icon
التغطية الحية

من إسقاطه إلى إنقاذه.. هكذا تحاول الإمارات إنعاش نظام الأسد

2021.10.22 | 16:24 دمشق

بشار الأسد ومحمد بن زايد (أرشيفية)
 تلفزيون سوريا ـ عبد الناصر القادري
+A
حجم الخط
-A

فتح الاتصال الهاتفي الذي أجراه بشار الأسد رئيس النظام في سوريا، مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، يوم الأربعاء الماضي، التساؤلات عن مدى نسيان مسؤولي الدول لتصريحاتهم التي أدلوا بها أمام وسائل الإعلام، إضافة للدور الإماراتي في تعويم نظام الأسد عربياً وإقليمياً. 

قبل عدة سنوات فقط، كان بشار الأسد شخصاً غير مرغوب فيه بالعالم العربي لأنه يقتل شعبه، وهذا ما أكّده وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد في مؤتمر أصدقاء سوريا في باريس، عام 2012، حينما قال: "كفى قتلاً وتعذيباً ومجازر وكفى علينا المشاهدة".

ووجه شقيق ولي عهد أبوظبي تساؤلات إلى المجتمع الدولي حول المدة التي سيستمر فيها الصمت والسكوت عن المجازر التي يرتكبها نظام الأسد بحق السوريين.

لم يجب أحد من المجتمع الدولي على تساؤلات الوزير الإماراتي عن تلك المجازر وموعد توقفها، ما دفع أبوظبي لإعادة ترتيب أوراقها وإجراء انعطافة سياسية معيدة علاقاتها المباشرة والرسمية مع نظام الأسد.

من الثورة إلى التطبيع

بدت الإمارات متشجعة لإسقاط نظام الأسد بعد اندلاع الثورة السورية في آذار 2011، وقطعت العلاقات الدبلوماسية مع نظامه وسحبت بعثتها الدبلوماسية عام 2012، بعد ارتفاع وتيرة العنف ضد الشعب تناغماً مع الموقف الغربي عموماً.

وعلى مدار السنوات التالية دعمت أبوظبي الفصائل العسكرية بالمال والسلاح خلال فترات معينة، إلى جانب استضافة شخصيات موالية للنظام أو تابعة له أو من عائلة بشار الأسد على أراضيها، بما عد تناقضاً.

فقد كانت بشرى حافظ الأسد، شقيقة بشار الأسد، مقيمة في دبي مع أبنائها، بالإضافة إلى تقارير أكدت وفاة والدة الأسد أنيسة مخلوف في دبي عام 2016، كما أن محمد، نجل رامي مخلوف، ابن خال الأسد، يقيم في دبي وله استثمارات واسعة هناك.

وفي كانون الأول من عام 2018، أعادت الإمارات وبشكل رسمي افتتاح سفارتها في دمشق، ثم قامت البحرين بذات الخطوة، في محاولة لإعادة تعويم النظام بعد عزلة دولية واسعة.

سفارة الإمارات لدى الأسد

وسبق افتتاح السفارة، زيارة وفد اقتصادي من الإمارات للعاصمة دمشق، بهدف إقامة مشاريع استثمارية جديدة.

نظام الأسد من جهته، رحب بخطوة أبوظبي، داعياً جميع الدول العربية إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية معه في ظل عزلته الدولية التي كان وما زال يعيشها، مع وجود أكثر من مليون قتيل وجريح، ومئات الآلاف من المعتقلين، بالإضافة لأكثر من 10 ملايين سوري بين لاجئ ونازح.

كما قال وزير الدولة اﻹماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، حينذاك، إن "عودة العلاقات بتفعيل الدور العربي في سوريا، أصبحت أكثر ضرورة تجاه التغول الإقليمي الإيراني والتركي".

بدورها، أعلنت شركات طيران إماراتية، في أيار 2019، استعدادها لاستئناف رحلاتها إلى سوريا، باعتبارها سوقاً مهمة وجيدة، لتبدأ شركة طيران "فلاي دبي" بتسيير رحلاتها اعتباراً من كانون الثاني 2020.

كيف دعمت الإمارات نظام الأسد؟

رغم اللغة التصعيدية التي وجهها وزير الخارجية الإماراتي لنظام الأسد، كان مفاجئاً انتشار العديد من التقارير التي أكّدت أن الإمارات ساهمت إلى حد كبير في دعم نظام الأسد خلال حربه ضد فصائل الجيش الحر والمعارضة خلال سنوات الثورة.

وأكّدت صحيفة "يني شفق" التركية في كانون الثاني عام 2019، أن أبوظبي تورطت في مقتل 80 قيادياً من المعارضة السورية العسكرية؛ بعد تزويد نظام الأسد بمواقع وجود هذه القيادات، الذين أعطتهم مسبقاً عشرات هواتف "الثريا" (شركة إماراتية) المتّصلة بالأقمار الصناعية.

وبحسب الصحيفة، فقد تسبّبت أبوظبي عبر هذه الخدعة بمقتل كل من زهران علوش قائد فصيل "جيش الإسلام"، وعبد القادر الصالح قائد "لواء التوحيد"، وحسان عبود قائد حركة "أحرار الشام" وآخرين غيرهم.

من جانبه، كشف موقع "أوريان 21" الفرنسي في شهر حزيران 2020، أن معلومات استمدها من تحقيق أجرته لجنة "العدالة والحرية للجميع" الفرنسية (غير الحكومية) تكشف وجود مساعدات لإعادة الإعمار وشراكات عسكرية وأمنية بين الجانبين.

وأشار التقرير إلى أن الإمارات فور إعادة فتح سفارتها في دمشق، أواخر 2018، قدّمت مساعدات طبية وغذائية للمستشفيات في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، وتولّت تمويل إعادة بناء مبانٍ عامة ومحطات للطاقة وشبكات مياه في العاصمة دمشق.

ونقل التقرير عن مصادر أن أبوظبي تقدم الدعم العسكري لنظام بشار الأسد، وأن 8 ضباط إماراتيين سافروا لتقديم المشورة لقيادة قوات الأسد، وسط التحاق 5 طيارين سوريين بكلية "خليفة بن زايد" الجوية في مدينة العين بأبوظبي؛ من أجل تحسين مهاراتهم، وفق توصيفه.

الخشية من العقوبات 

ويبدو أن التطبيع الإماراتي مع نظام الأسد كان متعثراً بالفيتو الأميركي الذي منع إعادة العلاقات معه، والذي زادت تداعياته السياسية بعد إقرار إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب لقانون "قيصر" الذي تم بموجبه فرض عقوبات على 39 شخصية وكياناً في النظام بينهم رأسهُ بشار الأسد، وداعموه روسيا وإيران.

وبعد انتشار جائحة كورونا عالمياً، وجدت الإمارات باباً جديداً لرفع وتيرة التطبيع مع نظام الأسد، حيث أعلن محمد بن زايد  في 27 آذار 2020، عبر موقع "تويتر" أنه أجرى محادثة هاتفية مع الرئيس السوري، هي الأولى منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 2012.

وقال بن زايد، على حسابه في "تويتر"، إنه بحث هاتفياً مع الأسد تداعيات انتشار فيروس كورونا، وأكد دعم الإمارات ومساعدتها للشعب السوري، معتبراً أن "التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار، وسوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة".

وبعد ذلك بأسبوعين قال موقع "ميدل إيست آي" البريطاني إن بن زايد اقترح دعم الأسد بما قيمته ثلاثة مليارات دولار؛ مقابل العودة إلى القتال في محافظة إدلب السورية على الحدود مع تركيا.

هذه التطورات دفعت الولايات المتحدة للتأكيد على أنها تعارض الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الإماراتية في سياق إحياء العلاقات مع النظام السوري، لافتة إلى أن عقوباتها الخاصة بنظام الأسد قد تستهدف جهات إماراتية.

وأوضح الممثل الأميركي الخاص المعني بشؤون سوريا حينذاك، جيمس جيفري، في مؤتمر صحفي في حزيران 2020، "الإمارات تعرف أننا نرفض على الإطلاق اتخاذ الدول مثل هذه الخطوات... أكدنا بوضوح أننا نعتبر ذلك فكرة سيئة".

وبيّن جيفري أن مثل هذه الإجراءات "لن تسهم في تطبيق قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (رقم 2254) وإنهاء النزاع الذي يقلق جداً المنطقة كلها".

وأضاف: "كل من يمارس الأنشطة الاقتصادية، إن كان في الإمارات أو في البلدان الأخرى، وتطابقت هذه الأنشطة مع معايير القانون الخاص بالعقوبات، فقد يتم استهدافه بها".

إدارة بايدن تغض الطرف

ولعل التغيرات التي حملتها الانتخابات الرئاسية الأميركية بقدوم الديمقراطي جو بايدن، ساهمت في تنشيط المساعي الإماراتية لإعادة تعويم بشار الأسد في الفترة الأخيرة، خصوصاً في ظل مساعي ملك الأردن عبد الله الثاني للترويج لنظام الأسد بقبول من واشنطن، وسماح الأخيرة بإعادة تشغيل خط الغاز العربي من مصر إلى لبنان مروراً بالأردن وسوريا، باختراق واضح لعقوبات الولايات المتحدة.

واتصل بشار الأسد مع الملك الأردني قبل اتصاله مع محمد بن زايد بـ 20 يوماً تقريباً، في إطار التحركات الحثيثة التي يجريها نظام الأسد لإعادة العلاقات مع هذه الدول التي قد تنقذه من الأزمات غير المنتهية التي تغرق فيها مناطق سيطرته.

ويبدو أن التحذيرات الأميركية السابقة لم تعد الآن تجد لها صدىً في أروقة السياسة الإماراتية، حيث إن التراخي الأميركي بما يخص العقوبات لم يعد بالحزم نفسه مع تغير المسؤولين عن الملف.

وفي هذا السياق قال "ديفيد ليش" الخبير في الشأن السوري بجامعة ترينيتي بولاية تكساس الأميركية، إن "حلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي يشجعون واشنطن على رفع الحصار عن نظام الأسد والسماح بعودة اندماجه في المحيط العربي، ويبدو أن إدارة بايدن تستمع لذلك إلى حد ما".

هل تنجح الإمارات بإنعاش الأسد؟

ويرى المحلل السياسي عبد الرحمن عبارة، أنه "ليس بالأمر السهل على عدة دول عربية مجتمعة إخراج نظام الأسد من غرفة الإنعاش، فكيف بجهود دولة واحدة" مؤكداً أن "جسد النظام المتهالك، والضعف والفساد المالي والإداري المُستشري في كل مفاصل ما تبقى من (الدولة السورية) وعلى كل مستوياتها، وبالتالي لن تنفع مع النظام كل محاولات الإنعاش".

وأضاف عبارة في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا" أن "المساعدات الإماراتية محدودة، والاستثمارات خجولة وما زال معظمها حبراً على الورق، من جراء خضوعها المسبق للشروط الأمريكية".

ولفت المحلل السياسي السوري أن "الدعم السياسي فهو أيضاً يخضع لذات الشروط، والدعم الإماراتي السياسي لنظام الأسد ما زال يرواح في المكان، كما يُعتبر عامل غير مستقر على المدى المتوسط".

وأكّد كذلك على أنه "في ظل بقاء أجزاء واسعة من الأراضي السورية غير خاضعة لسلطة نظام الأسد، ومع بقاء المواقف الدولية دون تغيير يذكر فلا أعتقد أنه من الممكن إنقاذ النظام، على الرغم من محاولات روسيا وبعض الدول الإقليمية لرفع العقوبات الغربية عن النظام، والسماح ببدء إعادة الإعمار".

ويعتقد "عبارة" أن "فكرة الأموال والمساعدات الغربية لأجل إعادة الإعمار في سوريا؛ هي فكرة تبدو أقرب للمستحيل منها للواقع خصوصاً في حال بقاء بشار الأسد رئيساً لسوريا".

كم كان حجم استثمارات الإمارات في سوريا؟

ولعل السؤال الأبرز اليوم، ما إمكانية نجاح الإمارات في إنقاذ الأسد من أزماته الاقتصادية التي تحاصره داخلياً وسط نقص كبير في أساسيات الحياة بسوريا؟

وكانت الإمارات قبل عام 2011، ثاني أكبر مستثمر عربي بسوريا بعد السعودية، لا سيما في قطاع المجمعات العقارية والسياحية، وقد بلغ إجمالي ما كانت تستثمره نحو الـ 20 مليار دولار.

وكانت الإمارات أيضاً أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر داخل سوريا، خلال العقد الأول من القرن الحالي، حيث بلغ حجم التجارة بين البلدين عام 2009 نحو 322 مليون دولار.

ويمر اقتصاد نظام الأسد بأزمة مالية طاحنة بالتزامن مع ارتفاع أسعار المحروقات وندرتها بالأسواق، وتراجع المداخيل من النقد الأجنبي بسبب الضغوط التي يواجهها قطاع الصادرات.

وبلغت خسائر الاقتصاد السوري منذ عام 2011 وحتى مطلع العام الجاري 530 مليار دولار، وهو ما يعادل 9.7 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لعام 2010 بالأسعار الثابتة.

إمداد اقتصاد الأسد

وقبل ساعات من اتصال بشار الأسد بمحمد بن زايد في 20 من تشرين الأول الجاري، أصدرت وزارة الاقتصاد في حكومة الأسد، قراراً يقضي بتشكيل "مجلس الأعمال السوري الإماراتي" بهدف "تطوير التعاون في المجال الاستثماري وإتاحة المجال للشركات الإماراتية لإعادة إعمار سوريا بالاستفادة من قانون الاستثمار الجديد رقم 18 لعام "2021، وفق وكالة أنباء الأسد "سانا".

وخلال الأشهر الماضية نشطت الإمارات في إرسال الوفود واللجان إلى دمشق واستقبلت نظيرتها في أبوظبي ودبي، بما يؤكد مساعي الحكومة الإماراتية لإنقاذ الوضع الاقتصادي المتردي الذي تعيشه مناطق النظام، تهيئة لإعادة تعويمه.

وفي 3 من تشرين الأول الجاري، أعلنت وزارة الاقتصاد في حكومة الأسد، أن لقاء جمع وزير الاقتصاد محمد سامر الخليل مع نظيره الإماراتي عبدالله بن طوق على هامش أعمال معرض "إكسبو 2020" في دبي بحثا خلاله قانون الاستثمار الذي سنه نظام الأسد والذي "يؤمّن بيئة استثمارية مناسبة وجاذبة في مرحلة التعافي وإعادة الإعمار، وتشجع المستثمرين على إقامة المشاريع في كل المجالات".

وكشفت وزير الاقتصاد الإماراتي أنها تستحوذ على 14% من حجم تجارة سوريا الخارجية، مؤكدة أن نظام الأسد من أهم شركائها التجاريين.

وأضاف أن حجم التبادل التجاري غير النفطي مع نظام الأسد بلغ 2.6 مليار درهم خلال العام الماضي، وقيمة الاستثمار السوري المباشر في دولة الإمارات بلغ 1.5 مليار درهم حتى نهاية 2019، وفق "الإمارات اليوم".

كما التقى وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي سهيل المزروعي مع وزير الموارد المائية بالنظام السوري تمّام رعد، في 22 من أيلول 2021، بإمارة دبي على هامش اجتماعات المنتدى العربي الخامس للمياه، وجرت مباحثات لتعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات، خاصةً ملفي المياه والطاقة.

وبحسب وكالة "سانا"، فإن المزروعي أكد أن "الإمارات مستعدة للمساهمة في إعادة إعمار سوريا بهدف تعزيز التنمية وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الحرب المستمرة منذ 10 سنوات".

إلى أين سيصل التطبيع بين الجانبين؟

من الواضح، أن هناك رغبة لدى الإمارات بتجاوز العقوبات الاقتصادية، فقد تزامن اتصال محمد بن زايد ببشار الأسد مع تفعيل النظام السوري لمجلس الأعمال السوري - الإماراتي والذي كان قد توقّف منذ عام 2012، ويرى الباحث عبدالوهاب عاصي أن تأخر عمل هذا المجلس "بسبب مخاوف أبو ظبي من العقوبات الأميركية".

وأضاف عاصي: يمكن القول إن الإمارات باتت أكثر جرأة وقناعة بإمكانية إعادة تفعيل وتشكيل مجلس التعاون الاقتصادي مع النظام السوري بعد الاستثناء الذي منحته واشنطن لخط الغاز العربي الذي سيُزوّد لبنان بالكهرباء بعد مروره بسوريا".

ويستبعد عاصي أن تكون الولايات المتحدة قد غيرت موقفها من تطبيع العلاقات الدولية مع النظام السوري، وكان آخر تأكيدات واشنطن إزاء ذلك في ما قاله وزير الخارجية أنتوني بلينكن منتصف الشهر الجاري، عن عدم دعم أي جهود رامية لتطبيع العلاقات مع الأسد، وبالتالي استمرار  العقوبات ومعارضة إعادة الإعمار دون إحراز تقدم لا رجوع عنه في العملية السياسية وفق القرار 2254 (2015).

وأشار عاصي إلى أن "الإمارات غالباً ما تلتمس من موقف الولايات المتحدة وجود هامش يتيح لها توسيع مستوى التعاون مع النظام السوري، على اعتبار أن هناك اختباراً من واشنطن لإمكانية تفعيل التطبيع العربي كبديل عن علاقة النظام السوري مع إيران".

وربط عاصي إحراز الإمارات لتقدم في العلاقات مع النظام بمدى رد فعل الولايات المتحدة واستجابة النظام السوري للشروط العربية المدعومة من روسيا بالابتعاد عن إيران.