أدلى الشاهد السوري المعروف باسم "حفار القبور" بشهادته أمام أعضاء من الكونغرس الأميركي حول المجازر التي ارتكبها نظام الأسد بحق المعتقلين المدنيين في سجونه.
وخلال جلسة استماع أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي حول السياسة الأميركية تجاه سوريا، تحدث "حفار القبور" عن المقابر الجماعية التي كان شاهداً عليها في سوريا من عام 2011 إلى 2018، والتي تتقاطع مع ما أدلى به الشاهد "قيصر" وصور الضحايا الشهيرة التي تقدّم بها إلى الكونغرس، والتي أقرّت الولايات المتحدة بموجبها قانون عقوبات "قيصر" ضد نظام الأسد عام 2019.
وكان "حفار القبور" شاهداً على جرائم الحرب والفظائع التي ارتكبها نظام الأسد وإيران وروسيا، بحق رجال ونساء وأطفال وشيوخ تعرضوا للتعذيب والإعدام بالغازات والقصف، ورميهم بقسوة في الخنادق، ويقول إن سبب شهادته اليوم هو إخبار العالم بأنهم يحفرون مقابر جماعية الآن لدفن مزيد من ضحايا الأسد وإيران وروسيا.
وذكر الشاهد أنه شخص مدني، وكان قبل الحرب موظفاً إدارياً في بلدية دمشق، ووظيفته أن يشرف على عمليات دفن المدنيين، لكنه في عام 2011 أجبرته مخابرات النظام السوري على العمل معها، للتخلص من الجثث التي تأتي من المشافي بعد نقلها من المعتقلات.
"حفار القبور" يسرد شهادته حول مجازر الأسد بحق المدنيين
كانت ثلاث شاحنات مقطورة تصل مرتين في الأسبوع محملة بما يتراوح بين 300 و 600 جثة لضحايا التعذيب والقصف والذبح. بالإضافة إلى أربع شاحنات صغيرة تصل مرتين في الأسبوع تحمل 30 إلى 40 جثة لمدنيين أعدموا في سجن صيدنايا التابع للنظام، وكان يتم التخلص منهم بأبشع الطرق غير الإنسانية.
أعرف بالضبط المكان الذي تم تكديسهم فيه، في مقابر جماعية ما تزال قيد الحفر حتى اليوم، بحسب تأكيد آخرين ممن عملوا معي سابقاً في المقابر الجماعية وهربوا مؤخراً، لم يعدم مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء فحسب، بل الرجال والنساء والأطفال والشيوخ، تم تجويعهم وتعذيبهم، واغتصابهم وحرقهم وقتلهم بأكثر الطرق سادية التي يمكن للمرء أن يتخيلها.
وكان من بين القتلى أميركيون، بمن فيهم صحفيون وعاملون في المجال الإنساني، لن أنسى أبدا كيف سخرت قوات الأسد وضحكت من أنها عذبت وقتلت ودفنت أميركيين وأوروبيين أيضاً.
دعس جثة تتحرك
عشت مع الموت لمدة 7 سنوات، مع ضباط استخبارات بلا روح، وشهدت أهوالاً لم تغادر ذهني أبداً. في أحد الأيام، ألقت إحدى الشاحنات المقطورات محتوياتها المكونة من عدة مئات من الجثث الميتة في الخندق الذي أمامنا، وبشكل غير متوقع، رأينا جثة تتحرك، كان هناك رجل على وشك الموت يستخدم بشكل يائس آخر احتياطي من طاقته ليشير إلينا أنه بطريقة ما لا يزال على قيد الحياة.
قال العمال المدنيون وهم يبكون: علينا أن نتصرف، لكن ضابط المخابرات الذي يشرف علينا أمر سائق الجرافة بدعسه، لا يمكن للسائق أن يتردد وإلا سيكون هو التالي، فاضطر لدعس الرجل في الخندق وقتله، أما الشاب الذي تجرأ وبكى على الضحية فلم نشاهده مرة أخرى.
قتل 15 مدنيا خلال حفلة أكل
ذات مرة، كان عليّ أن أزور مزرعة ضابط مخابرات، وعندما وصلت كان هناك قرابة 10 منهم يأكلون ويشربون، وأمامهم 15 شاباً مكبلي الأيدي ومعصوبي الأعين وعراة على الأرض، أحد ضباط المخابرات أمر جنديا آخر بفك قيود المدنيين والسماح لهم بالرحيل.
وبعد أن أزيلت العصابات عن الأعين وفكت الأصفاد، وكانت عيون الشباب ممتلئة بالارتباك والخوف، سألهم ضابط مخابرات عما ينتظرهم، وأمرهم أن يهربوا، وعندما هموا بالهرب انتزع ضابط آخر بندقيته وقتلهم واحداً تلو الآخر، وعندما انتهى، واصل الضباط أكلهم واحتفالهم وكأن شيئاً لم يكن.
فتاة صغيرة اغتصبوها وعذبوها حتى الموت
لقد دفنت كثيرا من الأطفال الذين تعرضوا للتعذيب حتى الموت، وأتذكرهم جميعاً، ودفنت أماً ما تزال تحمل رضيعها على صدرها حيث ألقيت جثثهم الهامدة في الخندق.
ذات يوم كنت في مستشفى "تشرين" العسكري بدمشق حيث تعالج الجثث قبل إرسالها إلى المقابر الجماعية، وكانت هناك جثة لفتاة صغيرة عمرها 6 أو 7 سنوات فقط، بدا على جسدها الصغير علامات التعذيب الرهيب. أخذني الطبيب في المستشفى جانباً وأخبرني أنه أمر بالكتابة أنها ماتت بسبب سكتة قلبية. لكنها في الواقع ماتت حيث كانت تتعرض للاغتصاب المستمر والمروع من قبل 11 ضابطاً في مخابرات نظام الأسد.
يقول الشاهد لأعضاء الكونغرس الأميركي: بعد كل هذه السنوات لم يتغير شيء في سوريا، نظام الأسد ليس أقل وحشية، والشعب السوري ليس أقل خطورة، كم مرة يحتاج شاهد على جرائم الحرب أن يجلس أمامكم ويصف فظائع نظام الأسد؟
ويضيف: آمل أنه من خلال مشاركة قصتي، قد تثير شيئاً بداخلكم، وربما تجدد الأمل في مستقبل سوريا، وفي كل مرة أحكي فيها قصتي فإن ذلك يؤثر عليّ لكن كل ما لدي هو صوتي، وسوف أبقى أتحدث حتى الرمق الأخير.