعلام المرئي والمسموع:
قنوات الإذاعة والتلفزيون السورية بكاملها ملك للنظام، وتتولى" وزارة الإعلام" إدارتها. ولضمان الرقابة والانضباط فيما تبثه هذه القنوات، فإن البث بأكمله مسجل والبث الحي المباشر معدوم تقريباً، فيما عدا خطابات الرئيس وخطابات بعض المسؤولين المقرّبين. أما البرامج الثقافية والأخبار والرياضة وغيرها فكلها يتم تسجيلها ومشاهدتها من قبل الجهات الرقابية المختصة، قبل بثها على الهواء.
والقنوات التلفزيونية (الحكومية) المعروفة هي: القناة الأولى والثانية والفضائية السورية والإخبارية. وحتى القنوات الخاصة "الدنيا" و"سما" فكانت ملكية الأولى تعود لرامي مخلوف، ابن خال رئيس النظام السوري، والثانية لرجل الأعمال محمد حمشو، شريك ماهر الأسد شقيق الرئيس، وبذلك لا تختلف عن بقية القنوات في تبعيتها للنظام. أما الإذاعات الحكومية فهي: إذاعة دمشق وصوت الشعب وصوت الشباب.
وبالإضافة إلى الإذاعة والتلفزيون، يحتكر النظام وكالة أنباء "سانا"، الوكالة الوحيدة في البلاد ولا يسمح بإنشاء وكالات أنباء خاصة، وتعود ملكيتها بالكامل للنظام الذي يلزم كافة الصحف والمطبوعات بالاشتراك في الوكالة كشرط من شروط الترخيص، واستقاء الأخبار السياسية منها حصراً.
صحف ناطقة بلسان حال النظام السوري:
وكذلك، تتبع "مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر" لحكومة النظام، وهي المؤسسة التي تصدر منها صحيفتا "تشرين" و"الثورة" الناطقتان باسم الدولة والنظام، بالإضافة إلى خمس صحف محلية أخرى وهي: العروبة في محافظة حمص، الفداء في حماة، الجماهير في حلب ، الفرات في دير الزور، والوحدة في اللاذقية. كما وتصدر من المؤسسة صحيفة "سيريا تايمز" الناطقة بالإنكليزية.
وتشكّل صحيفة "البعث" مع الصحيفتين السالفتين، تشرين والثورة، الصحافة الورقية اليومية في الإعلام السوري الرسمي. وتُطبع صحيفة "البعث"، الناطقة باسم "حزب البعث العربي الاشتراكي" الحاكم في سوريا، في مبنى "وزارة الإعلام" الكائن في أوتوستراد المزة بدمشق.
وبالنسبة للصحف الخاصة تبرز صحيفتا "الوطن" و"بلدنا" اليوميتان الوحيدتان في سوريا. وكحالة القنوات التلفزيونية الخاصة التي يمتلكها مقربون من النظام، تعود ملكية الأولى كذلك الأمر لرامي مخلوف أما الثانية فهي لـ مجد سليمان، نجل اللواء بهجت سليمان، ضابط الأمن المقرّب من الرئيسين السوريين، الأسد الأب وابنه، والذي شغل منصب سفير سوريا في الأردن قبيل اندلاع الثورة. كما يحتكر "مجد" هذا، الصحف الإعلانية المأجورة، كصحيفتي "الوسيط" و"البلد".
ويحتكر النظام أيضاً كلاً من المؤسسة العامة لتوزيع المطبوعات، وهو الوحيد الذي يحق له التحكم بتوزيع المطبوعات من خلال المؤسسة. وكذلك المؤسسة العربية للإعلان، حيث يتحكم بأسعار الإعلانات التي تعتبر أهم الموارد المالية الصحف.
تسخير قانون المطبوعات:
وللنظام يعود منح تراخيص المطبوعات وسحبها، حيث أعطى قانون المطبوعات (رقم 50/ 2001) لرئيس مجلس الوزراء ووزير الإعلام الحق في الموافقة أو رفض طلب الترخيص أو إنهائه.
وحتى النصف الثاني من عام 2011، لم يكن قد تم اعتماد أي قانون جديد بعد قانون المطبوعات السابق، وليس هناك صحافة مستقلة في سوريا.
ومع ذلك، وسعت حكومة النظام القيود التي تفرضها على وسائل الإعلام المطبوعة لتمتد إلى منافذ الإنترنت، مبددة الآمال المبكرة بأن دور الأسد بصفته رئيساً للجمعية العلمية السورية للمعلوماتية قبل تعيينه رئيساً سيجعله أكثر تقبلاً لحرية التعبير على الإنترنت.
كما حاكم النظام الصحفيين والمدونين والمواطنين الذين تجرؤوا على انتقاد السلطات أو الرئيس. وحوكمت الغالبية العظمى من الصحفيين والمدونين أمام محكمة أمن الدولة العليا، وقبيل اندلاع الثورة بنحو عام صنفت لجنة حماية الصحفيين سوريا في المرتبة الثالثة في قائمة أسوأ عشرة بلدان للمدونين، نظراً للاعتقالات والمضايقات والقيود التي يواجهها الكتاب على الإنترنت في سوريا.
"اتحاد صحفيين" مشلول:
أما "اتحاد الصحفيين"، الذي من المفترض أن يؤدي دور النقابة المدافعة عن الصحفيين، فلا يعدو كونه أكثر من دائرة تتبع لوزارة إعلام النظام، مهمته حصر أسماء الإعلاميين العاملين في مؤسسات الإعلام الحكومية ومنح بطاقات صحفية بصفة "عضو عامل"، وكذلك بطاقات للصحفيين المستقلين بصفة "عضو مشارك". ولا يسمح لغير المسجلين في الاتحاد بمزاولة الصحافة، كما وأنه لا يمتلك القدرة على الدفاع عن حقوق الصحفيين.
وعلى الرغم من وجود آلية انتخاب لرئيس وأعضاء إدارة الاتحاد إلا أن اختيارهم لا علاقة له بتصويت الأعضاء.
رقابة المواقع الإلكترونية:
وبالنسبة لما يتعلّق بإعلام الشبكة العنكبوتية، فقد هيمن النظام على كل شاردة وواردة فيه، وشدد الرقابة على المواقع الإلكترونية الإخبارية، وتشمل الثقافية منها أيضاً. فكان النظام يتحكم بكل من:
- الحجب: وهو حظر الدول على قائمة من المواقع التي قامت النظام السوري بحجبها بسبب آرائها السياسية أو الإثنية (265 موقع محجوب من النت- حقوق إنسان، وأحزاب كردية، وجماعات إسلامية، ودول عربية، وسياسية معارضة وبروكسي).
- مراقبة المواقع التي يتم زيارتها: وتُراقَب بواسطة هذه الميزة جميع الروابط التي يتم فتحها وأرشفتها بحسب المستخدمين و الفترات الزمنية.
- مراقبة المنافذ المفتوحة: يتم بواسطة هذه الميزة مراقبة جميع المنافذ الخاصة بالتطبيقات المفتوحة من ناحية المصدر والهدف، ومعرفة أماكن عمل المواقع ومن يقوم بإدارته.
- مراقبة برامج و مواقع التواصل: يتم بواسطة هذه الميزة مراقبة وتسجيل جميع الجمل والأحداث التي يتم تناولها عبر برامج التواصل وحفظها في سجلات ترتبط باسم الشخص أو رقم هاتفه، وبإمكان المختصين العودة لها في فترة معينة وفرزها والبحث ضمن محتوياتها بحسب الكلمات أو المستخدمين.
- قطع الخدمة: قامت النظام السوري بقطع خدمة الإنترنت عن العديد من المناطق، وتزامنت عمليات القطع في أيام الخميس والجمعة والسبت، كما تم قطع خدمة الإنترنت الجيل الثالث عن جميع أنحاء سورية وما زالت مقطوعة حتى اليوم في الكثير من المناطق.
الإعلام خلال سنوات الثورة السورية
بعد اندلاع الثورة المصرية بثلاثة أيام فقط، أي في الـ28 من كانون الثاني2011، رفعت أجهزة النظام السوري الأمنية الحجب عن موقع فيس بوك، ليرتفع عدد المتفاعلين مباشرة من بضعة آلاف إلى 400 ألف زائر. ومن يتابع نشاط الموقع سيدرك السرعة التي يتطور بها عدد المستخدمين السوريين، ويرصد توجهاتهم، ويلمس انضمامهم إلى الصفحات المعارضة التي تعبر عن اتجاهات الشباب الغاضب.
وانضمّ إلى صفحة "الثورة ضد بشار الأسد" التي انطلقت في بدايات شباط 2011 نحو 32 ألف متابع، وكذلك صفحة "كلنا سوريا" في نفس الفترة بـنحو 15 ألف متابع، وفق ما ذكر جمال باروت في كتابه "العقد الأخير من تاريخ سوريا" (ص155).
ويضيف باروت (ص175) بأن عملية رفع الحظر عن الفيس بوك كانت تعبّر عن دوافع أمنية للتعرّف إلى الناشطين الذين كانوا يهتمون في تلك الفترة بمتابعة أخبار الثورة في مصر ثم ليبيا واليمن قبل اندلاعها في سوريا.
وعلى الرغم من ذلك أدرك غالبية السوريين الهدف من رفع الحظر، ففضلوا الاستمرار بولوج الموقع عبر برامج "كسر البروكسي" لقناعتهم بأن أجهزة المخابرات المختصة لا تستطيع كشف المستخدم في حال استخدامه لتلك البرامج.
/تنويه: لا بد لنا من الإشارة هنا إلى أن عمليات التواصل والتنسيق اللاحقة بين النشطاء عند انطلاقة التظاهرات في سوريا، وخلال الأشهر الستة أو السبعة الأولى، لم تكن بالاعتماد الأساسي على صفحات الفيس بوك، سيما وأن استخدام الإنترنت كان يعتمد بشكل كبير على المقاهي وغالبيتها مراقبة من قبل أجهزة الأمن، وأعداد المشتركين في حزمات الـ (DSL) ضئيلة جداً. لذلك كان الاعتماد الرئيس ينصبّ على المكالمات الهاتفية (الموبايل) عبر استخدام رموز وكلمات متفقّ عليها بين النشطاء تدلّ على أماكن التظاهرات والتجمعات وأزمنتها. إلا أن الفيس بوك، كان يستفاد منه -إعلامياً- في معرفة أسماء المظاهرات يوم الجمعة والاطلاع على منشورات وتغطيات "تنسيقيات الثورة السورية" ، كونها شكّلت إحدى أهم وسائل الإعلام في تلك المرحلة/.
ومع تصاعد موجة التظاهرات تم منع الصحافيين الأجانب الموجودين في سوريا من زيارة المناطق التي تقع فيها المظاهرات. ولاحقاً تم إغلاق معظم مكاتب القنوات الإخبارية "المغرضة" بحسب تعبير النظام. ولم يكن مسموحاً سوى للصحافيين التابعين للنظام بأن يخبروا العالم ما يحدث، وكان هؤلاء الصحافيون ينفون بشكل قاطع وجود المظاهرات.
وتفاقمت المعركة الإعلامية بين القنوات الفضائية السورية المعارضة، والشبكات الإخبارية التي تمولها دول عربية تؤيد الثورة، وعلى الجانب الآخر كانت هناك القنوات التابعة للنظام السوري، بالإضافة إلى القنوات التي تمولها إيران، كقناة "العالم" و"المنار" و"الميادين".
ومع انحسار عدة محاولات لوجود وسيلة إعلامية سورية تنقل الأحداث، عاد السوريون لمتابعة أخبار بلادهم عبر قناتي الجزيرة القطرية، والعربية السعودية بشكل رئيسي، بينما انشغل التلفزيون الرسمي السوري برصد تفاصيل الحياة اليومية البعيدة عن الواقع.
ظاهرة "المواطن الصحفي":
بعد مضي نحو أسبوعين على انطلاق الاحتجاجات كان النظام السوري قد أفرغ البلد بشكل شبه كامل من ممثلي وكالات الإعلام ومحطات التلفزة الدولية والعربية وأغلق مكاتبها في دمشق، كما أسلفنا. وراح يشنّ حملات التحريض على الإعلام العربي والدولي متهما إياه بإثارة الفتنة، وتحميله مسؤولية الاحتجاجات الشعبية ضمن هجمة منظمة على الفضائيات لثنيها عن تغطية ما يجري من انتهاكات بحق المحتجين.
ونتيجة سياسة العزل الإعلامي الدولي التي مارسها النظام، راح الهواة من الشباب السوري المحتج يعملون على نشر مقاطع الفيديو التي يصورونها على شبكات الإنترنت لدحض روايات النظام.
فنشأت بذلك ظاهرة "المواطن الصحفي/ الناشط الإعلامي" التي انتشرت لتعمّ أرجاء المدن السورية المنتفضة بالإضافة إلى الواقعة تحت سيطرة النظام أيضاً. وبالرغم من بساطة أدوات أولئك النشطاء التي طوروها شيئاً فشيئاً خلال أشهر وسنوات الحرب، ابتداءً من كاميرا الهاتف المحمول وصولاً إلى استخدام بعضهم للكاميرات الرقمية، إلا أن التجربة صقلت الكثيرين منهم وباتوا اليوم يمارسون العمل الإعلامي بكل حرفية، ويعمل كثير منهم في وسائل إعلام سورية وعربية وعالمية في تحرير الخبر والتصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني، ونال كثيرون جوائز عالمية.
قوانين جديدة لإعلام النظام.. تكرير المُكرّر:
وفي محاولة منه لامتصاص الغضب الشعبي في مناطق سيطرته بعد أشهر من اندلاع الثورة، وتحديداً في نهاية تموز2011، أصدر رئيس النظام مرسوماً أقرّ فيه إطلاق قانون جديد للإعلام. وتمّ الإعلان فيه عن تشكيل ما يسمى بـ "المجلس الوطني للإعلام".
منحت مواد القانون الجديد،شكلياً، حقوقاً للصحفيين، إذ ذكر في البندين (أ- ه) من الفصل الثالث أن يعطى للإعلامي الحق في البحث عن المعلومات أياً كان نوعها وعلى الجهات والمؤسسات المعنية بالشأن العام تسهيل مهمة الإعلامي في الحصول على المعلومة. إلا أن المادة (9) من الفصل نفسه نصت على أن يحدد مجلس الوزراء المعلومات التي يحق للجهات العامة عدم الكشف عنها.
وسرعان ما صدر قرار من حكومة النظام، في أيلول 2011، يقيّد حصول الصحفي على المعلومات.
كما أشارت المادة 11 إلى أن أي اعتداء على إعلامي في معرض تأدية عمله يعدّ بمنزلة الاعتداء على الموظف العام، ويعاقب المعتدي بالسجن. والمواد من 12 وحتى 17 حظرت على الصحفيين نشر العديد من المواضيع، وهي عينها التي كانت محظورة في القوانين السابقة، مثل: المحتوى الذي يمسّ بالوحدة الوطنية والأمن الوطني أو الإساءة للديانات، والتحريض على جرائم العنف والإرهاب، والأخبار المتعلقة بالجيش والقوات المسلحة، وكل ما يمسّ برموز الدولة.
ويتضح من خلال تلك المواد بأنه لم يستجدّ شيء على الإعلام السوري بالمطلق، بل وزاد من تأويلات وتفسيرات الخطوط الحمر التي يحرّم على الصحفي تجاوزها.
أما في العام 2012 فقد صدر المرسوم رقم 17 الخاص بتطبيق قانون التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية وتنظيم التواصل وتحديد مسؤوليات مقدمي الخدمات على الشبكة، كالإنترنت والخليوي. وصدر قرار في 2018 بإحداث محاكم مختصة بتلك الجرائم. إلا أنها أوجدت للتوظيف السياسي لأجل الحد من حرية التعبير وقمع الآراء.
وفي تشرين الثاني الماضي، طرح النظام السوري آخر إصداراته المتعلقة بالإعلام، حيث أقرّ (مجلس الشعب) مشروع مرسوم إحداث "وزارة إعلام" جديدة لتحل محل الوزارة القديمة المحدثة بالمرسوم التشريعي رقم 186 بتاريخ الـ10 من كانون الأول 1961.
وزعمت "وزارة الإعلام" التابعة للنظام أن الموافقة على المشروع الجديد جاءت بهدف "إيجاد قانون عصري يتماشى مع التطورات الحاصلة في مجال الإعلام والاتصال وخاصة في الأمور الإجرائية التي لم يشملها القانون النافذ".
إلا أن المشروع الجديد وسّع من صلاحيات الوزارة وتشديد رقابتها وتحكّمها بمختلف جوانب الإعلام ومؤسساته من خلال إجرائه تعديلات على "قانون الإعلام" رقم 108 لعام 2011 الذي مررنا عليه، بما يخص النشر على وسائل التواصل الاجتماعي و"اعتماد مكاتب إعلامية لوسائل الإعلام غير السورية ومراكز البحوث الإعلامية واستقصاء الرأي ومراكز التدريب".
الانتهاكات بحق الإعلاميين والناشطين
لم يسلم الإعلاميون والمواطنون الصحفيون (النشطاء) من بطش آلة الحرب. فقد لاحقهم القصف الجوي التابع للنظام والروس الذي تسبب في مقتل أو إصابة العديد منهم، لا سيما من خلال الضربات المزدوجة التي تستهدف تجمعات المدنيين وعلى رأسهم الكوادر الإعلامية التي تتوافد إلى المكان لإعداد التقارير ورصد وقائع الحدث.
ولم تتوقف الانتهاكات بحق الإعلاميين عند النظام السوري وقواته فحسب، بل يتم استهدافهم من قبل مختلف التنظيمات والقوى المسيطرة في الداخل السوري.
إذ وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ارتقاء نحو 695 من الكوادر الإعلامية، ومن بينهم صحفيون أجانب في الفترة ما بين 15 آذار 2011 وبداية شهر أيار 2019 (شهد العام 2012 لوحده مقتل كل من الصحفية ماري كولفن والمصور الفرنسي جيل جاكييه، وريمي أوشليك وميكا ياماموتو. أما في العام 2013 فشهد مقتل كل من أوليفييه فوازان وإيف دوباي).
النظام صاحب الحصة الأكبر بارتكاب الانتهاكات:
ووقع عدد الضحايا الأكبر على يد النظام السوري والميليشيات المحلية والأجنبية المساندة له (546 إعلامياً) ليأتي تنظيم "الدولة" (داعش) في المرتبة الثانية بـ (64)، ويتوزّع الباقي بين القوات الروسية و"هيئة تحرير الشام" و"قوات سوريا الديموقراطية/ قسد" وفصائل المعارضة.
كما وتستمر عمليات الاعتقال والاحتجاز والاختفاء القسري والتصفيات الجسدية من قبل تلك القوى وعلى رأسها النظام السوري الذي لم يسلم منه حتى موالوه المقربون، ومثال ذلك اعتقال "وسام الطير" أحد أهم إعلاميي ومسوقي النظام والذي بقي مصيره مجهولاً لأكثر من تسعة أشهر قبل أن يتم إطلاق سراحه دون ممارسته لاحقاً لأي نشاط إعلامي.
انتهاكات "تحرير الشام":
أما بالنسبة لـ "هيئة تحرير الشام"، فمنذ إتمام سيطرتها على إدلب (2015) ولغاية مطلع 2020، كثرت أنباء احتجاز أو اختطاف النشطاء الإعلاميين في مناطق سيطرتها، ناهيك عن مسؤوليتها المباشرة في اغتيال عدد من الإعلاميين البارزين في ريف إدلب، مثال ما حصل مع رائد الفارس وزميله محمود جنيد، وإعدامهم للمحتجز لديهم، الناشط سامر السلوم. وتدريجياً، بدأت تتراجع تلك الحالات بعد 2020 نظراً لتحكّم "الهيئة" وواجهتها المدنية "حكومة الإنقاذ" بمختلف أشكال الإعلام في مناطق سيطرتهم.
انتهاكات "قسد" و"الجيش الوطني":
كما تشهد مناطق سيطرة "قسد" العديد من الانتهاكات جراء قمعها لكل من يعارض سياستها من الصحفيين وتعرض الكثير منهم للاحتجاز والاختفاء القسري، والأمثلة على ذلك كثيرة، من بينها ما حدث خلال عام 2022 سواء مع الصحفي أحمد صوفي مراسل شبكة "ARK" في شباط، وكذلك مع الصحفي في شبكة "روداو" برزان فرمان، وتعليق ترخيص عمل الشبكة الإعلامية في مناطق سيطرة "قسد" في شهر آب من نفس العام، بالإضافة إلى اعتقال 16 صحفياً في الرقة في تموز 2022.
ولم يكن الوضع في المناطق الخاضعة لسيطرة "الجيش الوطني السوري" أقل سوءاً من المناطق السالفة، ولعل حادثة اغتيال الإعلامي حسين خطّاب ومحاولة اغتيال مراسل تلفزيون سوريا بهاء الحلبي في مثل هذا اليوم من عام 2021، بالإضافة إلى اغتيال الناشط محمد أبو غنوم مع زوجته الحامل في تشرين الأول الماضي، من بين أفظع حالات استهداف الإعلاميين في شمال غربي سوريا.
الإعلام السوري البديل
مع اشتداد موجات النزوح والتهجير، شهدت بعض دول اللجوء السوري، ومنها تركيا بشكل رئيسي، ولادة المئات من وسائل الإعلام السورية، المستقلة والمحايدة والمتعاطفة ضمنياً مع الثورة. ومنها أيضاً من وسم نفسه باسم "الإعلام الثوري" وانحاز علناً لصالح الثوار، وكُنيت هذه الوسائل الوليدة خارج وصاية النظام باسم "الإعلام السوري البديل".
الصحف والمجلات السورية البديلة:
ووصلت أعداد صحف ومجلات الإعلام البديل التي صدرت خلال الفترة المحصورة بين أيار 2011 ومطلع 2020، في الداخل السوري ودول اللجوء، خصوصاً تركيا، إلى أكثر من 360 صحيفة ومجلة مطبوعة ورقياً وإلكترونية مصممة بقالب طباعي، ويحتفظ موقع "أرشيف المطبوعات السورية" بأعداد لـ 304 صحيفة ومجلة لم يبق منها سوى 12 ما تزال نشطة حتى اليوم، بعضها بصورة متقطّعة.
ومن بين أسماء تلك المطبوعات نذكر على سبيل المثال: صحيفة "عنب بلدي" الأسبوعية التي انطلقت من مدينة داريا بريف دمشق، ومجلة "أوكسجين" في الزبداني بريف دمشق الغربي، و"حبر" و"زيتون"، و"سوريتنا" و"طلعنا عالحرية" التي تتبع لجان التنسيق المحلية، وصحيفة "عين المدينة" "صدى الشام"، و"كلنا سوريون" و"رؤية سورية" و"الغربال" و"حنطة" و"طيارة ورق".
قنوات التلفزة والإذاعة السورية البديلة:
كما ظهر أكثر من عشر قنوات معارضة للنظام، جميعها تبث من خارج البلاد، مثل قناة "الجسر" التي كانت تسمى قناة "دير الزور"، و"سورية 18 آذار"، و"سورية الغد"، والثلاثة أغلقت. وقناة "شدا الحرية" و"السوري الحر"، بالإضافة إلى قناة "سوريا الشعب" التي أُغلقت بعد ثلاث سنوات لأسباب عدَّة من ضمنها غياب الدعم وأمور أخرى تتعلق بالسياسة التحريرية، وقناة "شامنا" التي لم تستمر طويلًا أيضاً لغياب الدعم، وقناة "بردى" التي كانت تتمتع بدعم غربي وظهرت منذ ما قبل الثورة إلا أنها أُغلقت كذلك الأمر.
وكان هناك أيضاً تلفزيون "أورينت" الذي ظهر منذ عام 2008 ثم أصبح يركز بشكل خاص على الشأن السوري بعد الثورة، وتحول لاحقاً إلى "أورينت نيوز"، وحالياً اقتصر على البث عبر الموقع الإلكتروني.
وتوجد اليوم قناة "حلب اليوم" التي بدأت بثها في نهايات 2011 من داخل مدينة حلب سراً بالتعاون مع شركة بث فضائي خارج سوريا قبل أن يصبح مقرها لاحقاً في غازي عنتاب التركية.
وأخيراً، قناة تلفزيون "سوريا" التي انطلقت في آذار 2018 وما تزال تبث برامجها عبر المحطات الفضائية وموقعها الإلكتروني، ومقرها في إسطنبول التركية.
وبالإضافة إلى قنوات التلفزة، ظهرت عشرات الإذاعات المعارِضة مثل "راديو الكل"، و"أورينت"، و"روزنا"، و"بداية جديدة"، و"نسائم" و"سمارت" و"وطن" و"ألوان"... وعلى الرغم من ضخامة العدد وتنوع المضمون، إلا أن مختلف مؤسسات الإعلام البديل، المقروءة والمسموعة والمرئية، ما زال دورها أقل مما يجب عليها شغله بصورة عامة.
الإعلام السوري يتذيّل قوائم التصنيفات العالمية بسبب نظام الأسد
بحسب التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2022 الذي نشرته منظمة "مراسلون بلا حدود"، حلّت (سوريا) في المرتبة 171 من بين 180 دولة، متقدمة بمرتبتين عن تصنيف العام 2021، قبل العراق وكوبا وفيتنام والصين وميانمار وإيران وإريتريا وكوريا الشمالية.
وأشارت المنظمة إلى أن النظام السوري يتحمل المسؤولية الأكبر فيما وصلت إليه البلاد من أسوأ التصنيفات على مستوى العالم. وقالت إن الصحفيين السوريين "يُحرمون من الوصول إلى أجزاء كاملة من البلاد، ووسائل الإعلام مغلقة أمام التعددية وتنشر الفكر البعثي"، مشيرة إلى أن ذلك "دفع بالعديد من الصحفيين إلى المنفى".
وعن الانتهاكات بحق الصحفيين السوريين، أكدت "مراسلون بلا حدود" أنها تشمل "الاعتقال والخطف والتعذيب والاغتيالات"، مشيرة إلى أنه كثيراً ما يُجبر الصحفيون السوريون على النفي لتجنب سوء المعاملة أو الموت".
وأوضحت أن حكومة النظام "عبر ثلاث وسائل إعلام، إذاعية وتلفزيونية ووسائل مطبوعة، جميعها تبث دعاية للنظام"، مضيفة أن "الشبكات الاجتماعية الأداة الرئيسية لوصول المعلومات؛ إذ من الصعب التحكم بمحتواها، على الرغم من الرقابة عليها".
وأشارت مراسلون بلا حدود إلى أن نحو "ثلث الإعلام المستقل والمعارض حالياً موجود في المنفى".