أنذرت فرقة "السلطان سليمان شاه" التابعة للجيش الوطني السوري 14 عائلة تنحدر من محافظة حماة، بالخروج من منازلها في ناحية المعبطلي بريف عفرين شمالي سوريا، ما تسبب بحشود عسكرية ما بين الفرقة من جهة، وحركة "أحرار الشام" التي يقودها يوسف الحموي "أبو سليمان" من جهة أخرى، نظراً لتبعية بعض أفراد العوائل المهددة بالترحيل للحركة.
ومنذ أيام تعيش منطقة المعبطلي حالة من الاستنفار العسكري لفرقة "سليمان شاه" بقيادة محمد الجاسم "أبو عمشة" لإخراج العائلات من المنطقة، في حين هددت "أحرار الشام" بالتصعيد، والمقصود هنا كتلة "لواء الإيمان"، التي أعلنت في وقت سابق عزل قيادة "أحرار الشام" ممثلة بـ"عامر الشيخ" وتعيين "يوسف الحموي" بديلاً عنه، ويتركز وجودها في بعض أرياف عفرين، وفي محيط مدينة اعزاز شمالي حلب.
لماذا يصرّ "أبو عمشة" على ترحيل العائلات؟
يركّز "أبو عمشة" الذي ينحدر من ريف حماة، على إخراج كل من يشك بمعارضته له، من المناطق الرئيسية التي يسيطر عليها فصيله، لا سيما في ناحيتي الشيخ حديد والمعبطلي، ولم تكن العائلات الحموية هي الضحية الأولى لسياسة فرقة "سليمان شاه"، إذ أقدمت الفرقة في وقت سابق على إخراج عائلات من منازلها بريف عفرين، تنحدر بعضها من محافظة حمص، وأخرى من ريف دمشق، كما حصل في شهر شباط الماضي، إذ أجبر الفصيل أشخاصاً من الغوطة على الخروج من بيوتهم في قريتي أنقلي وسنارة بريف عفرين تحت تهديد السلاح.
جهود "أبو عمشة" لتهجير معارضيه أخذت منحى تصاعديا في الأشهر الماضية بعد سيطرته على ناحية المعبطلي بدعم من "هيئة تحرير الشام"، وإخراج قوات الفيلق الثالث بالجيش الوطني منها، وباتت جهوده مركّزة حالياً على عائلات تنحدر من حماة، لأسباب وعوامل تتعلق باختزال مسمى حماة في فرقة "سليمان شاه" فقط وإقصاء بقية المجموعات الممثلة لحماة، كـ"لواء الإيمان" أو أحرار الشام بقيادة "يوسف الحموي"، لكون اللواء يتمتع بعلاقة جيدة مع الفيلق الثالث، ويناهض مشاريع "أبو عمشة" وهيئة تحرير الشام الداعمة له.
مصادر خاصة أكدت لموقع تلفزيون سوريا، أن "أبو عمشة" يعتبر أن لديه ثأراً مع "لواء الإيمان"، بدعوى أنه تجهز لاقتحام ناحية الشيخ حديد (معقل فرقة سليمان شاه) قبل أشهر، عندما تشكلت لجنة قضائية لمتابعة ما نُسب لـ"أبو عمشة" من جرائم وانتهاكات.
وتحدثت المصادر عن عدد من الأسباب التي دفعت "أبو عمشة" للتضييق على العائلات الحموية في المعبطلي، منها محاولته تفكيك والقضاء على أي كتلة في عفرين قد تنافسه، إذ يعتبر نفسه الممثل الوحيد عن حماة في منطقة شمال غربي سوريا.
تؤكد المصادر أن توجه "أبو عمشة"، كان مدفوعاً بأوامر من "هيئة تحرير الشام" للتضييق على "لواء الإيمان"، بسبب تشجيع اللواء للمدنيين الحموية على الخروج بمظاهرات مناهضة للهيئة في عفرين، بهدف الضغط على الهيئة وتخفيف إجراءاتها القمعية بحق "بعض الحموية" في إدلب.
لذلك سعت "فرقة سليمان شاه" للتضييق على "لواء الإيمان" من خلال ملف "كتيبة الفرقان" التابعة للواء، والموجودة في معبطلي بقيادة "هاني الطيباني أبو محمد"، مستغلة وجود بعض الخلافات القانونية على الأبنية التي يقطنها أفراد الكتيبة.
"أبو عمشة" والاستقواء بـ"تحرير الشام" لهندسة مملكته
لا تستطيع "فرقة سليمان شاه" مواجهة "لواء الإيمان" بمفردها بحسب اعتقاد المصادر، لذلك حاولت الاستقواء بـ"تحرير الشام" التي تبدو غير قادرة في الوقت الحالي على تصدر المشهد والتدخل علناً بسبب علاقاتها غير الجيدة مع الجانب التركي، وتحذير أنقرة للهيئة من افتعال مواجهات عسكرية داخلية في منطقتي عمليات "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، ولتجنب حدوث أي شرخ داخل الهيئة، كونها تضم نحو 400 مقاتل من حماة المدينة، قد يقفون بطريقها في حال أقدمت على قتال العائلات وتهجيرهم.
هذه التوازنات الحساسة دفعت "أبو عمشة" لاتخاذ خطوة نحو الوراء، بعدما وصل لمرحلة "كسر العظم" مع العائلات الحموية، فلم يعد قادراً على إخراجها بالقوة من دون مؤازرة الهيئة له بالشكل المطلوب، وفي الوقت نفسه لم يعد قادراً على التراجع تجنباً للحرج أمام داعميه ومنافسيه في آن معاً.
ونتيجة لذلك، لجأ أبو عمشة لخيار رآه مناسباً، يتمثل بتوقيع اتفاق مع ثلاثة أشخاص من حماة، اثنان يعملان في فصيله، وآخر مع مجموعة "أحرار الشام" المقربة من الهيئة، ينص على عدم دخول أي عنصر من "لواء الإيمان" إلى المعبطلي بالسلاح، والإقامة بها كمدنيين من دون صفة عسكرية.
وتعليقاً على ذلك، قال المتحدث باسم أحرار الشام، محمد زيد: "البيانات التي صدرت عن فصيل سليمان شاه لسنا معنيين بها، والأشخاص الموقعون على البيانات ليسوا موكلين من قبل الحركة، إنما هم تابعون لفصيل سليمان شاه، وعليه فإننا غير ملزمين بكل هذه البيانات".
تعتقد المصادر أن البيان المذكور، جاء كمحاولة من "أبو عمشة" للخروج من "المأزق" بأقل الخسائر، خاصة أنه سحب قواته العسكرية صباح الأربعاء من محيط الأبنية التي تقطنها العائلات الحموية في معبطلي.
ويتوقع أن يتّبع "أبو عمشة" أساليب أخرى للتضييق على العائلات وإجبارها في نهاية المطاف على الخروج من المعبطلي، كونه يعتبرها خطراً على "مملكته التي يحاول هندستها في ريف عفرين، والسماح للموالين له فقط بالعيش فيها" بحسب المصادر.
أوضاع مبهمة ومفتوحة على كل الاحتمالات
قال المتحدث باسم "أحرار الشام" محمد زيد، إن فرقة "سليمان شاه" لم تتراجع عن فكرة تهجير العائلات من المعبطلي، وبمعنى أدق "لا نعلم ولم يصلنا أنها تراجعت عن الأمر أو لا"، المؤكد حتى الآن أن الفرقة سحبت بعض قواتها من محيط مكان سكن العائلات.
وذكر "زيد" في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن أصل الخلاف مع الفرقة، هو محاولتها إخراج 14 عائلة من أهالي مدينة حماة، من بيوتهم في معبطلي بلا سبب، كما أخرجت سابقاً عائلات من أهالي ريف دمشق.
وأضاف المتحدث أن فرقة "أبو عمشة" طوّرت مطالبها فيما بعد لتشمل سحب سلاح عناصر أحرار الشام في المنطقة، مشيراً إلى أن الفرقة تسعى "للسيطرة على ناحية معبطلي بالكامل من خلال تطبيق سياسة التهجير الممنهج كما فعلت في الشيخ حديد".
وعن سبب إصرار الفرقة على ترحيل العائلات، قال "زيد": "عندما سُئل شقيق أبو عمشة عن السبب، قال إنها أوامر عليا، وإن لم ننفذ، فسيتدخل فصيل آخر لإخراج العوائل"، في إشارة ربما لهيئة تحرير الشام.
وتم الاتفاق قبل يومين على ثلاثة بنود بحسب المتحدث، وهي: عدم إخراج الأهالي من معبطلي، وعدم تسليم السلاح، إضافة إلى تعهد أحرار الشام بعدم مهاجمة الفرقة، إلا أن الأخيرة نقضت الاتفاق فيما بعد وبدأت بالتجييش.
وأكد المتحدث أن الأوضاع حالياً مفتوحة على كل الاحتمالات، مضيفاً: "لن نسمح لهم بإخراج عائلة واحدة، ونحن عندنا قوة نستخدمها لرفع الظلم وكسر قرن المعتدي"، وفق قوله.
يذكر أن توجه "أبو عمشة" للتضييق على العائلات الحموية، يأتي بالتزامن مع استمرار "تحرير الشام" باعتقال عدد من وجهاء حماة المقيمين في إدلب، مثل المهندس حازم نجار الملقب بأبي بكر خضرا، وقد أصدر المجلس الشرعي لمحافظة حماة بياناً في شهر حزيران الماضي دان فيه "الاعتداء السافر من الهيئة على بعض وجهاء حماة، والتضييق على عدد من الأهالي عبر مطالبتهم بإفراغ بيوتهم دون وجه حق".