يشهد الشمال السوري وتحديداً منطقة عمليات "درع الفرات"، نشاطاً مكثفاً على صعيد اللقاءات بين كتائب ومجموعات عسكرية مرتبطة بتنسيق مع هيئة تحرير الشام، بالإضافة إلى تحركات ميدانية تعطي جميعها مؤشرات على احتمالية اشتعال الشمال السوري من جديد بمواجهات عسكرية بين الهيئة ومجموعات متعاونة معها من جهة، و فصائل في الجيش الوطني السوري من جهة أخرى.
وسبق أن حاولت هيئة تحرير الشام حسم الصراع لصالحها، في شهر تشرين الأول 2022 في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، مع الفيلق الثالث الذي تعتبره التكتل المهدد لنفوذها، لكنها اصطدمت بموقف إقليمي وشعبي رافض لدخول الهيئة باتجاه اعزاز ومارع ومدينة الباب، لكنها فيما يبدو تسعى للاعتماد على أسلوب وأدوات جديدة تتيح لها هوامش تحرك.
تحركات عسكرية في اعزاز وعفرين
أكدت مصادر في الجيش الوطني السوري لموقع تلفزيون سوريا، أن تحرير الشام أدخلت خلال الأيام الماضية العشرات من المقاتلين الذي يتبعون لألوية سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب، ووزعتهم في مناطق يسيطر عليها تجمع الشهباء، الذي تم تأسيسه قبل عدة أشهر خارج مظلة الجيش الوطني، بالإضافة إلى إدخال عناصر من الهيئة إلى المناطق التي يتمركز فيها القطاع الشرقي لأحرار الشام.
وبحسب المصادر، فإن قيادة الهيئة طلبت من عناصرها التعامل وكأنها جزء من الفصائل التي انتشرت ضمن مقارها، تجنباً للفت النظر وبالتالي تحاشي احتمالية استنفار الجيش التركي مجدداً لملاحقة عناصر الهيئة.
وبدأت وحدات استطلاع بالفعل، إجراء مراقبة لمواقع إستراتيجية في مناطق جرابلس وجبرين واعزاز، كما أفاد قيادي بالجيش الوطني تحدث إلى موقع تلفزيون سوريا، بامتلاكهم معلومات تؤكد نية تحرير الشام استكمال السيطرة على منطقة درع الفرات بالكامل، التي تشمل مناطق الباب وجرابلس واعزاز ومارع، والقرى المنتشرة بين هذه المناطق.
ومن المتوقع أن يشارك في العملية العسكرية المحتملة ضد فصائل الجيش الوطني السوري، كل من تجمع الشهباء وكتلة أحرار الشام التي يقودها عامر الشيخ، بالإضافة إلى قسم من القطاع الشرقي لأحرار الشام ولواء يتبع لحركة نور الدين الزنكي سابقاً، مدعومين بشكل كامل من تحرير الشام بالخفاء.
وبالتوازي مع الحراك العسكري المذكور، تعمل الهيئة على إقناع بعض الفصائل والمكونات في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون بتأسيس مجلس عسكري، يتولى فيه أبناء المنطقة حكم منطقتهم بذاتهم، وقد أجرت خلال الأسابيع الماضية عدة لقاءات مع فصائل ومجموعات عسكرية لنقاش كيفية تشكيل المجلس العسكري والعمل على السيطرة التدريجية في المنطقة، في خطوة يبدو هدفها عزل الفيلق الثالث عن باقي الفصائل الأخرى.
تطورات تقلق تحرير الشام
علم موقع تلفزيون سوريا من مصادر مقربة من قيادة هيئة تحرير الشام، بتنامي شعور القلق داخل صفوف الهيئة، بعد صدور العقوبات المشتركة التركية – الأميركية على القيادي عمر الشيخ، أو المعروف باسم "أبو أحمد زكور" في 2 أيار الجاري، بسبب تورطه بأعمال تساهم في تمويل جماعات إرهابية، إذ أشار البيان الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية، والتي أُقرت بموجبه العقوبات، وجود تنسيق مع "الشركاء" في إشارة للدور التركي.
ووفق المصادر، فإن الهيئة تعتقد أن الجانب التركي قام بمبادلة معلومات مهمة مع وزارة الخزانة الأميركية ساهمت في صدور قرار العقوبات، وتتخوف تحرير الشام من خطوات تصعيدية تركية مستقبلية بعد انتهاء الانتخابات المرتقبة في 14 من أيار، ولذا تحاول الهيئة استباق الزمن والتمدد بشكل أوسع في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، وإضعاف الكتل العسكرية في الجيش الوطني التي يمكن أن يعتمد عليها الجانب التركي في إنهاء تمدد الهيئة بالمنطقة.
من جهة أخرى، تتخوف تحرير الشام من نتائج الاجتماعات الأمنية والعسكرية التي تعقدها تركيا مع كل من روسيا وإيران بحضور النظام السوري، خاصة بعد إعلان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في 5 من أيار عن وجود مخطط لإنشاء مركز تنسيق ميداني بالاشتراك مع النظام السوري، وتأكيده التوصل إلى تفاهمات بخصوص بعض النقاط بعد اجتماع موسكو الأخير في نيسان الماضي.
وأفادت مصادر مقربة من تحرير الشام لموقع تلفزيون سوريا، بأن قيادة الهيئة عقدت اجتماعاً بعد تصريحات وزير الدفاع التركي، وتحدثت عن مخاوفها من تفاهمات محتملة ضمن المسار الرباعي الذي يضم تركيا إلى جانب ضامني أستانا والنظام السوري، مضمونه مكافحة جميع التنظيمات الإرهابية في شمال شرقي، وشمال غربي سوريا.
لقد أشارت التسريبات الصادرة عن النظام السوري بعد اجتماع موسكو العسكري والأمني في نهاية نيسان الماضي، إلى مناقشة فتح طريق M4 شمال غربي سوريا، ومطالبته تركيا بتأسيس الممر الآمن الذي وافقت عليه بمذكرة تفاهم 5 آذار 2020 التي تم توقيعها في قمة رئاسية تركية – روسية بسوتشي، وبالتالي فإن مجمل التطورات الأخيرة تسهم في تغذية مخاوف تحرير الشام بخصوص مستقبلها وتجعلها تتوقع ضغوطا دولية كبيرة، وقد يدفعها هذا إلى استخدام الخيار العسكري لفرض أمر واقع جديد مستغلة تركيز الجانب التركي بالشأن الداخلي والانتخابات، إلا إذا اقتنعت الهيئة بأن التحرك العسكري سيتسبب برد فعل مكلف ضدها.