ألقى التصعيد الإسرائيلي على قطاع غزة في فلسطين بظلاله على الغزيين المقيمين في تركيا، حيث وجدوا أنفسهم فجأة أمام مصير مجهول ومستقبل ضبابي، بالتزامن مع الصعوبات الكبيرة التي تواجههم في أثناء محاولة تجديد الإقامات.
وروى فلسطينيون يعيشون في تركيا تفاصيل الصعوبات التي يواجهونها لتجديد تصاريح الإقامة، مع متابعتهم بقلق المخاطر المحدقة بذويهم في غزة من جراء تصعيد جيش الاحتلال الإسرائيلي المستمر على القطاع منذ 7 تشرين الأول الماضي.
غزيون يروون معاناتهم
قال الفلسطيني المقيم في تركيا "خالد" بصوت مرتجف لموقع "مهاجر نيوز": "خرجتُ من غزة قبل نحو شهرين، وتوجهتُ إلى تركيا بحثا عن حياة أفضل، سواء عن طريق الاستقرار والعمل فيها، أو عن طريق الهجرة إلى اليونان. لكنني الآن عالق في إسطنبول، لا أستطيع العودة إلى غزة بسبب الحرب، ولا أستطيع الحصول على إقامة في تركيا، وكل محاولاتي للوصول إلى اليونان آخذة بالفشل. أين أذهب؟ وكيف سيكون مصيري بعد نهاية هذه الحرب؟".
وبحسب موقع "مهاجر نيوز"، فإن الشاب الغزي خالد ذو الـ33 عاماً والحاصل على شهادة في الإلكترونيات وبرمجة الحاسوب منذ أكثر من 10 أعوام، لم يجد أي فرصة عمل في مجال دراسته في قطاع غزة، الذي بلغت نسبة البطالة فيه 74 بالمئة من بين الخريجين، وفقاً لبيانات الجهاز الفلسطيني المركزي للإحصاء لعام 2022.
وأضاف الشاب: "لم أر يوماً طبيعياً منذ 17 عاماً بسبب الحصار الخانق المفروض على غزة، لا كهرباء ولا ماء قابل للشرب ولا فرص عمل ولا حرية حركة ولا مستقبل واضح، عملت في مجال البناء والمطاعم لأكسب قوت يومي، وما كنت أجنيه لم يكن يكفيني للزواج وبناء أسرة، لذا قررت أن أقترض بعض المال، وأن أجرب حظي خارج غزة".
وبعد وصوله إلى تركيا، يشير خالد إلى أنه حاول الهجرة مرتين إلى الجزر اليونانية في بحر إيجة، وفي كلتا المحاولتين، قام خفر السواحل التركي باعتراض المهاجرين، وأعادهم إلى تركيا.
يختم خالد قائلاً: "في آخر اتصال مع والدي قبل نحو أسبوع، قال لي إنه لن يترك بيتنا، ولن يقبل أن يعيش تجربة اللجوء والتهجير التي عاشها جدي من قبله عام 1948، لكنني علمت من أقرباء لي أن أسرتي تركت المنزل ونزحت إلى جنوب قطاع غزة، ولا أعرف أي شيء عن مصيرهم بسبب انقطاع الاتصالات. أشعر بالعجز والضياع، أنا عالق هنا في تركيا، أنتظر مصير أهلي العالقين في جنوب قطاع غزة، أنا خائف من شبح الملاحقة والسجن لأنني لا أملك تصريح إقامة، أو من الموت في البحر بحثاً عن مستقبل أفضل، وهم خائفون من شبح التهجير القسري والحرب والدمار".
تجديد الإقامات في تركيا عائق أمام الغزيين
أوضح الموقع أنه تلقى خلال العامين الأخيرين، العديد من الشهادات روى فيها فلسطينيون تفاصيل الصعوبات التي يواجهونها لتجديد تصاريح إقامتهم في تركيا، والشروط الإضافية التي وضعتها السلطات التركية لذلك، بالإضافة إلى تقليص مدة صلاحية هذه الإقامات.
وأشار إلى أن إحدى التعديلات الجديدة التي فرضتها السلطات التركية، تتعلق بمدة تصريح الإقامة، فبعد أن كانت تجدد لمدة عامين، باتت تجدد لستة أشهر أو لعام كحد أقصى.
وأكد مهاجرون أن السلطات تجدد إقامات الأشخاص الموجودين مسبقاً في تركيا والحاصلين بالفعل على إقامات، لكنها لا تمنح الوافدين الجدد أية إقامات جديدة.
وتسمح هذه الإقامات السياحية للفلسطينيين بالإقامة في تركيا، لكنها لا تسمح لهم بالعمل أو التملك، ما يدفع الكثير منهم للعمل بشكل غير قانوني، ويجعلهم عرضة لاستغلال أرباب العمل والمؤجّرين.
من جملة التعقيدات التي فرضتها السلطات التركية على تجديد الإقامات - وفق الموقع - وجوب الحصول على عقد إيجار رسمي، والاشتراك بتأمين سكن باهظ الثمن، إضافة إلى ضرورة أن يكون عنوان المنزل المذكور على بطاقة الإقامة في نفس المنطقة، في حال تغيير السكن، وهو ما يقيد حركة المهاجرين، الذين أوضحوا أنهم يضطرون لتزوير أماكن إقامتهم حتى يتمكنوا من تجديد تصاريح الإقامة، إن استطاعوا تجديدها.
العودة إلى غزة مستحيلة حالياً
من جهته، يقول الشاب الفلسطيني عبد الله (26 عاماً)، "وصلت إلى تركيا في 2017، وحصلت على إقامة سياحية قمت بتحويلها إلى إقامة طالب، والآن انتهيت من دراستي لكنني غير قادر على تجديد الإقامة، أقف ساعات طويلة في طوابير الدوائر الخاصة بالأجانب، عدد الموظفين قليل ويعاملوننا بكثير من القسوة، على الرغم من أننا نقوم بكل ذلك حتى نعيش بشكل قانوني ونندمج هنا".
وتابع أن "هذا وضع كل الفلسطينيين الذين أعرفهم في تركيا، أختي على سبيل المثال، تعيش في تركيا رفقة أسرتها منذ أكثر من خمس سنوات، أبناؤها لا يتحدثون إلا التركية، وكانوا يذهبون إلى المدارس التركية واندمجوا بشكل كامل في المجتمع هنا، لكنها لم تستطع تجديد إقامتها السياحية، ورفض طلبها للحصول على الإقامة الإنسانية، وبالتالي مُنع أطفالها من الذهاب إلى المدرسة، لا نملك أي تصور عن المستقبل، ونحن غير قادرين على أخذ أي قرار يتعلق بحياتنا في ظل الوضع الحالي والحرب".
من جهتها قالت سعاد - امرأة فلسطينية تعيش وحدها في تركيا منذ ست سنوات -: "انتقلت للحياة في تركيا بعد وصولي إلى سن التقاعد، وراتبي التقاعدي يسمح لي بالحياة في إسطنبول بشكل مستقر. لكن حياتنا باتت معقدة جداً خلال العامين الأخيرين بسبب العنصرية وغلاء المعيشة. كنت أفكر طوال الوقت بالعودة إلى غزة لأن منزلي هناك، لكن الآن وبسبب الحرب، فقدتُ المنزل، ومع غياب البنى التحتية والخدمات الصحية والطبية، ومع تقدمي في العمر، من المستحيل أن أعود إلى غزة. لكن إلى أين سأذهب؟ أي بلد سيستقبلنا؟ ولماذا علينا أن نعيش تجربة اللجوء والتهجير مراراً وتكراراً؟".
وشهدت الأعوام الماضية سفر عشرات آلاف الفلسطينيين من غزة إلى تركيا، التي تعتبر واحدة من الدول القليلة جداً التي تعطي الفلسطينيين تصاريح سفر سياحية، يمكنهم بعد ذلك تحويلها إلى تصاريح إقامة سياحية قابلة للتجديد، وفي أيلول الماضي، أي قبل أسابيع من بداية الحرب على غزة، تناقلت وسائل إعلام محلية في غزة صوراً ومقاطع فيديو أظهرت توافداً كبيراً للشبان على مكاتب السفر الخاصة بالحصول على تصاريح السفر إلى تركيا، وسط سخط بشأن آليات عمل هذه المكاتب واستغلالها لوضع الشباب، وفق الموقع.