icon
التغطية الحية

من أغنية حب إلى شعار نازي.. كيف يخترق اليمين المتطرف المجتمع الألماني؟

2024.07.16 | 06:25 دمشق

6
ترديد شعارات عنصرية خلال مهرجان "الرماية" في أيار 2024 في هامبورغ الألمانية (د ب أ)
برلين - محمد حسن
+A
حجم الخط
-A

ملخص:

  • زادت وتيرة استخدام الأغاني الشعبية لنشر شعارات اليمين المتطرف في ألمانيا.
  • أغنية "L'Amour Toujours" أصبحت تُستخدم كشعار للنازيين الجدد في المهرجانات والحفلات.
  • التحقيقات كشفت أن هذا الاستخدام للشعار والأغنية موجود منذ سنوات.
  • تنتشر الأفكار اليمينية المتطرفة في المجتمع الألماني من خلال استخدام الموسيقى والفكاهة لنقل رسائلهم.

بعد أسابيع من الغضب الذي أثاره تسجيل مصور يظهر فيه شبان ألمان يرددون شعارات عنصرية معادية للأجانب على أنغام أغنية شهيرة، في أحد منتجعات جزيرة زيلت شمالي ألمانيا، ما تزال أغنية "لامور توجور" تُغنى بشعارات النازية الجديدة في كل أنحاء البلاد، سواء في المهرجانات الشعبية والحفلات أو في المدارس، ومؤخراً في بطولة أوروبا لكرة القدم.

في أيار الفائت انتشر تسجيل مصور لا تتجاوز مدته عشر ثوان، تظهر فيه مجموعة من الشبان والشابات يرقصون على أنغام الأغنية الشهيرة "L'Amour Toujours" لفنان الدي جي الإيطالي جيجي دي أغوستينو، خلال عطلة نهاية الأسبوع، في أحد نوادي منتجع كامبن بجزيرة زيلت شمالي ألمانيا، وهي وجهة مفضلة للمصطافين الألمان الأثرياء.

وفي الفيديو الذي جرى تداوله بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، هتف بعض الشبان والشابات بشعار النازيين الجدد "ألمانيا للألمان، الأجانب إلى الخارج"، وهم يضحكون ويبتسمون بفرح أمام الكاميرا، كما ظهر أحد الشبان وهو يؤدي "تحية النازية" ويشكّل بأصابع يده الأخرى شارب هتلر، ما أثار سخطاً شعبياً وانتقادات واسعة وغضباً في الأوساط السياسية والإعلامية في ألمانيا.

بالنسبة لـ "L'Amour Toujours" والتي تعني بالفرنسية "الحب إلى الأبد"، فإنها  تعتبر من الأغاني الرومانسية التي تتميز باللحن الساحر والجذاب، ما جعلها تحظى بشعبية كبيرة في الحفلات الموسيقية والمهرجانات نظراً لتفاعل الجمهور الكبير معها، كما حققت منذ صدورها في عام 1999 شهرةً ونجاحاً واسعاً على مستوى العالم.

أما شعار النازيين الجدد "ألمانيا للألمان، الأجانب إلى الخارج"، فوفقاً لصحيفة "دي فيلت" الألمانية فإن "الشعار له جذور عرقية ومعادية لليهود في الإمبراطورية الألمانية، وكان هتلر قد استخدمه أيضاً في خطابه أمام الرايخستاج في 30 كانون الثاني 1939، الذي أعلن فيه إبادة يهود أوروبا".

من أغنية عن الحب إلى شعار للنازيين الجدد

من وجهة نظر الكثيرين، بات يعتبر ما يُسمى بـ "فيديو زيلت"، مثالاً على الربط بين الأغنية وشعار اليمين المتطرف، لكن ما حصل في "زيلت" لم يكن بأي حال من الأحوال الحادثة الأولى، إذ يُظهر تحقيق أجراه فريق التحرير الإعلامي في برنامج "ZAPP" الذي يبثه تلفزيون شمال ألمانيا (NDR)، كيف أن شعار النازية الجديدة كان يُغنى على أنغام "L'amour toujours" منذ فترة طويلة، وكيف وجد طريقه من دوائر النازيين الجدد إلى وسط المجتمع، وكيف أنه لا يزال ينتشر.

رئيس المنظمة الشبابية "Jusos" التابعة للحزب الاشتراكي الديمقراطي "SPD" في ولاية مكلنبورغ فوربومرن، مارفن مولر، والذي نشأ في جزيرة روغن على بحر البلطيق شمالي ألمانيا، يقول إن "الشعار اليميني المتطرف على أنغام أغنية "L'amour toujours" كان يُغنى في هذه المنطقة منذ سنوات: في مهرجانات القرى والشواطئ، وفي القطارات الإقليمية المكتظة، وغالباً ما يغنيه أشخاص يرتدون ملابس سوداء وبيضاء وحمراء، وهي ألوان علم الرايخ السابق ورمز من رموز النازية الجديدة".

إن تصريح مولر بأنه كان على علم بمثل هذه الحوادث منذ سنوات يتوافق مع التقارير والتعليقات الأخرى على وسائل التواصل الاجتماعي التي قام برنامج "ZAPP" بتحليلها، حيث تُظهر الحادثة الأولى الموثقة علناً أيضاً أن الجمع بين الأغنية الشهيرة وشعار النازية الجديدة كان على ما يبدو جزءاً من الثقافة الشعبية لليمين المتطرف، ففي تشرين الأول 2023 - قبل تسعة أشهر من "فيديو سيلت" - رُدد الشعار النازي إلى جانب أغنية "L'amour toujours" خلال مهرجان الحصاد في بلدة بيرغ هولتس شرقي ولاية مكلنبورغ فوربومرن.

وفي تسجيل مصور للحادثة، انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر شاباً يرتدي نسراً بروسياً على سترته. ووفقاً لبحث أجرته مجلة "كاتابولت إم فاو"، فإن الشاب يدعى (جوليان. ر). وفي شباط الماضي، نشرت مجموعة بحثية يسارية صوراً يظهر فيها (جوليان. ر) في اجتماع سنوي لليمينيين المتطرفين.

كيف يخترق اليمين المتطرف المجتمع الألماني؟

إن حقيقة إساءة استخدام الموسيقى الشعبية لنشر الإيديولوجيات اليمينية المتطرفة ليست جديدة بأي حال من الأحوال، فقد استولت الحركة النازية على أغاني العمال منذ عشرينيات القرن الماضي، وحدث هذا أيضاً مرات كثيرة بعد الحقبة النازية، فقبل 20 عاماً على سبيل المثال، كُتبت شعارات تمجد الهولوكوست على أنغام الأغنية الألمانية الشهيرة "Mit 66 Jahren" للمغني النمساوي المعروف أودو يورغنس، وبالتالي محاولة دائمة للسعي إلى تحقيق نفس الهدف المتمثل بـ "نقل الأفكار اليمينية إلى وسط المجتمع".

ومع ذلك، فقد غّير اليمين المتطرف من استراتيجياته، يقول ماريو دونكل، أستاذ التربية الموسيقية بجامعة "كارل فون أوسيتسكي" في أولدنبورغ إن "اليمين الجديد يعمل الآن بشكل أكبر مع الفكاهة، وبفضل المستوى الساخر، لأنه بكل بساطة يمكنهم دائماً التراجع خطوة إلى الوراء والقول: ليس هذا هو المقصود". ويضيف "بالتالي يمكنك إرسال رسالة يمينية متطرفة والقول في الوقت نفسه: كان ذلك مجرد سخرية".

وتنتشر رسالة اليمين المتطرف الآن حتى بدون الشعار، فسماع لحن الأغنية بات كافياً، حيث يستخدم حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف (AfD) الأغنية الأصلية "L'amour toujours" في مقاطع فيديو على تطبيق تيك توك منذ شهور.

وفي الآونة الأخيرة، يُقال إن أعضاء حزب "البديل" في البرلمان الألماني احتفلوا بالأغنية خلال حفلهم الصيفي، كما تباع قمصان وحلقات مفاتيح وقبعات في متاجر اليمين على الإنترنت، مطبوع عليها صورة ظلية لجزيرة "زيلت" وكلمات "Döp Dödö Döp" التي تشير إلى اللحن الموجود في مطلع الأغنية.

وبحسب ماريو دونكل فإن "هذه الطريقة تسمى سياسة صافرة الكلب". ويشرح قائلاً: "لديك رمز أو رسالة مشفرة تُقرأ بشكل مختلف من قبل مجموعتين، فجزء من المستمعين يعتقد أنها مجرد لحن جميل، ومجموعة أخرى من المستمعين يفسرونها على أنها دعوة ضمنية لطرد الأجانب (الأجانب إلى الخارج)".

انتشار الظاهرة في كل ألمانيا

ووفقاً لتقرير "ZAPP" كان هناك أكثر من 60 حادثة سجلتها الشرطة بالقرب من جزيرة "زيلت"، وبسبب الضجة الكبيرة والجدل الذي أثاره الفيديو في الأسابيع التي تلت الحادثة، فقد انتشرت الظاهرة كالنار في الهشيم. وبات الشعار اليميني المتطرف يردد إلى جانب أغنية "L'amour toujours" في جميع الولايات الألمانية، ومن قبل جميع الطبقات الاجتماعية، في الحفلات والمدارس، وفي بطولة أوروبا لكرة القدم 2024.

وبحسب مكاتب التحقيقات الجنائية ومكاتب المدعين العامين ومراكز الإبلاغ عن التطرف اليميني في جميع الولايات الاتحادية، فإنه بحلول بداية تموز 2024، وثقت وسائل الإعلام أو الشرطة ما مجموعه 389 حالة جرى فيها ترديد شعارات يمينية متطرفة على أغنية البوب ​​"لامور توجور".

ويرى تحقيق (NDR) أنه  بغض النظر عن النية وراء ترديد هذا الشعار، سواء كانت بدفع السخرية أو الاستفزاز أو عن قناعة حقيقية، فإن النتيجة التي يسعى اليمين المتطرف إلى تحقيقها تبقى نفسها، وبالتالي كل حادثة يُردد فيها هذا الشعار العنصري تساهم في جعل الأفكار اليمينية المتطرفة أكثر انتشاراً وقبولاً في المجتمع العام.