ينتظر الأهالي في مارع شمالي حلب انطلاق حملة أمنية جديدة تستهدف ما تبقّى من تجّار ومروّجين للمواد المخدّرة، أولئك الذين لم تنجح القوة الأمنية (قوة مشتركة تضم مقاتلين من الفصائل ومن الشرطة العسكرية التابعة للجيش الوطني السوري) باعتقالهم، خلال عمليات الدهم في الحملة الأولى أواخر شهر تموز الفائت.
ومن المفترض أن تتوسّع الحملة في مراحل لاحقة لتطول متعاطين يشكّلون خطراً على عائلاتهم والمجتمع المحلي في مارع وعموم المنطقة، هذا على الأقل ما يؤكّده قادة عسكريون محليون، ويتم تداوله في الأوساط الشعبية التي بدت راضية جداً عن نتائج الحملة الأولى وتطالب بمزيد من الجولات حتى تطهير المدينة بالكامل من التجار والمروجين، والمتعاطين أيضاً.
قالت مصادر عسكرية متطابقة لـ موقع تلفزيون سوريا إنّ "ما يزيد على 80 شخصاً كانوا على قائمة المطلوبين للاعتقال خلال الحملة الأولى بتهم الاتجار والترويج للمخدرات، بعضهم متعاطون وموزّعون صغار للمواد، ويتعاملون عادة مع تجار وموزعين معروفين في المدينة".
وأضافت "نجحت القوة الأمنية في الجولة الأولى باعتقال 28 شخصاً، وقتل شخص واحد (يوسف المجدو النجار)، فيما أُفلت أكثر من 50 آخرين من قبضة القوة الأمنية، بعضهم قاوم الحملة ونجح بالهرب، وآخرون كانوا خارج المدينة، وهذا ما أثار تساؤلات عن مدى سرية العمل الأمني وتسريب معلومات الحملة".
وأوضحت المصادر أن "تأخّر انطلاق الجولة الثانية من الحملة الأمنية يرجع إلى محاولات إقناع باقي المطلوبين الهاربين في تسليم أنفسهم بكل سلاسة للشرطة العسكرية منعاً لإراقة الدماء، وذلك بمساعدة وجهاء وقادة عسكريين من أبناء المدينة، وقد نجحت المساعي بالفعل، ولو بشكل نسبي في إقناع عدد من المطلوبين بتسليم أنفسهم، ويزيد عدد من سلم نفسه على 10 أشخاص حتى الآن، ومن المتوقع أن يزيد العدد خلال الأيام القليلة المقبلة".
وبطبيعة الحال، لا يرجع توافد المطلوبين في تسليم أنفسهم للشرطة العسكرية إلى نجاح وساطة الوجهاء وبعض القادة العسكريين وحسب، بل بسبب جدية الحملة، واعتقالها بالقوة للمطلوبين مهما كانت مقاومتهم شرسة، حتى لو تطلب الأمر الاشتباك لساعات معهم ولو أدى ذلك إلى مقتلهم، وهذا ما حصل بالفعل في الحملة الأولى التي بدأت بعد منتصف الليل مباشرة، وهو ما أخاف الكثير من المطلوبين بالفعل، ودفعهم للقبول بالوساطات، فالاعتقال والسجن أقل ضرراً من الاشتباك المباشر مع القوة الأمنية التي تريد المطلوب حياً أو ميتاً.
اقرأ أيضاً.. مقتل تاجر مخدرات واعتقال آخرين بحملة أمنية في مدينة مارع |فيديو
لماذا كانت الحملة في مارع أكثر تنظيماً، ولماذا كانت النتائج جيدة إلى حد ما، وربما ستكون مرضية جداً فيما لو استكملت المراحل اللاحقة من الحملة، ولماذا مارع دون غيرها من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة شمالي سوريا، والتي تعج بشبكات الاتجار والترويج للمخدرات؟
يمكن تلخيص نجاح الحملة في عدة بنود، أهمها:
- اتفاق الفصائل المحلية في مارع على دعم الحملة، ومحاولة إنجاحها، واشتراكها بشكل مباشر في عمليات الدهم، أبرز التشكيلات (الجبهة الشامية وفرقة المعتصم).
- الحملة مطلب شعبي في مارع، وهناك اتفاق ضمني على أن تطول كل المطلوبين من تجار ومروجين للمخدرات، مهما كانت صلات القرابة العائلية مع قادة التشكيلات العسكرية، أو الوجهاء.
- تعاون الأهالي مع الحملة والالتزام بقرار إغلاق الطرق، وحظر التجوال الذي استمر حتى العاشرة صباحاً، أي على مدى 10 ساعات تقريباً، المدة التي استغرقتها عمليات الدهم في المرحلة الأولى.
- العمليات الأمنية الجادة والزج بأعداد كبيرة من المقاتلين، وعتاد حربي كاف لتنفيذ عدة عمليات دهم في وقت واحد، ولتحقيق الغلبة على المجموعات والأشخاص المتحصنين الذين أبدوا مقاومة، وهذا قلل أيضاً من الخسائر في صفوف القوة الأمنية.
- لدى المسؤولين عن الحملة معلومات مفصلة عن المطلوبين، وبعض المعلومات تم الحصول عليها من معتقلين سابقين، وتجار كانوا يحتفظون بمعلومات عن شبكات الموزعين التي تعمل لصالحهم.
شكّلت مارع في الفترة ما بعد طرد تنظيم الدولة (داعش) في منطقة عملية "درع الفرات" بريف حلب ملاذاً آمناً لشبكات الاتجار بالمخدرات، تحديداً في الفترة ما بعد العام 2018، وظهرت شخصيات محلية نشطت في هذا المجال، وبات لبعضها شهرة واسعة على صعيد الاتجار والترويج لهذه المواد، واستفاد معظمهم من علاقاتهم المباشرة وغير المباشرة مع قادة عسكريين ووجهاء أمّنوا لبعضهم الحماية، وآخرون استفادوا من سطوة عائلاتهم ومن الحصانة التي تمتعت بها مارع التي ينتسب الآلاف من أبنائها إلى صفوف الفصائل وقوات الشرطة، والتي كان يصعب على أي جهة أمنية من خارجها دخولها.
وخلال العامين 2021 و2022، زادت أعداد المتعاطين للمخدرات في مارع، بالأخص بين فئة الشباب، وذلك بسبب توسع نشاط شبكات الاتجار والتوزيع للمواد المخدرة، وبدأت الآثار السلبية تظهر في عدة جوانب اجتماعية، وهو ما أثار سخط الأهالي بالفعل، والذي كان مقدمة لتأييد الحملة والمطالبة بالمزيد من الحملات والإجراءات الأمنية الرادعة التي من المفترض أن تحد من هذه الظاهرة، وفي حال لم تستكمل عمليات الاعتقال بحق باقي المطلوبين في القائمة، والمراحل اللاحقة التي من المفترض أن تستهدف المتعاطين، فلن يكون للحملة الأثر الكبير الذي يرجوه الأهالي.
"مآخذ على الحملة"
ويطالب أهالي مارع في حال انطلقت حملات جديدة أن تتخذ القوة الأمنية المزيد من الإجراءات من أجل سلامة المدنيين، وعدم تكرار الأخطاء التي وقعوا بها خلال الحملة الأولى، فقد تكرّر تنفيذ عمليات دهم على منازل وشقق لا علاقة لساكنيها بالمطلوبين، وتعرّض بعض المشتبه بهم للاعتداء والضرب قبل أن يتبيّن للقوة الأمنية أنهم ليسوا الأشخاص المطلوبين، كذلك كان هناك استخدام مبالغ فيه للأسلحة الرشاشة الثقيلة خلال عمليات الاشتباك والدهم، فأصوات الانفجارات والرصاص كانت مرعبة.
ويؤخذ على الحملة التي قادتها الشرطة العسكرية عدم تنسيقها مع باقي المؤسسات، إذ إن الحملة الأولى في مارع تزامنت مع اليوم الأخير من امتحانات الشهادة الثانوية (البكالوريا)، ولم يتمكّن الطلاب من دخول قاعات الامتحان حتى الساعة الثامنة صباحاً، عندما أمر قائد الشرطة العسكرية العميد خالد الأسعد بالسماح بمرور الطلاب من الحواجز التي كانت تقطع الطرق.