عاد الدبلوماسي الفلسطيني- السوري السابق، والمقرّب من دوائر صنع القرار في موسكو، رامي الشاعر ليسلط الضوء على المرحلة التي سبقت تدخل روسيا عسكرياً لنجدة نظام الأسد.
الشاعر كشف في مقابلة مع صحيفة "الشرق الأوسط"، اليوم الإثنين، عن إحداث قناة تواصل سرية بينه وبين أحد ممثلي بشار الأسد من دمشق، كي يوصل الشاعر رسائل كان النظام يريد لموسكو أن تطلع عليها.
يقول الشاعر عن هذه القناة الثنائية "مع احتدام الوضع في 2013 تلقى اتصالا من مسؤول في مكتب الرئاسة، عرّف نفسه بأنه مكلف من الرئيس الأسد للتواصل، وشدد على أهمية فتح قنوات اتصال وتعاون بسبب تفاقم الظروف الصعبة، وأهمية حشد التأييد في الأوساط الروسية".
40 رسالة من دمشق إلى روسيا لإنقاذ بشار الأسد
يؤكد الشاعر أنه تبادل مع ممثل بشار الأسد أكثر من أربعين رسالة، كانت في مجملها تتحدث عن التطورات الجارية على الأرض، مشيراً إلى أن هذا الممثل زار موسكو نحو عشرين مرة لاحقا لمواصلة تبادل الرسائل والأفكار.
تقول "الشرق الأوسط" إنها اطلعت على جزء من هذه الرسائل، التي حملت "نداءات استغاثة مباشرة"، في الوقت الذي ركز فيه الجانب الروسي على توجيه نصائح للنظام لإبداء مرونة في تسهيل عمليات الحوار مع المعارضة في لقاءات جنيف وموسكو وسوتشي لاحقا، بهدف دعم الجهد الروسي في المسار السياسي.
نص رسالة كامل من مكتب بشار الأسد لموسكو
في السادس من تموز 2013، أرسل مكتب بشار الأسد الرسالة التالية لموسكو جاء فيها، "نضعكم في صورة الوضع الميداني، نحن نواصل سياسة الحصار والقضم والعزل. من خلال عزل شرق سوريا عن غربها بالكامل، وتم قطع الإمدادات والرواتب عن المناطق الشرقية لتحريك الحاضنة الشعبية ضد جبهة النصرة، ما يساعد على تأمين الأوتسترادات الدولية، في المحور الحيوي من حلب إلى درعا، ويقلص مساحة تحرك المسلحين ويضعف استخدامهم للصحراء. نعمل على عزل مدينة حلب عن ريفها تمهيدا لتحريرها مثل القصير (في ريف حمص في 2013) لذلك نعتمد على العمليات الخاصة لتسهيل اجتياح المدينة تحضيرا للعملية الواسعة الشاملة التي يسبقها قطع كل الإمدادات. في حمص تتواصل عملية قضم ما تبقى من المدينة خاصة بعد تجفيف إمدادها من القصير. وهي مسألة أيام. أما دمشق وهي أم المعارك فتقوم بعمليات واسعة ونوعية جدا في الغوطة الشرقية ونحضر ما يلزم من جمع المعلومات عن الوضع في الغوطة الغربية، والتي سيبدأ تحريرها من جوبر بعد النجاح النسبي في قطع الإمدادات بين الغوطتين. والنصر حليفنا (...) لكن يبقى الشغل الشاغل الانهيار الاقتصادي وقيمة الليرة التي إن لم تعالج سريعا فمن الممكن أن تسقط كل الإنجازات العسكرية".
من جهته، أكد الشاعر أن هذه الرسالة مهمة في ذلك التوقيت إذ كان النظام يعي جيدا أن الوضع الاقتصادي يتدهور بسرعة ورغم ذلك، لكنه لم يستجب لكل الجهود التي بذلها الأصدقاء للعب دور أساسي في السير بعملية الانتقال السياسي، وفق قوله.
مع حلول نهاية عام 2013، كان اتضح أن النظام ما يزال غير قادر على حسم المعارك، ووجه في 23 تشرين الثاني من العام ذاته، رسالة الاستغاثة الأبرز التي جاء فيها أن "المسلحين باتوا على بعد 3 كيلومترات من مطار دمشق، ولا بد من تدخل عسكري روسي سريع".
وفقا للشاعر فقد كانت موسكو تعي خطورة المشكلات التي يواجهها النظام، ليس فقط بسبب تشديد عمليات المعارضة المسلحة، لكن بسبب أدائه وأخطائه، فضلا عن تركيبة المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية الطائفية، وهو أمر خطير بسبب المخاوف الجدية من عمليات تطهير وانتقام واسعين. يعد هذا، بحسب الشاعر، أحد أسباب التريث الروسي وإصرار موسكو على توجيه رسائل تحث دمشق على الانخراط في عملية إصلاحية واسعة.
روسيا ترد على رسائل الأسد
وفي رسالة رد من موسكو على طلبات النجدة التي أطلقها النظام، والتي جاءت في تاريخ 5 كانون الأول 2014، قال الروس "نرجو أن تتجاوبوا مع الجهود التي تبذلها روسيا بخصوص إنعاش الحوار السوري- السوري بينكم وبين جميع مكونات المعارضة، والمبادرة من قبلكم لتشكيل الوفد الذي يمثلكم في جلسات الحوار مع وفود المعارضة وهذا مهم جدا جدا، وأي مماطلة فسيكون لها تداعيات صعبة بل كارثية على مستقبل سوريا ونأمل أن تتخذوا خطوة عملية محددة بهذا الخصوص خلال أسبوع".
رد النظام على هذه الرسالة عبر القناة ذاتها، جاء بعد أقل من شهر، عندما أعلن النظام استعداده للمشاركة في لقاء يضم المعارضة تعمل موسكو على تنظيمه، لكن كما حدث مع نصائح روسية كثيرة أخرى، برز تعنت من جانب النظام الذي ترك لنفسه تحديد طبيعة وهدف لقاء موسكو.
تطوران دفعا روسيا للتدخل في سوريا
لفت الشاعر إلى تطورين مهمين شكلا أبرز مفاصل التدخل الروسي في سوريا، الأول قناعة موسكو بضرورة تدمير السلاح الكيماوي السوري في 2013 ليس فقط بسبب التهديد بعملية عسكرية غربية، بل بسبب ظهور مخاوف جدية من خروج هذا السلاح عن السيطرة واستخدامه على نطاق واسع على خلفية تأجيج الحالة الطائفية ومشاعر الانتقام، ما يعني أن وقوع بعض مكوناته في أيدي "إرهابيين" كان سيشكل كارثة.
وكانت موسكو تخشى من خطر استيلاء المجموعات المسلحة على الجزء الأعظم من أسلحة النظام وهذا كان سيشكل خطرا استراتيجيا ليس في سوريا وحدها بل وعلى الأردن ولبنان، وفق الشاعر.
التطور الثاني، يقول الشاعر، هو ترسخ القناعة الروسية في خريف 2015 أن ما يفصل دمشق عن السقوط هو أيام أو أسابيع على أبعد تقدير. ورغم الخيبة الروسية بسبب عدم تجاوب نظام الأسد مع غالبية النصائح الموجهة إليها في الفترة السابقة، فلم يكن من الممكن تجاهل مخاطر انهيار النظام في تلك اللحظة.