البث المباشر
لم تمضِ ساعات على الإعلان، أمس في دمشق، عن وفاة الداعية منيرة القبيسي، مؤسسة جماعة "القبيسيات" في سوريا، حتى اندلع جدل وانقسام حاد على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة بعد أن نعاها وعدّد مناقبها شخصيات عامة ودينية محسوبة على التيار الإسلامي في المعارضة السورية، ما أثار استهجان واستغراب العديد من السوريين، بما فيهم مريدو الداعية.
وهذا الجدل ليس بجديد، حيث ينقسم العديد من السوريين حول الموقف من جماعة "القبيسيات" منذ اندلاع الثورية السورية، على خلفية عدم إعلان الداعية منيرة القبيسي موقفاً واضحاً من النظام، ومن ثم تأييد مريداتها الواضح والصريح له.
كما سبق أن احتدم الجدل حول الجماعة النسوية أكثر، في تشرين الأول من العام 2018، بعد أن أصدر رئيس النظام، بشار الأسد، المرسوم رقم 16، الذي ينظم عمل وزارة الأوقاف، والذي منح فيه الوزير محمد عبد الستار السيد، الصلاحية "للإشراف على الشؤون الدينية النسائية، وضبط وتوجيه عمل معلمات القرآن الكريم، ووضع ضوابط منح التراخيص للتدريس الديني النسائي"، ما دفع بالأخير لأن يصرّح علناً ولأول مرة باسم الجماعة، بعد أن أنكرت وزارة الأوقاف قبل ذلك وجودها، واكتفت بالإشارة إلى وجود "معلمات قرآن".
أسست "القبيسيات" الحركة "المدللة" لدى عائلة الأسد
— تلفزيون سوريا (@syr_television) December 26, 2022
وفاة الداعية منيرة القبيسي.. ماذا تعرف عنها؟@Hasanalhusayean#تلفزيون_سوريا #نيو_ميديا_سوريا pic.twitter.com/e5HcZsmH3z
"مؤثرة في مجتمع أهل الشام"
وكان المفتي العام لسوريا، أسامة الرفاعي، وعضو "المجلس الإسلامي السوري"، سارية الرفاعي، من أبرز المعزين، حيث قدّم الشيخ سارية العزاء لعائلة الداعية القبيسي وجماعتها وعدّد مناقبها، معتبراً أنها "مؤثرة في مجتمع أهل الشام وبيوت أهل الشام وبنات أهل الشام".
وقال الشيخ سارية إن "في صحيفتها صلاح أفواج من بناتٍ وزوجات وأمات"، مضيفاً "حسبها أنها صبرت ورابطت وعلمت وأدبت"".
واعتبر الباحث والدكتور عبد الكريم بكار الداعية القبيسي بأنها "أسست واحدة من أهم الجماعات الإسلامية في العصر الحديث".
ورأى الباحث محمد وائل الحنبلي أنها "دعت إلى الله في أحلك الأيام في سوريا، وتخرج على يديها الآلاف من الداعيات والكاتبات"، مضيفاً أن "الآلاف تديّن وتحجبّن على يديها ويدي تلامذتها".
توفيت اليوم بدمشق 2 جمادى الآخرة 1444، 26 كانون الثاني 2022م:
— محمد وائل الحنبلي (@waelh1399) December 26, 2022
الداعيةُ المربية منيرة بنت حمدي القُبيسي، التي دعت إلى الله في أحلك الأيام في سورية، وتخرَّج على يديها الآلاف من الداعيات والكاتبات
ولستُ مبالغا إن قلت: إنّ عشرات الآلاف من النساء تدينَّ وتحجبْن على يديها ويدي تلامذتها
انتقاد شديد
وواجه هذا النعي العلني للشخصيات الدينية المحسوبة على المعارضة استهجان العديد من السوريين، الذين اتهمهم ناشطون بأن "الحجاب مقدّم عندهم على مبادئ الثورة".
وكتب ملهم عكيدي في تغريدة: "جمهور الثورة المنفتح والحليم والمتسامح مع أصحاب المواقف المخزية، هو الذي حول الثورة السورية من قضية حق مطلق يواجه شر مطلق إلى "خلاف سياسي" تتساوى فيه الأطراف ويتحمل فيه الجميع مسؤولية المأساة".
جمهور الثورة المنفتح والحليم والمتسامح مع اصحاب المواقف المخزية هو الذي حول الثورة السورية من قضية حق مطلق يواجه شر مطلق إلى "خلاف سياسي" تتساوى فيه الاطراف ويتحمل فيه الجميع مسؤولية المأساة
— ملهم عكيدي (@molhamekaidi) December 26, 2022
ووصف آخرون جماعة "القبيسيات" بأنها "معول من معاول الاستبداد، وتسلط الأسد، فضلا عن انحرافاتها العقائدية"، واعتبر البعض أنها "عملت لصالح حافظ الأسد لتدخل مخابراته إلى أكثر بيوت سوريا بحجة دين مزيف".
#منيرة_القبيسي عملت لصالح #حافظ_الاسد لتدخل مخابراته القذرة الى اكثر بيوت #سوريا التي كانت بوقتها آمنة بحجة دين مُزيّف، غايته طاعة ثم عبادة القائد، بأمر منها 'المربية.'
— Rana Kabbani (@RanaKabbani54) December 26, 2022
بيّضت صفحة نظامه بعد مجازر #حماه، ثم استمرت على هذا النهج المنحط في تعاملها مع #مجرم_الحرب ابنه #بشار_إسكوبار
سعاد الكياري مربية فاضلة
كما نشر صحفيون سورين صوراً للسيدة سعاد الكياري، التي توفيت مطلع العام 2018، وعرفت أنها قاتلت قوات النظام في بلدة أبو الظهور بريف إدلب الشرقي، ووصفوها بأنها "هي من تستحق لقب المربية الفاضلة"، مع وفاة أخويها على يد قوات النظام السوري.
هي التي تستحق لقب المربية المناضلة الشهيدة البطلة "سعاد الكياري " pic.twitter.com/xhAvAk3pNF
— ابو المنايا فاستقم (@FastqmA) December 26, 2022
واستنكر آخرون نعي الشيخ معاذ الخطيب للصحفي السوري ناجي الجرف، في 27 كانون الثاني 2015، بالقول "أختلف معه لكني أترحم عليه"، بينما نعى المربية القبيسي بشكل واضح وصريح، رغم كل مواقفها التي اعتبروها "مخزية ومشينة بحق سوريا والسوريين".
التعميم على الجماعة "خاطئ"
من جهة آخرى، اعتبر ناشطون وصحفيون أن "التعميم بالتشبيح على كل الجماعة خاطئ ومعيب"، مشيرين إلى أن "العديد منهن فقدن أولادهن وأزواجهن شهداء في الثورة، وكانوا داعمين لكل تحركاتها".
توفيت منيرة القبيسي، مؤسسة أهم جماعة إسلامية حركية للنساء في سوريا.
— تمام أبو الخير (@RevTamam) December 26, 2022
أعرف الكثير من هذه الجماعة في داريا والذين ما زالوا على نهج الجماعة.
العديد منهن فقدن أولادهن وأزواجهن شهداء في الثورة، وكانوا داعمين لكل تحركاتها.
من أجل ذلك فإن التعميم بالتشبيح على كل الجماعة خاطئ ومعيب!
كما أشار آخرون مطلعون على الجماعة، إلى أن الداعية منيرة القبيسي "معتزلة منذ سنين طويلة، ولا علاقة لها إلا مع بعض المقربين منها"، مؤكدين أنها "لم تنافق يوماً لنظام الأسد".
"السحريات" و"الطباعيات" و"بنات البيادر"
وبعد سنوات من تسلم رئيس النظام السوري، بشار الأسد، مقاليد الحكم، انتشر مريدو الداعية منيرة القبيسي من سوريا إلى الأردن ولبنان والكويت وبعض دول الخليج، حتى إن "حلقات الآنسات" للدعوة والتعليم كانت تُعقد في باريس وفيينا والولايات المتحدة الأميركية.
ويثار الكثير من اللغط والجدل حول الداعية منيرة القبيسي وجماعتها، التي حافظت على علاقات جيدة مع عائلات كبار العلماء ورجال الدين، لتكوّن شبكة علاقات نسائية مميزة، جذبت سيدات وشابات دمشق ذوات التوجه الديني إلى حلقات التعليم.
كما انتشرت مريدات الداعية القبيسي في دول أخرى، وأسسن جمعيات تتبع الجمعية الأم في دمشق. ففي لبنان، عملت تلميذة الداعية القبيسي، أميرة جبريل، على تأسيس نواة للجماعة مع سيدة أخرى تدعى سحر الحلبي، وعرفت المريدات هناك باسم "السّحريات".
وأميرة جبريل هي شقيقة الأمين العام لـ "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة"، الميليشيا الفلسطينية التي قاتلت مع النظام السوري، وحاصرت مخيم اليرموك وقتلت أهله.
كما ساهمت جبريل في نقل نشاط الجماعة إلى دولة الكويت، وتسلمت إدارتها دلال عبد الله عثمان، وعرفت المريدات باسم "بنات البيادر".
وفي الأردن، عملت التلميذة فادية الطباع على نشر نشاط "القبيسيات" بشكل كامل إلى الأردن، واستطاعت خلال فترة قصيرة أن تستقطب عدداً كبيراً من السيدات الأردنيات، وعرفن هناك باسم "الطباعيات".
