icon
التغطية الحية

"أم زكي" السوريّة في مصر.. خطبة وزواج للسوريين

2023.07.08 | 06:12 دمشق

صالة زفاف في مصر
صالة زفاف في منطقة العبور بمصر (تلفزيون سوريا)
مصر - آمنة رياض
+A
حجم الخط
-A

لم يتوقّع السوريون أن ترافقهم "أم زكي" إلى مصر وتحيي عادة اجتماعية بدأت بالاندثار، خلال السنوات الأخيرة، في بلادهم، متبعة المثل القائل "نيال مين وفّق راسين على مخدة وحدة".

خلال السنوات الأخيرة للسوريين في مصر الذين تجاوزت أعدادهم المليون ونصف المليون وفق آخر إحصائيات، ظهرت "الخطّابة" (امرأة تسعى إلى تزويج مَن يقصدها سواء من الشبّان أو الشابات) مجدّداً، وعادت إلى العمل مقابل مبالغ مالية تأخذها سواء من أهل الشاب أو الفتاة ممن استطاعت التوفيق بينهما.

ويُطلق السوريين من "باب المزاح" على النساء اللاتي يمتهنّ هذا العمل اسم "أم زكي"، تشبيهاً لحال الممثلة السورية هدى شعراوي التي لعبت دور "الخطّابة والداية" في مسلسل البيئة الشامية "باب الحارة"، الذي ذاع صيته على مدى سنوات.

تقول "أم خليل" - امرأة خمسينية تنحدر من دمشق وتعمل كـ"خطّابة" منذ خمس سنوات في مصر - إنّها في البداية سعت لتزويج أولاد صديقاتها، ومنذ ذلك الحين بدأ الناس يتداولون رقمها وباتت معروفة بهذا اللقب، ولم يكن لديها مشكلة، وأصبح لديها هاتف محمول خاص بأرقام عائلات فتيات وشبّان ممن يرغبون في الزواج.

ولو أردت أن تخطب لابنك أو ابنتك أو تزوّج نفسك، ما عليك إلا مراسلة "الخطّابة" عبر تطبيق "واتس آب"، لترد فوراً على المرسل وتطلب منه اسم "العريس" وعائلته وطوله ووزنه ولون عينيه وعمله ودراسته وصورته، إضافةً إلى مواصفات الفتاة التي يريدها، والعكس أيضاً بالنسبة للفتاة، وبعد إرسال ما طلبت تنتظر لتبحث في سجّل الصور والمواصفات لديها.

اقرأ أيضاً.. ارتفاع نسبة إقبال الشبان العرب على الزواج من السوريات.. ما السبب؟

تأخذ "أم خليل" من عائلة الشاب 1000 جنيه مصري (ما يعادل 30 دولاراً أميركياً تقريباً)، وبحسب ما صرحت لـ موقع تلفزيون سوريا، فإنّ غيرها من النساء ممن يقمن بهذا العمل، واللاتي يتجاوز عددهن الستة وأكثر، تأخذن مبالغ تصل إلى 5000 آلاف جنيه سواء من أهل الشاب أو الفتاة، وفقاً لقولها.

"الخطّابة" والتفكّك الاجتماعي

تسعى بعض العائلات والشبان للجوء إلى "الخطّابات" بسبب التفكك الاجتماعي الذي حصل للمجتمع السوري بعد سنوات الحرب المستمرة، وخروج السوريين إلى أماكن مختلفة وتفرقهم بشكل كبير، فباتت العلاقات الاجتماعية ضيقة جداً، بسبب ظروف اللجوء، واقتصرت شبكة المعارف على بعض الأصدقاء، فيرى بعضهم أن الحل الوحيد هو التواصل مع "أم زكي" التي تعدّ صلة وصل جيدة نوعاً ما كونها باتت مقصد كثيرين.

سابقاً في سوريا وقبل العام 2011، كان الزواج التقليدي هو السائد، ويتم عند رؤية الشاب للفتاة في شارعه أو في الجامعة أو رؤية والدته لها في أحد الأفراح والأعراس والمناسبات، أو ربما عن طريق معارف الأقارب، إضافة إلى الخطابة، بشكل أقل نوعاً ما.

اقرأ أيضاً.. كروبات الزواج.. "بزنس" للخطّابات وضربة حظ للعازبين

يقول أمجد الشامي - شاب من ريف دمشق  ويعمل محاسباً في أحد المطاعم السورية بالقاهرة  - إنه لجأ وحيداً  إلى مصر بعد تخرّجه في كلية التجارة والاقتصاد بجامعة دمشق، ومع مرور الوقت وجد نفسه بحاجة إلى الاستقرار وتكوين عائلة، فلم يجد سبيلاً أمامه سوى التواصل مع "الخطابة"، لكون دائرة معارفه ضيقة بشكل كبير.

ويرى "الشامي" أنّ الظروف دفعته إلى هذا الخيار، الذي لم يكن يخطر على باله سابقاً، ولم يتخيل أن يتزوج بهذه الطريقة.

ولا يقتصر الزواج عن طريق "الخطّابات" على الشبان والشابات المقيمين في مصر أو من الجنسية السورية، فإحداهن أشارت إلى أنها تزوّج أشخاصاً يقيمون في سوريا أو أوروبا ومن مصريي الجنسية أيضاً.

كانت "الخطّابة" معروفة سابقاً في سوريا، وتقصدها بعض العائلات من أجل تزويج بناتهن، كما حدثتنا "أم أحمد" من غوطة دمشق الغربية، والتي أشارت إلى أنّ أعداداً لا بأس بها من العائلات كانت على تواصل معها ويعطونها مبالغ مادية جيدة للعثور على عريس وفق مواصفات معينة لبناتهن.

وسائل كثيرة للعثور على النصف الآخر

لم يقف أمر الزواج عند "أم زكي"، بل عملت بعض النساء على إنشاء "مجموعات" على مواقع التواصل الاجتماعي أو تطبيق "واتس آب" الأكثر شهرة في هذا المجال، وستجد في تلك المجموعات رسائل تقول: "أنا فلانة ولديَّ فتاة للزواج وهذه مواصفاتها، ومع ذكر مواصفات الشاب المطلوب"، والعكس أيضا ليردَّ عليها بمن لديه طلب الآخر.

نسرين الحلبي - سيدة سورية مقيمة في منطقة العبور قرب القاهرة - تقول إنّ شبكة معارفهم محدودة بشكل كبير، وطلب لها شقيقها أن تجد فتاة له، ما دفعها للدخول إلى تلك المجموعات، وأخذ أرقام عائلات ومراسلتهم من أجل تلبية طلب شقيقها الذي تسعى فيه منذ سنة ونصف، لكن لم يتم "النصيب" حتى الآن.

وكذلك الأمر مع "أم محمد" من ريف اللاذقية، والتي تسعى إلى تزويج ابنها، فقد وصل بها الحال إلى أن تدخل بعض "المجموعات" وتأخذ أرقاماً وتتصل بها لتسأل عن فتيات "للخطبة"، مبرّرة ذلك بأنها لا تعرف أحداً في مصر، ولا تُدعى إلى مناسبات، ولا تعرف أماكن يمكن أن ترى فيها فتيات سوريات.

صعوبات تواجه الشبان في الزواج

لا يواجه الشبان السوريون صعوبات فقط في العثور على نصفهم الآخر، بل أيضاً في "المهر" (ما يدفعه الزوج معجّلاً ومؤجّلاً للزوجة)، الذي يكون كبيراً جداً مقارنة بالدخل المحدود لبعض الشبان، خاصة أولئك الذين لجؤوا من دون عائلاتهم ويعملون على تأسيس أنفسهم.

وفي الآونة الأخيرة، بدأت بعض العائلات السوريّة في مصر، تطلب 3000 دولار أميركي مقدّم (يدفع للزوجة في بداية عقد الزواج) و3000 دولار مؤخّر (ما تأخذه المرأة في حال الطلاق أو وفاة الزوج)، و1000 دولار من أجل أن تشتري الفتاة ألبسة، وبعض العائلات تشترط على الشاب مقداراً معيناً من الذهب للفتاة.

وعدا المهر المرتفع، يعاني بعض الشبّان من مشكلة السكن، حيث يرغب الزوج في إسكان زوجته مع والديه، وهو أمر ترفضه معظم الفتيات، في ظل القدرات المادية الضعيفة التي تسمح للشاب باستئجار منزل آخر في مصر.

يشار إلى أنّ مصر تعدّ وجهة كبيرة للسوريين الذين تتزايد أعدادهم بشكل ملحوظ، إذ ما زالوا يقصدونها غالباً عن طريق استخراج "تأشيرة" يصل سعرها إلى 1300 دولار أميركي، ويرى السوريون في مصر، أنّها مجال واسع للاستثمار والعمل مقارنة بانتشار البطالة والظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها بلادهم.