ما زال انقطاع التيار الكهربائي في مناطق سيطرة النظام السوري، من أكثر المتاعب التي يعاني منها السوريون، حيث يمتد انقطاع التيار لأكثر من 22 ساعة في اليوم ضمن خطط التقنين التي تضعها وزارة الكهرباء التابعة لنظام الأسد.
وفي خضم هذا التقنين الذي أثقل كاهل السكان، يواجه المواطنون السوريون مشكلة كبيرة في تعطل معظم الأدوات الكهربائية المنزلية، حيث ينقطع التيار الكهربائي فجأة ويعود فجأة، الأمر الذي يؤدي إلى تعطل محركات هذه الأجهزة، أو تلف داراتها الكهربائية بسبب ضعف التيار أو قوته أحياناً.
وتضيف هذه المشكلة، بعداً اقتصادياً غير محسوب على العائلات، التي تعاني في مناطق سيطرة النظام من الفقر والعوز أو تعيش على الكفاف، ولا تريد أن تزيد أعباءها بتكاليف تصليح الأدوات المنزلية التي تكلفهم مبالغ باهظة بين راتب موظف إلى 4 رواتب، وهو ما يقدر بين 100 إلى 350 ألف ليرة، من أجل تغيير "موتور" غسالة أو "براد" أو "شاحن بطارية".
محولات كهرباء قديمة في ريف دمشق
وفي خضم كل المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها السوريون، من ضعف قدرتهم الشرائية جراء تراجع قيمة الليرة السورية لأدنى مستوياتها أمام الدولار، وقلة الأموال بين أيديهم، وتضخم أسعار كل شيء بشكل متسارع ويومي، يزيد انقطاع الكهرباء من معاناتهم، لما تحمله من ضغط نفسي عبر البقاء في العتمة ليلاً أو نقص الدفء لمن يستخدمها للتدفئة في الشتاء أو التبريد في الصيف، إلى جانب فساد الطعام أو عفنه في البرادات والثلاجات.
ويأتي موضوع تصليح الأجهزة الكهربائية، كعبء إضافي، يثقل ساعد السوريين، ويذهب قليل ما في جيوبهم إلى ما هم بغنى عنه، ولكن لا مفر من ذلك.
وقال أبو عمر، الذي يقطن في منطقة الكسوة بريف دمشق، لموقع "تلفزيون سوريا": "بصراحة، لا أعرف ماذا أقول، لم يبق أي جهاز كهربائي لدينا إلا وقد تعطل بسبب التقنين، وصراحة هذه الأجهزة لا فائدة منها مع انقطاع الكهرباء، لكننا نستخدمها عندما تأتي، فلا يمكن ألا نغسل ملابسنا، صحيح أنه يمكن الغسيل على اليد، ولكن في الشتاء الأمر صعب، أولاً لأن الثياب لا تنظف بشكل جيد، والأسوء أنها قد لا تنشف لعدة أيام بسبب البرد، بينما بالغسالة يحل الموضوع بسرعة وجهد قليل، نتحدث عن الموضوع وكأننا في العصور الوسطى لا في عصر السرعة والتيك توك".
وعن سبب عطل الأجهزة أوضح أبو عمر: "هناك ضعف شديد في التيار الكهربائي، وهي مشكلة قديمة، بسبب قدم المحولات، التي لا تكفي لتغطية عدد السكان، وأظن أنه قبل الثورة السورية كان هناك تقنين طويل في سوريا، صحيح كان لعدة ساعات، لكن كانت الأجهزة تخرب أيضاً، مشكلة هذه البلد وهذه الحكومة أنها لم تحل أي مشكلة منذ 20 سنة أو منذ أن قدمت إلى الحكم وليس في العقد الأخير فقط".
كم كلفة تصليح الأدوات الكهربائية في سوريا؟
وأسعار تصليح تلك الأجهزة تختلف من مكان إلى آخر، ولكن بشكل نسبي عموماً، فقد قال نادر حمدان، (لديه ورشة لتصليح الأجهزة الكهربائية) إلى موقع تلفزيون سوريا، إن عملنا لا يتوقف في الفترة الأخيرة، فهناك عشرات المحركات التي تخرب يومياً، ولكن المشكلة هي في أن البعض لا يأتي ويأخذ ما صلحناه له أو يتأخر لأسابيع لأنهم لا يملكون الأجرة".
وأوضح حمدان، أن "كل 5 بيوت في دمشق يوجد غسالة مضروبة، وأظن بكل سوريا نفس الحالة، والسبب الأساسي في عطل الغسالات بشكل أكبر من غيرها، أن الغسيل يبقى في الغسالة لعدة أيام أحياناً ويكون الماء قد أثقل وزنه، مما يؤدي إلى أن يفرط الحوض من الوزن، وقد تحرق الكهرباء المتقطعة أو الخفيفة الموتور لأنها تشتغل فوراً عندما تأتي الكهرباء لتكمل دورتها السابقة".
وأضاف أن الأسعار لدينا مختلفة بحسب التصليحة، حيث إن تغيير الحوض يكلف 130 ألف ليرة، والمحرك 180 ألف ليرة، والأجرة بحسب الشخص، فنحن مضطرون لمراعاة الناس المعترين في ظل هذا الغلاء".
وأكمل أن "موتورات البرادات تختلف بحسب نوعها وهي تبدأ من التصنيع المحلي بـ 200 ألف أما الصيني فهو بـ 300 ألف ليرة، ويمكن لف المحرك القديم (أي تصليحه لا استبداله) بنحو 150 ألفاً، وتعبئة الغاز بـ 120 ألفاً".
وأشار حمدان إلى أن "البعض يعتمد على المكيفات في الصيف وحتى في الشتاء، ورغم قلة عدد مستخدميها، إلا أننا نصلحها أيضاً، بأجرة تصل إلى 100 ألف ليرة بحسب نوع المشكلة فيها".
التقنين في سوريا مستمر
من جانبه قال أحمد الحسام، الذي يعمل موظفاً في المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء (تابعة للنظام)، لموقع تلفزيون سوريا، "التقنين في سوريا مستمر لسنوات، وليس لأشهر كما يُشاع، لأن مشكلة انقطاع التيار الكهربائي هي في نقص الوقود في محطات توليد الكهرباء، والذي يُسرق جزء كبير منه إلى جانب غلاء أسعاره في السوق العالمية".
"وعن سؤال لماذا تخرب الأجهزة الكهربائية، الموضوع بسيط جداً، لأنه عندما يعود التيار الكهربائي بعد ساعات طويلة من التقنين، يستخدم سكان المنطقة الكهرباء بشكل مكثف وبوقت واحد، فيشغلون كل شيء، السخانات والغسالات والبرادات والمكيفات والمدافئ الكهربائية، فيزيد الضغط على الشبكة، فتضعف من 220 فولطاً إلى 140 فولطاً وأحياناً 100 فولط، ما يؤدي إلى ضعف الكهرباء فتخرب المحركات والدارات الكهربائية لتلك الأجهزة"، بحسب الحسام.
وأكّد أن "القوة الكهربائية تصبح بحدود نصف المطلوبة، ما يعني أن الكثير من المعدات والأدوات الكهربائية لا تعمل، وإن عملت فهي مهددة بالتعطل والاحتراق بأي لحظة".
ونصح العامل في مؤسسة الكهرباء، السوريين بعدم "تشغيل كل أدواتهم بوقت واحد، ووضع منظمات على الأجهزة الكهربائية، بحيث يأتي الانخفاض عليها فتحترق هي وليس موتور البراد أو الغسالة".
التقنين من 15 إلى 22 ساعة يومياً
ولا يوجد برنامج رسمي يحدد ساعات انقطاع الكهرباء في دمشق أو ريفها يجعل المواطن على بينة، حيث رصد موقع "تلفزيون سوريا" تبايناً واسعاً في ساعات التقنين، حيث إنها تختلف من منطقة إلى أخرى، وتزيد على 22 ساعة في اليوم في مناطق ريف دمشق، وتقل عن 15 ساعة إلى 7 ساعات في مناطق العاصمة دمشق، ومع ذلك لا يمكن رصد الساعات بدقة في كل منطقة.
وقالت منى رفاعي في حديث مع تلفزيون سوريا، إن "التقنين يختلف في المناطق بحسب من يسكن في المنطقة، فإن كان من يقطن فيها مسؤولاً مهماً كضابط مخابرات أو جيش أو شرطة أو وزير أو مدير عام، فمن المتوقع أن يكون الحظ حليف السكان وتأتي الكهرباء لساعات أكثر".
وأضافت أن "الفساد ينخر في كل شيء، فلن يكون الأمر مختلفاً بما يخص الكهرباء، وحكومة النظام تعترف بأن الكهرباء لن تأتي، ويبشرنا المسؤولون الذين يتصدرون الإعلام (وهم لا يحلون ولا يربطون) أن الشتاء هذا العام سيكون صعباً من ناحية الكهرباء، وكأن الكهرباء كانت لا تنقطع على مدار السنوات العشر الماضية".
وسبق أن أعلنت حكومة النظام السوري عن عزمها شراء عدد من محطات توليد الكهرباء المتنقلة، في محاولة لإيجاد حل لأزمة الكهرباء التي تعاني منها جميع مناطق سيطرة "النظام".
ووعدت الحكومة أن يشهد النصف الثاني من عام 2022 انفراجات على صعيد الخدمات الكهربائية وعملية تحسين وضع الطاقة في مناطق سيطرتها.