icon
التغطية الحية

منصة إكس "تُطبّل" لسياسة اليمين المتطرف التي يؤيدها إيلون ماسك

2024.08.12 | 20:52 دمشق

الملياردير الأميركي إيلون ماسك - المصدر: الإنترنت
الملياردير الأميركي إيلون ماسك - المصدر: الإنترنت
The Washington Post- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

إن تابعت إيلون ماسك على "تويتر" في تشرين الثاني عام 2021، فلا بد أن تكون قد انتبهت لكم المنشورات عن تيسلا وسبيس إكس، وهما أهم شركتين لدى ماسك، لأن ثلث تغريداته وقتئذ كانت عنهما، ومن تلك المنشورات ذلك المنشور الذي تحدث عن الشاحنة السيبرانية التي صنعتها شركة تيسلا والتي تتمتع ببرنامج تحكم تلقائي كامل بعملية القيادة، وكذلك المنشورات التي أعرب فيها عن سخطه بسبب "كابوس سلسلة التوريد" الذي ظهر بسبب تفشي الجائحة.

بعد مرور ثلاث سنوات تقريباً على تلك المنشورات، وبعد تصدر ماسك للمنصة التي صار اسمها "إكس"، أصبحت منشورات هذا الملياردير شبيهة بالمنشورات التي نقرؤوها على حسابات الناشطين اليمينيين، إذ ثمة منشورات كتبها تحمل كماً هائلاً من الذعر تجاه قضية الهجرة، ومنها ما يحمل رسائل ضد أيديولوجية "اليقظة". صحيح أنه ما يزال ينشر باستمرار عن تيسلا، لكن نسبة منشوراته عنها تراجعت إلى ما دون نصف ما كان ينشره عنها في تشرين الثاني 2021. إذ خلال هذا العام، أصبحت تغريداته السياسية تمثل 17% من منشوراته، بحسب تحليل أجرته صحيفة واشنطن بوست، مقارنة بنسبة منشوراته السياسية التي لم تتجاوز 2% من مجمل ما نشره في عام 2021.

تعبر المشاركة الحزبية الصريحة لماسك على الموقع الذي اشتراه في تشرين الأول عام 2022 عن تطور كبير في شخصيته العامة من رجل عبقري في مجال التقانة يختصر كل تفكيره بالمشاريع التجارية إلى شخصية متحمسة للجناح الأيمن. وهذا ما أثار التساؤلات حول نوايا ماسك التي يخفيها خلف موقع للتواصل الاجتماعي، والذي ذكر بأنه اشتراه ليعزز حرية التعبير والكلام، وليشجع على تبادل للأفكار يتسم بصراحة أكبر، بيد أن هذا الموقع تحول بشكل أو بآخر إلى طبل يروج لأفكار ماسك السياسية الاستفزازية على المستوى الشخصي.

زيادة المحتوى السياسي لماسك

منذ فترة قريبة أعلنت منصة "إكس" بأن 35 مليون ناخب متأرجح يستخدمون هذه المنصة كل شهر، وفي ظل استطلاعات الرأي التي أجريت في عموم البلد، وفي الولايات المتأرجحة بشكل خطير، والتي كشفت عن احتدام السباق الرئاسي، أصبح بمقدور المصدر الذي يستقي منه الناس معلوماتهم، وجودة المعلومات ونوعيتها أن يقرر من سيكون الرئيس المقبل، إلى جانب السلطة التي يتمتع بها الكونغرس في تحديد ذلك.

يعتبر ماسك المستخدم الذي لديه أعلى نسبة متابعة على هذه المنصة، بوجود أكثر من 194 مليون متابع له، وفي بعض الأحيان تعمد منصة "إكس" لترويج منشورات ماسك وإظهارها ضمن المنشورات التي يراها المستخدمون، كما أن المنشورات التي تعززها الخوارزميات والتي تتعلق بقضايا يروج لها ماسك تظهر ضمن آخر الأخبار لدى المستخدمين. بيد أن ماسك لم يرد هو والقائمون على منصة "إكس" عندما طُلب منهم التعليق على الموضوع عبر رسالة إلكترونية.

منذ فترة قريبة، استعان ماسك بما يظهر من منشورات لدى المستخدم بهدف الترويج لترشح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والذي صدّق هو بشكل رسمي على ترشحه عبر منشور كتبه على منصة "إكس". في حين أعلن ترامب بأنه سيشارك في مقابلة مع ماسك يوم الإثنين، غير أنه لم يرشح عن ذلك سوى قلة قليلة من التفاصيل.

لقياس مدى التحول في ما يظهر من منشورات على منصة "إكس" التي يملكها ماسك، حللت صحيفة واشنطن بوست تغريدات تحتوي على سبع كلمات على الأقل، وتلك التغريدات لم يُعد نشرها أبداً. وقد صنف التحليل المنشورات التي تتحدث عن السياسة، وتيسلا، و"تويتر" (أو إكس الآن) أو سبيس إكس بناء على كلمات مفتاحية، من دون أن يصنف بعض منشورات ماسك التي تتحدث عن السياسة بشكل غير مباشر، فكشف التحليل بأن منشوراته عن تيسلا و"تويتر" وسبيس إكس قد تراجعت من 31% من آخر أخباره في عام 2021 إلى 21% خلال هذا العام. أما منشوراته عن "تويتر" فقد زادت من 1% في عام 2021 قبل أن يشتري الشركة إلى 8% حتى الآن من هذا العام. في حين أن منشوراته عن تيسلا وسبيس إكس قد هبطت من 30% إلى 13% خلال الفترة نفسها.

كشف التحليل أيضاً عن زيادة كبيرة في وتيرة نشر ماسك لتغريداته بصورة عامة، إذ أصبح ينشر اليوم خمسة أضعاف ما كان ينشره في عام 2021.

انفراد بالخبر

وعلى الرغم من هبوط يعادل أكثر من 30% في عدد الأشخاص الذين يغردون بشكل فعلي عبر هذه المنصة بحسب الأرقام التي صدرت خلال العام الماضي، ما تزال منصة "إكس" إحدى أهم المنصات المؤثرة التي تعمل على نشر المعلومات المتعلقة بالانتخابات. فقد استعان الرئيس جو بايدن بهذه المنصة للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي، وذلك قبل دقائق من نقل المؤسسات الإخبارية لخبر خروجه.

منشورات جدلية

وحالياً، من أهم الموضوعات التي يتطرق إليها ماسك في منشوراته السياسية انتقاده لتدفق المهاجرين الذين لا يحملون وثائق على الولايات المتحدة، وزعمه بأن ذلك يغير تركيبة جمهور الناخبين، أو انتقاده لما يسميه فيروس العقل اليقظ، ووقوفه ضد حقوق تغيير الجنس، وموقفه تجاه انتخابات 2024، وأعمال الشغب التي حدثت مؤخراً في بريطانيا.

في مطلع هذا الشهر، استعان ماسك بمنصة "إكس" ليروج منشورات كتبها مستخدمون غيره لكنها تعبر عن رأيه بحيث تظهر ضمن أحدث وأبرز المنشورات، ومنها خبر عن "برنامج أثار جدلاً حول مواعيد ترحيل المهاجرين" والذي صدّقت عليه إدارة بايدن، وفضيحة اليمين بخصوص الملاكمة الجزائرية التي شاركت في الألعاب الأولمبية، والتي وصفها المحافظون بأنها متحولة جنسياً، إلى جانب مدونة صوتية ظهر فيها المرشح لمنصب نائب الرئيس من الحزب الجمهوري، أي ج د فانس.

خطأ تويتري فادح

وفي بداية هذه السنة أعلن ماسك بأن هذه: "معركة حياة أو موت مع فيروس العقل اليقظ المعادي للحضارة".

وإلى أن اشترى ماسك "إكس"، كان مالكو أهم منصات التواصل الاجتماعي الأميركية يحجمون عن تأييد أي مرشح بصورة علنية، على الرغم من الاتهامات التي تحدثت عن ظلم وتمييز يطول الجناح الأيسر من طرف بعض المحافظين الذين أعلنوا بأن التفاوت في إدارة المحتوى عمل على استهداف أفكارهم وآرائهم، وقد وصلت تلك المخاوف إلى ذروتها في عام 2020، عندما منعت مواقع عديدة للتواصل الاجتماعي انتشار خبر الحاسوب المحمول الذي كان هانتر بايدن يملكه، ليعلن الرئيس التنفيذي السابق لشركة "تويتر"، جيك دورسي، بأن الشركة أخطأت عندما فعلت ذلك.

خطوات استثنائية استفزازية

عندما سعى ماسك وراء شراء الموقع في عام 2022، كان إحساسه بالغضب هو الذي دفعه لذلك بسبب تعليق الموقع الساخر المحافظ الذي يعرف باسم Babylon Bee كما ساءه الحظر الذي فرض على ترامب وقتئذ. وبعد أيام من توليه لزمام الأمور في هذه المنصة، أيد ماسك الجمهوريين في الانتخابات النصفية لعام 2022، في خطوة استثنائية يقدم عليها رئيس لمنصة تواصل اجتماعي تحظى بشعبية هائلة، وعن ذلك قال: "إن تقاسم السلطة يحد من أسوأ حالات الإفراط والشطط التي يبديها كلا الحزبين، ولهذا أنصح بالتصويت للكونغرس الذي تطغى عليه الصبغة الجمهورية، بما أن الرئاسة تأتي عبر عملية ديمقراطية"، ثم أعاد لترامب حسابه في مرحلة لاحقة.

وبعد استيلاء ماسك على "إكس"، استغنت شركة "تويتر" عن 80% من العاملين فيها، وكان من بينهم معظم أعضاء قسم الثقة والأمان المسؤول عن إدارة المحتوى وتعديل الميزات، مثل علامات التحقق الزرقاء التي تمثل العلامة التجارية للشركة، وهذا القسم كان يعمل على تأسيس مرجعية للمعلومات على الموقع.

هذا ولقد أطرى كثير من المحافظين على تلك الخطوات التي قام بها ماسك، والتي سمحت برأيهم لظهور مساحة أكبر أمام المعارضين، كما روجت لحوارات أكثر انفتاحاً.

وبعد مرور أشهر على تولي ماسك لأمور هذا الموقع، كتب سيث ديلون وهو المدير التنفيذي لموقع Babylon Bee: "لقد اشتراه ليعيد حرية الكلام، أما تعليق موقعنا فهو مثال من بين أمثلة كثيرة صارخة على وجود ضرورة لذلك، ولهذا نتوجه لك بالشكر يا إيلون".

من جانبه ذكر ماسك بأن إحساسه بالواجب هو الذي دفعه للخوض في النقاشات السياسية، ولذلك كتب في مطلع هذا الشهر: "كنت أود أن تكون محصلة تدخلي في السياسة تعادل الصفر، ولكن، لا يمكن للشركة أن تحقق نجاحاً إن لم تستمر الحضارة نفسها بالتطور".

وأضاف: "إن هذا التحول الجنوني الذي يبديه "اليسار" بعيداً عن فكرة الجدارة والحريات الشخصية.. لا بد أن ينهي الحضارة كما نعرفها اليوم".

أما المديرة التنفيذية التي اختارها ماسك بكل عناية، وهي ليندا ياكارينو، فقد عبرت هي الأخرى علناً عن مواقفها اليمينية، إذ ردت على منشور ورد فيه بأن ينبغي على حاكم ولاية بنسلفانيا، جوش شابيرو، أن يغير حزبه، فقالت: "إن الحزب الجمهوري يرحب بالمرشحين المؤيدين لإسرائيل" وأضافت بكل حماس: "بالتأكيد".

بيد أن ياكارينو لم ترد عندما طلب منها التعليق على الموضوع من خلال منصة "إكس".

ولذلك شكك بعض المدافعين عن الديمقراطية بسلوك ماسك، إذ يقول إيدي بيريز وهو عضو مجلس إدارة معهد OSET الذي لا يتبع لأي حزب، والذي يهدف إلى تعزيز الثقة في الانتخابات من خلال التقانة الموثوقة، كما أنه شغل منصب مدير قسم النزاهة المدنية على "تويتر": "يقع على عاتق مالك منصة كهذه أن يدرك بأن أقصى مسؤولياته، إلى جانب إدارة مشروع دائم، تتمثل بحماية جودة ودقة بيئة معلومات المنصة بشكل دقيق بحيث تتحول إلى علامة تجارية يعول الناس عليها، وهذه المسؤولية التي تقتضي تعزيز بيئة المعلومات الدقيقة والمرجعية يعني بالضرورة بأنه ينبغي عليك أن تبتعد عن استخدام المنصة وكأنها شيء ينطق بلسان حالك، أي بصورة يقل معها الاستفزاز والتحريض".

تعليق حسابات حملة هاريس

يرى منتقدو ماسك بأن تعصبه الحزبي الصريح يشكك في مدى موثوقية موقعه بوصفه مصدراً للمعلومات بالنسبة لانتخابات 2024، إذ في الثاني من شهر آب الجاري، وفي الوقت الذي كان ماسك يغرد ليعبر عن تأييده للمواقف اليمينية، اكتشف ويليام ماكونيل وهو أحد منظمي الحملات السياسية، بأن حساب مجموعته على "إكس" وهو Progs4Harris@ قد توقف بصورة مفاجئة بعد أن قويت شوكته، وقد حدث ذلك بعد أيام من حدوث الشيء نفسه لحساب: “White Dudes for Harris” وذلك عندما اكتشف المستخدمون بأنهم لا يمكنهم أن متابعة حساب KamalaHQ@ وهو الحساب الرسمي الذي فتح على عجل من أجل حملة كامالا هاريس على تلك المنصة.

ويعلق ماكونيل، 32 عاماً، على ذلك بقوله: "بما أن ذلك حدث لمجموعات مشابهة في ظل ظروف مماثلة، لذا أصبح الأمر غريباً، وتحول إلى مشكلة".

وقد أثارت هذه الحادثة الشكوك حول التوقف المؤقت للحسابات الموالية لهاريس وبأن ذلك لم يأت بالتصادف.

وفي تصريح لها، أعلنت منظمة تقدميون من أجل هاريس بعد فترة قصيرة من استعادة حسابها وإبلاغ القائمين عليه بأنه جرى تحديده كحساب عشوائي عن طريق الخطأ بأنه: "من الصعب معرفة إن كان ذلك مجرد مثال آخر على تدمير إيلون ماسك لـ "تويتر" بشكل عملي أم أن وراء الأكمة ما وراءها".

ماسك و"فيروس العقل اليقظ"

بيد أن الخطاب السياسي لماسك أدى لنفور كثيرين منه، وعلى رأسهم ابنته فيفيان جينا ويلسون المتحولة جنسياً، والتي تحولت إلى خطيبة مفوهة ضده، بعد أن صرح خلال الشهر الماضي بأن: "فيروس العقل اليقظ" هو الذي قتلها.

طوال السنين الماضية، استندت آراء ماسك الصريحة المعادية للتحول الجنسي على جمهور المعجبين بمنتجاته والذين كانوا يدافعون عنه في ذلك الحين، ولا بد لنا في هذا الصدد أن نتحدث عن إيرل بانينغ، وهو أحد المساهمين في شركة تيسلا، والذي سحب حسابه البالغ 401 ألف دولار من البنك ووضعه في أسهم تيسلا عام 2015، لكنه تحول اليوم إلى أحد أكثر الناس حماسة لانتقاد ماسك عبر منصة "إكس"، وهو طبيب متخصص في الطب النفسي العصبي وأب لطفل متحول جنسياً صار عمره 15 عاماً، ولهذا يقول بإن منشورات ماسك المعادية للتحول كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، ويعلق على ذلك بقوله: "لأجل هذا السبب صار من واجبي أن أتحدث عن الأمر علناً".

"سمعتك" من دون أن أسمعك

إذ خلال الشهر الفائت، خرج هذا الشخص الذي بقي معجباً بشركة تيسلا لسنين طويلة عبر منصة "إكس" ليرثي حال التحول الذي طرأ على ماسك فجعل منه شخصاً يكثر من النشر عن الأمور السياسية بشكل صريح، وطالبه بالتخفيف من منشوراته السياسية، عندما كتب له قائلاً: "إن ذلك من حقك كأميركي بكل تأكيد، ولكن بما أنك أحد أقوى الشخصيات وأكثرها تأثيراً في العالم أعتقد بأن علينا أن نحافظ على مستوى أعلى من الخطاب".

فرد عليه ماسك بالقول: "سمعتك".

وخلال الأيام التي أعقبت ذلك، نشر ماسك سلسلة طويلة من المنشورات التي تتحدث عن كم كبير من حالات الظلم، وزاد من منشوراته عن أعمال الشغب التي حرض عليها اليمين المتطرف في بريطانيا، وتحدث عما افترض بأنه تدهور للثقافات الغربية ووصف هاريس بأنها شيوعية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أي إن شيئاً لم يتغير!

 

المصدر: The Washington Post