icon
التغطية الحية

معضلة الثبوتيات من حكومة النظام في تركيا.. حياة سوريات معلقة بسبب ورقة

2022.12.31 | 08:03 دمشق

سيب
مركز تحديث بيانات السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة في مدينة غازي عنتاب - UNHCR
إسطنبول - ماريا عكيدي
+A
حجم الخط
-A

وصل مئات آلاف السوريين إلى تركيا بلباسهم فقط، حيث لم تترك لهم آلة الحرب والقصف وقتاً للملمة أغراضهم وممتلكاتهم، أو أضاعوها في طريق النزوح والهجرة الشائك، في حين عاش قسم كبير منهم لسنوات في مناطق سيطرة المعارضة التي أغلقت فيها الدوائر الحكومية، ليواجهوا في تركيا معضلة الأوراق الثبوتية والتي تتضح بشكل كبير في حالات الأرامل والمطلقات والأطفال غير المسجلين في النفوس السورية.

وتعاني الكثير من السيدات السوريات سواء في الداخل أو دول اللجوء من تبعات الزواج غير المسجل لدى حكومة النظام السوري، لعدم إمكانية الذهاب للدوائر الحكومية وسط الصراع الدائر، أو لأن أحد الأبوين مطلوب لحكومة النظام بتهمة "الإرهاب" أو فقدت السيدة زوجها في الحرب إما قتلاً بالقصف والرصاص أو اعتقالاً أو من هم في حكم المختفين قسرياً والذين يبلغ عددهم 111 ألفاً وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

ووفق قانون الحماية المؤقتة الذي ينظم حياة 3 ملايين و760 ألف سوري، تطلب المؤسسات التركية أوراقاً ثبوتية صادرة عن حكومة النظام السوري، دون مراعاة لآلاف الحالات التي يحرمها النظام من هذه الأوراق لأسباب كثيرة، منها أن يكونوا من المعارضين له، وهذا ما أوقع معظم هؤلاء في فخ السمسرة وتكاليفه الباهظة، دون أي جدوى.

"كان الحل في مغادرة تركيا"

في قصة سمر مثال واضح عن مشكلة لا حل لها رسمياً ما اضطرها لدفع آلاف الدولارات عبر السماسرة، فسمر التي تزوجت في أحياء مدينة حلب الخاضعة لسيطرة الثوار عام 2014، هُجّرت قسراً من منزلها مع ابنتها الوحيدة بعد أن فقدت زوجها الذي قتل برصاص قوات النظام، ثم وصلت تركيا أملاً بحياة أكثر استقراراً، لتواجهها مطالب الحكومة التركية بأوراق تثبت أنها أرملة وأن هذه طفلتها.

حاولت سمر عندما رزقت بطفلتها في مدينة حلب عام 2015 تثبيت زواجها في حكومة النظام السوري، لكن فشلت جميع محاولات الأقارب والسماسرة لأنها وزوجها كانا مطلوبين لمخابرات النظام، وبالتالي هما محرومان من أي وثيقة رسمية من حكومته كنوع من العقوبة، وهو ما تحدثت عنه تقارير حقوقية وصحفية بشكل مفصل.

ووفق هذا الواقع فإن على سمر أن تثبت أنها كانت متزوجة وأن زوجها توفي وأن هذه الطفلة طفلتها. بعد معاناة وشهور حصلت سمر على بطاقة الحماية المؤقتة لكن نُسبت الطفلة إليها.

لم تنتهِ معاناة سمر عند استخراج بطاقات الحماية المؤقتة، ففي نيسان من العام 2013 صدر في تركيا "قانون الأجانب والحماية الدولية" والذي بموجبه يلزم السوريين بالحصول على إذن سفر للتنقل بين الولايات، وهنا لا بد من توضيح أن الأم السورية لا تستطيع استخراج إذن سفر لأطفالها، وفقط يستطيع الأب ذلك. وفي حالة سمر، كان من المستحيل أن تستخرج إذن سفر لها ولطفلتها.

تقول سمر: كنت في كل مرة أحاول شرح قصتي بلغتي التركية الضعيفة لموظف الهجرة التركي، وأنها لا تستطيع إصدار شهادة وفاة لوالد الطفلة لأن النظام لا يقدم أوراقاً ثبوتية للمطلوبين لديه.

وفي يوم ظنته سمر سيغير حياتها وحياة طفلتها، عندما وصلتها رسالة الترشيح للجنسية الاستثنائية، تبين أنه من ضمن الأوراق المطلوبة في ملف التجنيس، موافقة خطية من والد الطفلة بمنحها الجنسية التركية، فراحت سمر تطرق أبواب مكاتب السماسرة، لتنجح في النهاية بعد دفع آلاف الدولارات بتسجيل طفلتها في النفوس السورية واستخراج جواز سفر لها، لكنها لم تتمكن من الحصول على شهادة وفاة زوجها وبالتالي خسرت فرصة الحصول على الجنسية الاستثنائية.

فرجت على سمر عندما حصلت على إعادة توطين في دولة أوروبية، وهناك بدأت مع طفلتها حياة جديدة.

وثائق الأرامل والمطلقات وتثبيت الأطفال الأكثر طلباً في مكاتب تسيير المعاملات

أوضحت وعد وهي موظفة في مكتب تسيير معاملات وترجمة في مدينة إسطنبول أن أكثر المشكلات التي تواجه السيدات السوريات هي تعديل بطاقة الحماية المؤقتة من متزوجة إلى أرملة أو مطلقة، مشكلات تتعلق بالأطفال غير المسجلين في سوريا أو الأطفال الذين يولدون في تركيا من أم لا تحمل بطاقة الحماية المؤقتة، وفي هذه الحالة تواجه العائلات صعوبات في إصدار بطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك) للطفل المولود حديثاً.

ومن المشكلات التي تحدثت عنها وعد هي لم شمل الزوجين الذين يحملان بطاقات حماية مؤقتة من ولايتين مختلفتين وغالبا في هذه الحالة تنتقل الزوجة إلى مدينة الزوج دون إمكانية تغيير قيودها من ولايتها إلى ولاية زوجها، وبالتالي هي مخالفة وفق القانون التركي وتكون معرضة لخطر الترحيل، ولا تستطيع الاستفادة من الخدمات الطبية لأنها تحمل بطاقة حماية مؤقتة صادرة عن هجرة ولاية مختلفة.

وأوضحت وعد أن عملية تسجيل الزواج في تركيا بسيطة وغير مكلفة في حال توفرت الأوراق الثبوتية اللازمة لكلا الزوجين، ولكن التكاليف المادية تكون في استخراج الأوراق الثبوتية من سوريا.

"قاتل زوجي لن يعترف بجريمته ويمنحني شهادة وفاة"

على عكس حالة سمر، كانت أم أحمد تمتلك دفتر عائلة وزواجها مثبت في حكومة النظام السوري، إلا أن معاناتها بدأت عندما فقدت زوجها بغارة جوية وأصيب فيها طفلها أحمد إصابة بالغة نقل على إثرها إلى تركيا لتلقي العلاج، لكن لم يسمح للأم بمرافقة طفلها المصاب في سيارة الإسعاف لأنها كانت تحمل معها طفلاً رضيعاً آنذاك، لذلك اضطرت إلى اللحاق به لاحقا مع باقي أطفالها، لكنها فقدت أحمد بعد رحلة علاج استمرت لأكثر من ثلاث سنوات تنقلت فيها بين المدن والمستشفيات التركية.

تعاني أم أحمد اليوم من مشكلات في الرقبة والعمود الفقري بسبب الضغط الكبير خلال فترة عنايتها بطفلها المصاب الذي كانت تضطر لحمله والاهتمام به لذلك هي غير قادرة على العمل، كما أن وجود أطفال صغار زاد صعوبة الأمر، لذلك المعيل الوحيد للعائلة هو طفلها الذي يبلغ من العمر 13 عاماً.

لم تستطع أم أحمد الحصول على أي دعم من الجمعيات والمنظمات التي تقدم دعماً للأطفال الأيتام، فقد تم تسجيلها متزوجة عند إصدار بطاقة الحماية المؤقتة للمرة الأولى، وأحد شروط الحصول على الدعم أن تكون في الهوية أرملة.

حاولت أم أحمد على مدار سنوات أن تغير الوضع الاجتماعي في الهوية من متزوجة الى أرملة، ولكن باءت جميع المحاولات بالفشل لأن تغير الوضع الاجتماعي في الكيملك التركي، يتطلب شهادة وفاة مصدقة من القنصلية التابعة للنظام السوري.

تقول أم أحمد: "حاولت إثبات وفاة زوجي عن طريق مقطع فيديو مصور لجثته وتوثيق اسمه ضمن قائمة ضحايا القصف في ذلك اليوم،  لكن دون جدوى، فالموظف يريد شهادة وفاة ... لا أستطيع استخراج شهادة وفاة لزوجي لأن القاتل يرفض تسليم شهادة تثبت جريمته لذوي الضحية خاصة إذا كانت الضحية مطلوبة للجهات الأمنية.

أكبر مخاوف أم أحمد اليوم أن يطلب منها صاحب المنزل الخروج منه، لأنها تخشى أن تعيش تجربة تثبيت عنوان السكن في النفوس مرة أخرى، لأن تغيير منطقة السكن وتثبيت النفوس للأطفال يتطلب موافقة الأب.

لم تعاني أم أحمد من مشكلة استخراج إذن السفر كما حصل مع سمر، لأنها وفق ما قالت: "أي سفر!؟ ليش أنا معي أجرة طريق سفر!؟

حاولت أم أحمد التسجيل على إعادة التوطين، وبانتظارالرد على طلبها على أمل أن تعثر على حياة أفضل وأن يكمل أطفالها تعليمهم ولا يضطرون للعمل.

ضحايا خطأ موظف الهجرة

تحدثت سيدات سوريات لموقع تلفزيون سوريا عن معاناتهن من أخطاء ارتكبها موظفو الهجرة التركية، حيث يسجل الموظف بالخطأ امرأة سورية على أنها متزوجة وهي عزباء أو بالعكس، ما أجبرهن على استخراج وثائق من حكومة النظام في سوريا لتأكيد حالتهن الاجتماعية.

 

نانان

 

كان التسجيل على بطاقة الحماية المؤقتة في تركيا لا يتطلب أوراقاً كثيرة، وكان في سنوات اللجوء الأولى يقتصر  على الهوية السورية أو جواز السفر والبصمات، إلا أن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين دعمت المديرية العامة لإدارة الهجرة لتنفيذ مشروع تحديث بيانات السوريين المقيمين في تركيا تحت الحماية المؤقتة نهاية العام 2016، لتحديث أو إكمال المعلومات التي تم الحصول عليها في أثناء التسجيل الأولي الذي أجرته الشرطة أو مسؤولو إدارة الهجرة في الولايات التركية، وفي عملية التحديث التي انتهت عام 2019، بات يجب على السوريين تقديم إثباتات صادرة عن حكومة النظام السوري من قنصيلته في إسطنبول أو مستخرجة من سوريا من خلال سماسرة أو أقرباء ثم يصدقونها من قنصلية النظام في إسطنبول.

 

Additional important information about verification from UNHCR Turkey | CwC on Vimeo.

لا بديل عن أوراق النظام السوري

تعترف الحكومة التركية على وثيقة تعديل شهادة الثانوية العامة التي تقدمها الحكومة السورية المؤقتة فقط، وهذا ما ساعد الطلاب السوريين في متابعة دراستهم الجامعية في تركيا، إلا أن مؤسسات المعارضة لم تستطع تقديم نفسها كبديل عن حكومة النظام السوري، على الأقل فيما يتعلق بشهادات الوفاة التي تعيق حياة السوريات الأرامل في تركيا كما تم توضيحه سابقاً في قصة سمر.

يمكن تفهم الحاجة التركية لأوراق ثبوتية في عمليات تسجيل السوريين لديها، إلا أن الحكومة التركية ودائرة الهجرة لا تراعيان الظروف الخاصة لضحايا النظام نفسه، ولا تقدمان لهم حلاً بديلاً، وهذا ما يتركهم لخيار السماسرة في تركيا وسوريا على حد سواء وما يترتب عليه من تكاليف باهظة لا يمتلكها إلا القليل منهم، كما أن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي دعمت مشروع تحديث بيانات السوريين، لم تراعي هذه المشكلات لدى السوريين.

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من "صحفيون من أجل حقوق الإنسان - JHR