لم يكن معتز محمد يعلم أن مخاطرته بحياته من أجل الوصول إلى السويد، ستنتهي به بالعودة مجدداً إلى مصر التي غادرها قبل ثماني سنوات بحثاً عن الاستقرار.
عاد معتز (46 عاماً) إلى مصر بعد ما حصل على الجنسية السويدية هو وزوجته وأطفاله الثلاثة، تاركاً خلفه كل وسائل الدعم التي تقدمها الدول الأوروبية للاجئين.
يقول معتز إنه يخشى أن يفقد أطفاله متأثراً بحالات سحب "السوسيال" للأطفال الذين يتعرضون لعنف أسري.
في الوقت الذي يطمح فيه كثير من السوريين للوصول إلى أوروبا مستعدين لتحمل المخاطر والأهوال والأعباء، إلا أن معتز ليس الوحيد الذي قرر ترك النعيم الأوروبي.
وصل معتز إلى السويد في عام 2015 بعد رحلة بحرية شاقة استغرقت 13 يوماً من الإسكندرية إلى إيطاليا، ثم واصل مسيرته إلى السويد التي استقر فيها وأكمل إجراءات لم شمله مع عائلته بعد سنة من الوصول.
الخوف من "السوسيال"
يقول معتز لموقع "تلفزيون سوريا"، كان الوضع في البداية جيداً، وأطفالي يذهبون إلى المدرسة، وأنا وزوجتي نعمل بدوام كامل، وحصلنا على الجنسية السويدية.
ويضيف، ولكن بعد عدة سنوات حدثت بعض المشكلات مع ابني الأصغر في المدرسة بسبب فرط الحركة لديه ومشكلات دراسية أخرى، مما جعل "السوسيال السويدي" يطلب رؤيتنا، وقد زعموا أن الأمر نابع من تعنيف أسري.
تعد دائرة الشؤون الاجتماعية المعروفة"بالسوسيال" في السويد، المؤسسة المسؤولة قانونيا عن ضمان تنشئة الطفل في بيئة صحية وآمنة، وقد أُسِّست بهدف حماية الطفل عندما يكون عرضة للإهمال الواضح، كأن يتعرض للعنف الجسدي أو النفسي.
وفي حال تلقت هذه المؤسسة معلومات بوجود خطر يهدد الطفل، يحق لها بموجب القانون سحبه وفتح تحقيق في الأمر ووضعه عند عائلة مضيفة.
يقول معتز، كنت قد سمعت عن العديد من حالات الأطفال الذين تم سحبهم من أهاليهم، ووضعهم في نظام حماية الأطفال لدى أسر سويدية، فشعرت بالخوف الشديد على أطفالي وقررت مغادرة السويد، والعودة إلى مصر.
ويضيف معتز، شاركت أحد أصدقائي في مصر بمشروع، وأعدت أطفالي للمدارس، الحياة في مصر آمنة، بالإضافة إلى وجود العديد من أقاربي هنا، ولا أفكر بالعودة إلى السويد.
الخوف من ضياع الهوية الدينية
لم يكن الخوف من"السوسيال" الأمر الوحيد الذي يقلق عيش بعض السوريين في أوروبا، فالخوف من الابتعاد عن الدين، والمحافظة على العادات الاجتماعية في ظل أوقات العمل الطويلة للوالدين، وبقاء الأطفال في المدارس وقتا أطول، ومحاولات الاندماج في المجتمع.
عبد الملك إدريس (43 عاما) سوري كان يقيم في ألمانيا لنحو 8 سنوات، ولكن عندما بدأ أطفاله بالنمو، وبات يشعر أنه قد يفقد السيطرة على نفسه وعليهم، قرر أن ينقل أسرته إلى مصر.
يقول عبد الملك، هاجرت إلى ألمانيا بحثا عن حياة بعيدة عن الحرب، وكنت أعمل مدرسا للغة الإنجليزية مما جعلني مؤهلا للعمل في مدرسة ابتدائية في ألمانيا، وكان أطفالي صغارا فلم يبدُ الأمر مقلقا في البداية، فدرست اللغة الألمانية وطوّرت من نفسي، وكان هذا أهم سبب دفعني للهجرة.
يتابع عبد الملك حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" ويقول، بدأت استشعر الخطر في ظل كل هذا "الانحلال الأخلاقي" المحيط بنا، لم يكن الخوف فقط على أطفالي في مسألة البعد عن الدين، بل حتى نحن الكبار يمكن التأثير علينا.
ويضيف عبد الملك، أعمل الآن مدرساً للغة الألمانية في مصر، وحتى لو كان الوضع الاقتصادي أصعب، إلا أنني حققت غايتي الأهم وهي الحفاظ على أطفالي، وتنشئتهم تنشئة سليمة في بيئة تشبهنا.
تعد عودة السوريين المهاجرين من أوروبا إلى مصر "بوادر ظاهرة"، إذ تتالى المنشورات على موقع فيسبوك، داخل المجموعات التي تخص السوريين عن مدى أمان الحياة في مصر، وعن قابلية العيش فيها، وعن تكاليف المعيشة التي تكفي لحياة متوسطة وما إلى ذلك.
يعيش في مصر مليون ونصف مليون سوري بحسب آخر إحصائية صادرة عن الحكومة المصرية، ويعد العيش في مصر آمنا للسوريين، مما جعلها بيئة خصبة للاستثمار والعمل، مما يجعل فكرة الاستقرار فيها محبذة للسوريين القادمين من أوروبا.
افتقاد الحياة الاجتماعية
يعاني العديد من السوريين من فقدان الحياة الاجتماعية التي اعتادوها في السابق، الأمر الذي يزيد من حالات الاكتئاب نتيجة الوحدة في أوروبا، وهو واقع اصطدم به اللاجئون عند وصولهم إلى البلاد ذات الشتاء الطويل.
وعلى الرغم من المزايا الكثيرة التي تقدمها الدول الأوروبية للاجئين، فإن فقدان الحياة الاجتماعية والشعور بالوحدة، يشكل عائقا أمام الاندماج بالمجتمع.
كذلك، خلدون هاشم (33 عاما) قرر العودة إلى مصر بعد سنوات من العيش في بريطانيا، بسبب الملل وخوفه على أطفاله من "الضياع" على حد وصفه.
يقول خلدون لموقع "تلفزيون سوريا"، في الحقيقة لم أكن أشتكي من قلة العمل أو من ظروف اقتصادية، بل حصلت أنا وأطفالي على الجنسية البريطانية، ولكن المؤثرات الخارجية جعلتني قلقاً على مستقبلهم.
ويضيف، كنت أشعر بالوحدة هنا، فالحياة الاجتماعية معدومة، وأطفالي يكبرون بعيداً عن أقربائهم، فقررت العودة إلى مصر والاستقرار هناك.
نظراً لأن عدداً من أفراد عائلته الكبيرة تقيم في مصر لذلك كانت هي الوجهة الأنسب للعودة بالنسبة لخلدون مع انعدام فرص العودة إلى سوريا نتيجة سوء الأوضاع الكارثية أمنياً واقتصادياً.
يقول خلدون، مصر بلد عربي وعاداتنا مشتركة، كما أنهم يحبون السوريين، وما يزال عملي مستمراً بتجارة السيارات في بريطانيا، ولكن أطفالي وزوجتي يقيمون في مصر، وأنا أسافر وأعود.
تكاد فرص العودة إلى سوريا تكون معدومة لكثيرٍ من السوريين في الأوضاع الحالية رغم كل الضغوط التي يتعرضون لها في بلاد اللجوء.
وتزداد المعاناة في سوريا مع عدم وجود حل يلوح في الأفق، في ظل الانهيار المستمر لليرة، وانخفاض الرواتب، والظروف الاجتماعية والاقتصادية المتردية، بالإضافة إلى عدم وجود الكهرباء والماء، وغياب الأمان، الأمر الذي يجعل عودة اللاجئين من أوروبا إليها شبه مستحيلة.
كل هذه الأسباب جعلت مصر هي الوجهة الأمثل، فما زالت الحياة فيها آمنة ومقبولة للسوريين، بالإضافة إلى وجود قوانين تشجع الاستثمارات، وفرص عمل لمن لا يملك رأس مال كبيراً، وكذلك مجانية التعليم في المدارس والجامعات.