بعد أقل من يوم على اجتماعه في الإليزيه مع "رؤساء الدول الشريكة" في العمليات العسكرية ضمن إطار مكافحة (الإرهاب) في منطقة الساحل، لبحث الانسحاب العسكري من مالي؛ أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس الخميس عن سحبه قوات بلاده من مالي، مع الاحتفاظ بوجودها العسكري في دول غربي أفريقيا.
ومن المقرر أن تبدأ عملية سحب القوات الفرنسية التي كانت مشاركة منذ عام 2013 في "عملية برخان" التي تقودها باريس في كل من تشاد والنيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا، خلال فترة تمتد ما بين 4- 6 أشهر.
وبحسب تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية BBC فإن الوجود الفرنسي، خلال السنوات الـ8 الأخيرة، أصبح غير مرغوب به لدى حكومة مالي وشعبها. وكانت فرنسا قد أرسلت 5000 جندي إلى مالي في عام 2013، بناء على طلب من الحكومة المالية لمساعدتها في التصدي لتمرد مسلح في البلاد.
وأوضح التقرير أن تنظيمي "الدولة" والقاعدة صبّا تركيزهما على منطقة الساحل في أفريقيا، عقب تعرضهما للانتكاسات في الشرق الأوسط. ذلك الساحل عبارة عن شريط من الأراضي شبه القاحلة يمتد من شرقي القارة إلى غربها بمحاذاة الصحراء الكبرى. ويضم جزءاً من تشاد والنيجر ومالي وبوركينا فاسو وموريتانيا.
التنظيمان، "الدولة" و"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة للقاعدة، نفّذا العديد من الهجمات في الصحراء الكبرى أدت إلى مقتل آلاف الأشخاص وتشريد عشرات الآلاف. في حين تنشط مجموعتا "أنصار الإسلام" و"بوكو حرام" المتشددتان في الساحل أيضاً.
انخراط فرنسا في الصراع
بعد الإطاحة بـ معمر القذافي وقتله، عادت ميليشيات الطوارق التي كانت تقاتل إلى جانبه إلى مالي، مصممة على القتال من أجل استقلال شمال البلاد. وساعدتها الأسلحة التي حصلت عليها من القذافي، في تشكيل تحالف مع عناصر القاعدة ليسيطر الحليفان على شمالي مالي مهددين بالسيطرة على البلاد بأكملها.
وحتى عام 1960، كانت مالي مستعمرة فرنسية. ويعيش فيها نحو 6 آلاف فرنسي قالت فرنسا إنها تريد حمايته،. فتمركز 2400 من قواتها في شمالي مالي، بينما استخدم الباقون الطائرات بدون طيار والمروحيات لتعقب الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل.
مرتزقة فاغنر الروسية
وألقى ماكرون باللوم على المجلس العسكري الحاكم في البلاد الذي قرر التعاقد مع "مجموعة فاغنر" الروسية التي يتهمها الاتحاد الأوروبي بـ"إثارة العنف وارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان في أفريقيا".
ورحّب بعض الماليين بوصول مقاتلي مجموعة فاغنر، الذين يرون أنها "محايدة" سياسياً. ومع ذلك، فإن العديد من الدول الغربية تشك في ذلك وتتهم الحكومة الروسية بمساعدتها في الفوز بعقد العمل مالي.
وتنتشر فاغنر في العديد من البلدان الأفريقية الأخرى، بما في ذلك موزمبيق والسودان وجمهورية أفريقيا الوسطى. كما تم ربطها بجرائم الحرب في ليبيا.
تصاعد التوتر
تصاعد التوتر في الأسابيع الأخيرة بين الحكومة المالية التي جاءت إلى السلطة في انقلاب عسكري في آب 2020، وبين فرنسا التي وصفتها الحكومة "بالقوة الاستعمارية" وطالبتها بالتخلص من "سلوكها الاستعماري" وطردت سفير باريس ردا على تصريحات لوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، قال فيها إن السلطة العسكرية في مالي "خارجة عن السيطرة وغير شرعية".
وفي حزيران الماضي، قرر ماكرون إنهاء عملية "برخان" في منطقة الساحل، وتقليص عدد قوات بلاده من 5100 عسكري إلى ما بين 2500 و3 آلاف عنصر، بالإضافة إلى الانسحاب تماما من مدن تيساليت وكيدال وتومبوكتو.
وتشعر حكومات الدول المجاورة بالقلق من أن انسحاب فرنسا من مالي قد يزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة. فقد حذّر رئيس ساحل العاج، الحسن واتارا، من أن ذلك سيخلق فراغاً سياسياً.