بعد أكثر من خمس سنوات من سيطرة قوات النظام على مصيف سلمى بريف اللاذقية لا تزال منازل البلدة السياحية التي لطالما كانت متنفسا لأهالي اللاذقية خاوية على عروشها، والخراب والدمار منتشر بين شوارعها وكأن المعركة كانت بالأمس.
على مداخل البلدة فقط تتوزع حواجز تتبع لفرع "الأمن العسكري" وأخرى لـ "المخابرات الجوية" تمنع أي قادم غير عسكري من الدخول حتى لبضع دقائق.
لم يكتف النظام بحرمان أهالي البلدة التي كانت من أوائل البلدات في المحافظة خروجا عن سيطرته بمنع إعادة إعمارها فحسب، بل منع حتى الأهالي من الاستفادة من أرزاقهم الزراعية بحجة الأسباب الأمنية.
وتؤكد مصادر في اللاذقية لموقع تلفزيون سوريا أن النظام سمح لسكان القرى المحيطة بسلمى بالعودة رغم أن بعضها أكثر قربا من جبهات القتال واتخذ سياسة انتقامية وطائفية ضد سكان هذه البلدة.
انتقام طائفي
وسبق أن سمح النظام بعودة أهالي ثلاثة قرى بمحيط سلمى وهي قرى "الغنيمية" و"العوينات" الواقعتين في وادي الشيخان جنوب الأوستراد الدولي، الذي يربط حلب مع محافظة اللاذقية، والمقطوع منذ عام 2012، بالإضافة إلى أهالي قرية "القصب" الواقعة في الجهة الشمالية للأوستراد الدولي.
وفي هذا الصدد قال أبو عمر وهو من سكان البلدة لموقع تلفزيون سوريا إن النظام يلعب على أوراقه الطائفية والدينية، وقد سمح بعودة أهالي قرى (القصب والغنيمية) لأنهم ينتمون إلى الديانة المسيحية -طائفة الأرمن-، التي تلقى الحظوة لدى روسيا، كما سمح بعودة أهالي مزرعة (العوينات) لأنها تقع في المنتصف بين القريتين الأرمنيتين، وهم ينتمون إلى الطائفة العلوية، وذلك لتأمين التواصل المحمي بين القريتين الأرمنيتين" في حين يواصل حرمان أهالي "سلمى" من العودة.
ويؤكد أبو عمر أن الروس ساعدوا سكان قريتي الغنيمية والقصب بإعادة التيار الكهربائي وإعادة ترميم المدارس والمنازل وإعادة الحياة إليهما، كما أرسل النظام مساعدات إلى سكان العوينات في حين يحرم سكان سلمى حتى من الوصول إلى منازلهم وتفقدها حتى اليوم بعد خمسة أعوام.
وفي محاولة لتمويه العقوبة الجماعية التي ينتهجها النظام بحق أبناء بلدة سلمى نشر تلفزيون النظام في شهر تموز الفائت تقريرا تحدث فيه عن بدء الورشات المختصة بإزالة الأنقاض وتجهيز البنى التحتية تمهيدا لعودة المهجرين إلى بلدة سلمى والتي أطلق عليها تسمية "عاصمة الجماعات الإرهابية" في اللاذقية.
الروس من يمنع العودة
وحول أسباب منع النظام لسكان بلدة سلمى من العودة اعتبر الصحفي المنحدر من اللاذقية أحمد حاج بكري في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن القرار خارج عن إرادة النظام وهو متعلق بروسيا.
وأضاف حاج بكري أن روسيا هي من تمنع عودة سكان بلدة سلمى خوفا من أي هجوم على قاعدة حميميم بالإضافة إلى أن القرى المحيطة بالبلدة صغيرة ويمكن معرفة الزائرين والسكان في حين أن بلدة سلمى مركز ثقل سكاني ويقصدها كثير من الزائرين ومن هنا يأتي تخوف النظام وروسيا من أي تسلل.
بدوره قال الناشط الإعلامي في اللاذقية أحمد اللاذقاني في حديث لموقع تلفزيون سوريا إن بلدة سلمى تحمل رمزية كبيرة وحصلت بها معارك طاحنة بين النظام والفصائل العسكرية وحرمان النظام لسكانها من العودة لا يحمل سوى "طابع انتقامي" رغم أنها لم تعد تشكل أي تهديد محتمل لأن جبهات القتال أصبحت بعيدة.
ويشير اللاذقاني إلى أن بلدة سلمى على خلاف ما يشاع بأنها فارغة هو أمر غير صحيح وأكد أن عشرات من عائلات الميليشيات الموالية لإيران استقرت بها منذ سيطرة قوات النظام عليها ولذا باتت مستعمرة من تلك الميليشيات ومركزا لهم.
أهمية قرية سلمى في ريف اللاذقية
وسيطرت قوات النظام على بلدة سلمى في بداية العام 2016 إثر حملة عسكرية شاركت فيها الطائرات الحربية الروسية وميليشيات إيرانية.
ويبلغ عدد سكان بلدة سلمى نحو خمسة آلاف نسمة، قبل اندلاع الاحتجاجات ضد نظام الأسد، وكانت تستقبل أعداداً كبيرة من السيّاح من مختلف دول العالم في فصل الصيف، نظراً لموقعها الجبلي المميز وغاباتها الكبيرة.
وتقع البلدة في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي على بعد 49 كم من مدينة اللاذقية في بداية جبل الأكراد من جهة مدينة الحفة، وخضعت لسيطرة المعارضة أواخر عام 2011، وسقط دفاعاً عن البلدة عدد كبير من أبناء الساحل وقادات الفصائل المعارضة منذ تحريرها، بينهم قائد كتيبة "رجال عاهدوا الله فصدقوا"، خالد أوسي الملقب بـ "أسد القلعة" نسبة إلى قلعة سلمى الذي لم يتركها منذ أول يوم لهجوم قوات الأسد عليها، حتى قضى داخل أحد محارسها في 16 تشرين الأول 2015.