يُعقد يوم الجمعة مؤتمر "المسار الديمقراطي السوري" في مدينة بروكسل، والذي يستمر لمدة يومين ويشارك فيه نحو ثلاثين من القوى السورية المعارضة، بما في ذلك "مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد) ويهدف المؤتمر إلى "تعزيز دور الديمقراطيين في المسار السياسي السوري ومناقشة قضايا الهوية الوطنية والمبادئ الدستورية ومستقبل البلاد" بحسب ما يقول المنظمون.
وناقش مجموعة من الكتاب والمحللين السياسيين هذا المؤتمر المرتقب في حلقة "ما تبقى" التي بثها تلفزيون سوريا، ورغم أن البعض يرى في هذه اللقاءات فرصة للتفاؤل، إلا أن هناك من يشكك في نوايا المؤتمر، خاصة مع مشاركة "مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد) و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد). وتساءل البعض إن كان هذا المؤتمر محاولة لإضفاء شرعية على هذه القوى أو تمهيدًا لتقسيم سوريا. الحلقة جاءت مليئة بالتساؤلات والآراء المتباينة حول هذا الحدث السياسي المثير للجدل.
المؤتمر توحيد القوى الديمقراطية وسط شكوك حول دور "مسد" و"قسد"
استهل الكاتب والسياسي موفق نيربيه حديثه من برلين بتسليط الضوء على أهمية المؤتمر كمنصة لإعادة توحيد القوى الديمقراطية السورية وتنظيمها بعد سنوات من الفشل في هذا المجال. وأكد نيربيه أن "مجلس سوريا الديمقراطية" يشكل جزءًا من المشاركين، لكنه شدد على أن المؤتمر يضم عشرات القوى والشخصيات الأخرى من داخل سوريا وخارجها، وليس صحيحًا أن "مسد" هي الجهة المهيمنة. وقال نيربيه: "المؤتمر محاولة لتوحيد القوى الديمقراطية بعد الفشل المتكرر في تحقيق هذا الهدف. المسار الديمقراطي في سوريا يحتاج إلى تنظيم، وهذا ما نحاول تحقيقه من خلال هذا المؤتمر."
كما أضاف: "هناك حديث عن أن مسد هي القوة الأكبر، لكن الحقيقة أن مسد ليست الكتلة الأكبر. المؤتمر يضم قوى متعددة، بعضها أكبر من مسد، لكن الهدف الأساسي هو إحياء الوعي الديمقراطي السوري ومنحه المساحة التي يستحقها."
ورغم دفاعه عن دور المؤتمر، اعترف نيربيه بأن القوى الديمقراطية تواجه تحديات كبيرة في تحقيق الأهداف المرجوة. وقال: "نعمل على هذا المؤتمر منذ ثلاث سنوات، والمهم الآن هو محاولة إيجاد حلول واقعية تساعد في إعادة تشكيل القوى الديمقراطية السورية التي ظلت مشتتة طوال فترة الصراع."
يؤكد حراك السويداء دعمه للحوار الوطني مع الحفاظ على وحدة سوريا
بدوره، شارك الكاتب والباحث الأكاديمي جمال الشوفي من السويداء، موضحًا أن حراك السويداء استجاب لدعوة المؤتمر بناءً على توافق مع المبادئ الديمقراطية التي يدافع عنها الحراك. وأكد أن الدعوة جاءت لتوفير فرصة لحوار سوري سوري يهدف إلى تحقيق وحدة وطنية. وأشار الشوفي إلى أن "حراك السويداء" يركز على التغيير السياسي وفق القرارات الدولية، خصوصًا القرار 2254، الذي يضع أسسًا لانتقال سياسي في سوريا.
وقال الشوفي: "نحن في السويداء لسنا جزءًا من أي مشروع تقسيمي، بل ندعم دولة موحدة تقوم على دستور عصري يضمن حقوق جميع السوريين. مشاركتنا في مؤتمر بروكسل جاءت لتأكيد هذا الموقف، ونسعى دائمًا لدعم أي خطوة نحو حوار وطني شامل."
وأضاف: "حراك السويداء طرح رؤيته السياسية منذ أكثر من شهر، وأكدنا فيها أننا نسعى لتغيير سياسي مستند إلى القرار 2254، مع الحفاظ على وحدة الأراضي السورية والتخلص من الاستبداد الذي يعاني منه السوريون منذ سنوات."
كما أشار الشوفي إلى أن مشاركة السويداء في المؤتمر لا تعني تأييد أي طرف بعينه، بل هي محاولة للمساهمة في حوار وطني يهدف إلى حل جذري للأزمة السورية. وأضاف: "نحن في السويداء لن نقبل إلا بمشروع وطني سوري حقيقي، والحلول المؤقتة أو المشاريع الإقليمية ليست ضمن أولوياتنا."
مخاوف من "أجندات خفية"
من جانبه، طرح الكاتب السوري إبراهيم الجبين من شمال الراين في ألمانيا، نقدًا حادًا تجاه المؤتمر، معربًا عن شكوكه في نوايا بعض الأطراف المشاركة، خاصة "مسد" و"قسد". وقال الجبين إن الوثائق التي تم توزيعها على المشاركين تشير إلى محاولة لتطبيع العلاقات مع النظام السوري، تحت غطاء وقف إطلاق النار ومحاربة الإرهاب.
وأضاف الجبين: "ما نراه في الوثائق المقدمة هو محاولة واضحة لتطبيع العلاقات مع النظام. الحديث عن وقف إطلاق النار مع الجميع، بما فيهم النظام، يعكس تواطؤًا ضمنيًا مع النظام السوري. نحن نعلم أن هذه الأطراف تتعاون مع النظام في النفط والأمن والسياسة، وبالتالي فإن هذه اللقاءات قد تكون مجرد وسيلة لإضفاء شرعية على هذا التعاون."
كما أشار الجبين إلى أن "مجلس سوريا الديمقراطية" يسعى إلى تعزيز موقعه السياسي من خلال هذا المؤتمر، وقال: "الورقة التي قدمت في المؤتمر تهدف إلى رفع تمثيل مسد في مستقبل سوريا، وتروّج لفكرة إدماجهم في العملية السياسية. هذا ترويج واضح لمشروع سياسي يخدم مصالح مسد، وليس مصلحة الشعب السوري."
وأكد الجبين في حديثه أن هذه القوى لا تمثل مصالح السوريين، مشيرًا إلى انتهاكاتها المتكررة لحقوق الإنسان، وقال: "قسد ومسد ليستا سوى أدوات تعمل على استغلال موارد سوريا لصالحها، وهناك تقارير متعددة تشير إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ترتكبها هذه الأطراف."
وتابع الجبين: "التساؤل هنا، لماذا تواصل بعض الأطراف السياسية السورية التعامل مع هذه القوى وكأنها تمثل حلاً لمستقبل سوريا؟ نحن بحاجة إلى حل وطني حقيقي يعيد للسوريين حقوقهم، وليس إلى حلول تعتمد على توازنات إقليمية وتحالفات مشبوهة."
الأمل في وحدة سوريا والخوف من التقسيم
مع استمرار النقاش حول أهداف المؤتمر، أكد موفق نيربيه أن المؤتمر يمثل فرصة حقيقية لإيجاد حلول سياسية للأزمة السورية من خلال الحوار الوطني. وقال: "نحن نعمل على بناء سوريا موحدة، والمشاركة في هذا المؤتمر تأتي في إطار محاولات إيجاد مسارات جديدة نحو الحل السياسي بعيدًا عن الانقسامات والتأثيرات الخارجية."
وأضاف نيربيه: "نحن لا نهدف إلى تقسيم سوريا، بل نعمل من أجل توحيد القوى الديمقراطية وإعادة بناء الدولة السورية على أسس ديمقراطية."
في المقابل، عبّر جمال الشوفي عن دعمه لأي خطوة تساهم في تعزيز الحوار الوطني، لكنه شدد على أن التغيير الحقيقي لن يتحقق إلا من خلال توافق وطني واسع. وقال: "نحن في السويداء ندعم أي خطوة تقرب السوريين من بعضهم، لكن يجب أن تكون هذه الخطوات مبنية على أسس وطنية تضمن حقوق الجميع، وتضمن وحدة الأراضي السورية."
استغلال المؤتمر لتعزيز "مسد" و"قسد"
واختتم إبراهيم الجبين مداخلته بتحذير من استغلال المؤتمر كأداة لتعزيز نفوذ "مسد" و"قسد". وقال: "المؤتمر قد يكون محاولة لإعطاء هذه الأطراف شرعية سياسية، وهذا خطر كبير. نحن بحاجة إلى حلول تعود بالنفع على السوريين، وليس إلى مشاريع تستند إلى مصالح خارجية وتحالفات مع النظام."
وأكد الجبين أن سوريا لن تستعيد عافيتها إلا من خلال حوار وطني حقيقي يركز على حقوق السوريين، وليس على مصالح القوى الخارجية. وقال: "الحل يجب أن يكون سوريًا بالكامل، وإلا فإننا سنظل ندور في حلقة مفرغة من الشعارات والوعود الزائفة."
في النهاية دعا موفق نيربيه إلى إعطاء المؤتمر فرصة لتحقيق التغيير السياسي، فيما عبر جمال الشوفي عن دعمه لأي خطوة نحو الحوار بشرط أن تضمن وحدة سوريا. في المقابل، حذر إبراهيم الجبين من استغلال المؤتمر لتعزيز قوى لا تمثل تطلعات الشعب السوري، مؤكداً أن الحل الوحيد هو الحوار الوطني الذي يضمن حقوق السوريين بعيدًا عن أي تدخلات خارجية.