ينشغل الإعلام الموالي للنظام السوري منذ أيام بتغطية انتخابات مجالس الإدارة المحلية، التي يروج لها بوصفها حدثاً "ديمقراطياً" مستقلاً يعبر عن إرادة السوريين، إلا أن خلافات بين صحفيين موالين ومرشحين متنفذين كشفت عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن استغلال أطفال في الدعايات الانتخابية، وسطوة لرجال مافيا المحروقات على مراكز الاقتراع.
ورصد موقع تلفزيون سوريا منشوراً متداولاً بكثرة عبر "فيس بوك"، لصحفي موالي يدعى رضا الباشا (مراسل قناة الميادين المدعومة من إيران)، ومرشح لانتخابات الإدارة المحلية، يتحدث فيه عن استغلال أطفال من قبل أحد المرشحين المستقلين لمجلس محافظة حلب، للترويج له أمام المراكز الانتخابية.
الباشا لم يذكر اسم المرشح الذي ارتكب المخالفة، لكنه قال صراحةً إنه مرشح عن مقعد الفئة (ب) لمجلس محافظة حلب، لتمثيل الأهالي في مدينة إعزاز.
وتساءل الباشا موجهاً كلامه لأهالي اعزاز، "كيف ستضعون ثقتكم بمن يستخدم أطفالكم لتوزيع قائمة تضم اسمه، هو من الآن يستخدم الأطفال فما بالكم أن تربع عن مقعد الفئة (ب)". متجاهلاً أن الأهالي في اعزاز لن يشاركوا في الانتخابات من أساسها لأنهم في منطقة خارجة عن سيطرة النظام.
الباشا يحذر: سترون العجاب من مافيا المحروقات والتعفيش
قبل كشفه لهذه الحادثة بأيام، كان الباشا قد نشر في 14 من أيلول الجاري، بعض المخالفات الأخرى التي يرتكبها مرشحو الإدارة المحلية، بما في ذلك تعليق صورهم في أماكن عامة تسببت بحوادث مرورية، مثل صورة أحد المرشحين عند دوار جامع الغزالي في حلب، التي تحجب الرؤية أمام السائقين، ما تسبب بوقوع حادثين أمام الصحفي على أقل تقدير.
بعدها بيوم واحد، خرج الباشا في بث مباشر عبر "فيس بوك"، وأعلن انسحابه من الانتخابات بزعم أن "الكرسي" سيؤثر في "استقلاليته" الصحفية (علماً أن سوريا في المرتبة 171 ضمن مؤشر "مراسلون بلا حدود" لحرية الصحافة)، وبعد أقل من 24 ساعة، نشر الباشا محذراً من وصول ما سماها بـ"مافيا المحروقات والتعفيش" إلى مقاعد الإدارة المحلية في حلب.
ونبّه الباشا، "هؤلاء فضلوا ترك أطفالكم يعيشون مرارة برد الشتاء لجمع المال (..)، هذه العصبة إن وصلت فسترون العجاب أكثر مما ترونه اليوم".
تهديد ووعيد في ساحة سعد الله الجابري
الباشا الذي سبق وأن نفى في إعلان انسحابه وتعرضه لأي ضغوطات، ادعى في 17 من أيلول الجاري، أنه تعرض لتهجم في ساحة سعد الله الجابري من قبل أحد المرشحين لمجلس مدينة حلب، قائلاً "توعدني بلهجة تهديد ووعيد بعد انتهاء الانتخابات".
وتساءل الباشا، "إن كان أحد المرشحين إلى مجلس مدينة حلب يتوعدنا ويهدد قبل أن يصل إلى المجلس ما بالكم إن وصل".
استغل الباشا حادثة التهجم، ليؤكد على ثقته بالقضاء التابع للنظام السوري، داعياً الأهالي للمشاركة في الانتخابات أكثر من أجل إفشال مساعي المافيا التي جمعت أموالها من المحروقات والتعفيش، بحسب تعبيره.
صباح أمس السبت، انتشر خبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي يتحدث عن العثور على جثة رضا الباشا مرمية في إحدى طرق "نبل – الزهراء"، بعد اعتقاله من قبل دورية مجهولة، خرج الباشا ونفى صحة الخبر.
اللامركزية.. القرار الأخير للمافيا
في الوقت الذي كانت تنتشر فيه شائعة مقتل الباشا، صباح 18 من أيلول الجاري، كان مسؤولو النظام، بمن فيهم رئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس، يدلون بأصواتهم في مراكز الاقتراع، ويروجون عبر وسائل الإعلام لفكرة توجه الحكومة إلى تطبيق مبدأ اللامركزية في الإدارة.
مساءً تحدث الباشا عن الموضوع، وكرر الإشارة إلى مافيا المحروقات والتعفيش، محذراً من أن فوز مرشحي المافيا في ظل إدارة لا مركزية، يعني أنهم سيصيرون حكام القرار، بحسب تعبيره.
لا يذكر الباشا صراحة أسماء المرشحين الذين يحاربهم، ويدعي أنهم شخصيات معروفة من الجميع وصورهم واضحة، ورغم زعمه أن هؤلاء المرشحين مستقلين، عثر موقع تلفزيون سوريا على تصريح له في حوار مع موقع "سناك سوري" المقرب من النظام، يقول إنه "كان يتمنى تشكيل قائمة على مستوى محافظة حلب لمواجهة قائمة البعث".
مافيا المحروقات.. بعثيون أم قاطرجيون؟
وسواء أكان المرشحون الذين يقصدهم الباشا مستقلين أم بعثيين، فإن اسم "مافيا المحروقات" غالباً ما يطلق بين الناس على جماعة حسام القاطرجي، وفق ما ورد لموقع تلفزيون سوريا من مصادر داخل حلب.
والقاطرجي رجل أعمال حلبي وعضو في مجلس الشعب مقرب من النظام السوري، وزعيم ميليشيا كبيرة أدارت صفقات النفط بين نظام الأسد وكل من تنظيم "داعش" و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).
وبعد سنوات من الحظوة لدى الأسد، التي مكنته من الاستحواذ على كم هائل من الاستثمارات في القطاعين الخاص والعام، أفادت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا (في خبر منشور سابقاً)، أن النظام اعتقل ما لا يقل عن 27 سائقاً لصهاريج نفط تابعة للقاطرجي في شهر آب الماضي وحده، على حواجز صفيان غرب الرقة وإثريّا شرق حماة، ما يشير إلى نزع الحماية عن الرجل المقرب من الأسد.
في حين يروج النظام للانتخابات "المستقلة" و"الديمقراطية" التي تضع المسؤولية بيد الشعب عبر مجالس الإدارة المحلية، فإن تتبع الخلافات بين بعض المرشحين وصحفي موالٍ عبر وسائل التواصل الاجتماعي تقود دوماً إلى جهات أو شخصيات مقربة من نظام الأسد، تدير البلاد بأسلوب رجال المافيا.