صباح الأحد الفائت، ثاني أيام العام الدراسي، كان مختلفاً لدى مروة عوض، إذ بانتظارها، غمار إنساني، كانت قد بدأته قبل شهرين، في مدرسة موجّهة لمصابي الحرب من الأطفال في مدينة إدلب شمال غربي سوريا.
ومن مكان إقامتها في حي الثورة بمدينة إدلب، إلى الحيّ الشمالي قرب دوّار معرة مصرين، حيث يصل أطفال صغار فقدوا أطرافاً من أجسادهم الغضّة، يمرّ شريط من المتطلبات الملحّة في مخيلة مروة، تحاول أن تشاركها مع زوجها، قبل وصولها للمدرسة.
اقرأ أيضاً.. أكثر من ربع السوريين ذوو إعاقة.. من يدفع كرسي سوريا المتحرك؟
مروة، مؤسّسة مدرسة "خطوة" التي افتتحت أبوابها، يوم الأحد الفائت (18 أيلول 2022)، لمصابي الحرب والمعوّقين في مدينة إدلب، لتأمين "التعليم الرسمي لهم في بيئة آمنة بعيداً عن التنمّر والعنصرية"، وفق ما تقول، وذلك بانطلاقة جديدة، بعد فترة تحضيرية استمرت لشهرين.
وتضيف في حديثٍ لـ موقع تلفزيون سوريا: "كان من المهم أن نكسر حاجز الخوف لهذه الفئة من المجتمع، التي تعرّضت لفقدين، الأول أطراف من أجسادها، والفقد الآخر، الثقة بأنفسهم بسبب التنمّر والتمييز، الذي قد يواجههم في الأماكن العامة".
توضح "مروة"، التي يشاركها في مشروع المدرسة التطوعية 16 متطوعاً بين مدرّسين وفريق صحي، قائلةً: "الدافع الذي أشعل الفكرة في داخلي، هو فريق دعم نفسي من مصابي الحرب، شاركتهم نشاطاً في مكان عملي السابق.. كانت تجربة عرّفتني على هذه الفئة، وأحببت أن أكون شخصية ملهمة وداعمة لمزيد من الأطفال الذين يعانون من ذات المشكلة".
"مصابو حربٍ وأصحّاء"
تقول مروة لـ موقع تلفزيون سوريا إنّ "مدرسة خطوة، موجّهة بالدرجة الأولى لمصابي الحرب من الأطفال، إلى جانب معوّقين"، مشيرةً إلى أنّ "المدرسة تستوعب إلى جانب فئتي المصابين والمعوّقين، طلاباً أصحّاء جسدياً، لمساعدتهم على التخلص من الانطواء والوحدة التي تعاني منها أصلاً هذه الفئة، وعلى الاندماج بين باقي الطلاب".
وتضيف: "طلاب مصابي الحرب، فئة مهمّشة، وواجهت ضغوطا نفسية، إلى جانب الإعاقة الجسدية.. المدرسة تحاول أن تخلق لهم واقعاً جديداً".
ووصل أعداد الطلاب في المدرسة إلى قرابة 40 طالباً وطالبة، 22 منهم من مصابي الحرب، والأعداد في تزايد، بحسب مؤسِّسة المدرسة، على اعتبار أنّ العام الدراسي في بدايته، والمدرسة حديثة التأسيس.
تستقبل المدرسة، الطلاب من الصف الأول حتى الصف التاسع، وهي مدرسة معتمدة من مديرية التربية والتعليم في إدلب، ولكل طالب إضبارته الرسمية التي تكفل له، التسلسل الدراسي والانتقال إلى الصفوف الدراسية، كما أنّها لا تغفل الجانب الصحي للأطفال، إذ توفّر المدرسة علاجاً فيزيائياً لهم بكادر تطوعي متخصص أيضاً.
"تحديات.. النقل غير مؤمّن"
يعيق المدرسة منذ الأيام الأولى لتأسيسها، تحديات بالغة الأهمية لسير العملية التعليمية، أبرزها المواصلات المجّانية، بحسب مروة التي تقول في هذا السياق: "المواصلات بالنسبة للمصابين، خدمة مهمة، لأن ظرفهم الصحي غير مساعد، إلى جانب فقر عائلات الطلاب المسجلين، الذي يحول دون قدرتهم على تأمين مواصلات يومية لأطفالهم".
وتقدّر مروة كلفة المواصلات شهرياً للطالب الواحد 10 دولارات أميركية، وهو ما يجعل مهمة نقل الطلاب على عاتق الأهالي، لحين توفير داعم يؤمّن مواصلات مجانية للأطفال.
وإلى جانب، المواصلات، توضح أنّ "الكتاب المدرسي والمقاعد والأثاث، ما زال شحيحاً في المدرسة".
"مدرّسون متطوعون"
لم تكن مهمة إيجاد مدرسين متطوعين للعمل في المدرسة، مهمة سهلة بالنسبة لـ مروة، التي تعتبر أنّ "طول أمد التطوع المدرسين بنحو 3 سنوات في إدلب.. حوّلهم إلى مدرسين منهكين مادياً وبحاجة عمل ملحّ".
وتضيف: "اضطررت إلى تغيير معظم الكادر التأسيسي للمدرسة بعد اعتذارهم عن العمل بسبب طبيعته التطوعية.. وهذه كانت نكسة أولى في العمل، وسرعان ما تيسّر لنا كادر متطوع آمن بالمشروع".
اقرأ أيضاً.. بـ 100 ليرة.. حملة تبرعات لطلاب ومعلمين غير مدعومين في إدلب | صور
حسن بازرباشي، وهو متطوع "حساب ذهني" في المدرسة منذ تأسيسها، يقول إنّ "رغم دراستي الجامعية، في الوقت الحالي، قادني حب التدريس، وخاصةً لهذه الفئة التي هي بأمس الحاجة للرعاية".
ويضيف: "أحاول أن أطبق عدداً من أنشطة الحسابات بالدمج بين الطلاب المصابين والأصحّاء، وأجد تفاعلاً فيما بينهم ونتائج مرضية، وأنا مسرور جداً بهذه التجربة".
"أهالٍ يتأمّلون"
اعتبر عمار الرحمون، وهو والد أحد الطلاب المسجّلين، أنّ "الاهتمام بفئة مصابي الحرب في مدرسة معتمدة من مديرية التربية وتدرّس اللغات الأجنبية، مثل الإنكليزية والتركية، كانت حافزاً لتسجيل ابني المعوّق".
يقول "الرحمون"، المهجر من بلدة "الغدفة" جنوبي إدلب، لموقع تلفزيون سوريا، إنّ "ابنه البالغ من العمر 20 عاماً، واجه خلال سنواته السابقة تحديات كبيرة في القدرة على الاندماج في المجتمع المحيط فيه، بسبب إعاقته، وما زال يواجهها حتى اليوم، لذلك لم يكن متحمساً للالتحاق في المدرسة، كما يأمل أن "تنجح المدرسة في كسر إحباط ولدي، وتمكينه تعليمياً للانطلاق في درب العلم".
وتوضّح مروة - مؤسِّسة مدرسة "خطوة" - أنّ "المدرسة رغم شيوعها والتفاعل الواسع الذي لاقاه افتتاحها، إلا أنّ التحرّك في سبيل دعمها ورفدها بالمتطلبات الرئيسية ما زال غير متوفر".
وتأمل في ختام حديثها، أن "تتوفر مختلف المستلزمات التي تؤمّن على الأقل استمرارية المدرسة في عطائها، خشية أن تخذل هذه الفئة المهمّشة في المجتمع، وتعود للنقطة صفر في البحث عن مكان آمن لتدرس وتنجح فيه".