في تحرك غير معلن بدأ القنصل الإيراني في حلب مهامه بزيارة أحد شيوخ العشائر المقربين من الميليشيات الإيرانية في ريف حلب الجنوبي وذلك في 25 حزيران، وهو التحرك الأول من نوعه بعد الإعلان الرسمي عن افتتاح القنصلية الإيرانية في حلب منتصف شهر أيار الماضي، وخلال هذه الفترة لم يصدر عن القنصلية أي تصريح، ولم يتم رصد أي تحرك للقنصل وفريق العاملين معه.
تركان الوجهة الأولى للقنصل الإيراني
وصل القنصل الإيراني في حلب على رأس وفد من العاملين في القنصلية إلى قرية تركان في ريف حلب الجنوبي يوم 25 حزيران، وكان في استقبالهم مختار القرية وشيخ مشايخ قبيلة البكارة كما يحب أن يدعى، الشيخ سامي الجاسم الحمادين، وعدد من قادة ميليشيا "لواء الباقر" المدعومة من إيران، ووجهاء وشخصيات عشائرية محلية من القرى والبلدات المحيطة بقرية تركان التابعة لإدارة منطقة السفيرة جنوبي حلب، من أهمها قرى عسان وحدادين وتل شغيب وتل عابور والذهبية والوضيحي وغيرها.
مصادر عشائرية متطابقة جنوبي حلب قالت لموقع تلفزيون سوريا: إن"وفد القنصلية أنهى زيارته لقرية تركان منتصف النهار وتابع مسيره نحو أكبر قواعد الحرس الثوري الإيراني في المنطقة والتي تتمركز في جبل عزان، وتجول الوفد على مقار ومعسكرات ونقاط تمركز الميليشيات المدعومة من إيران في خان طومان وزيتان والوضيحي وعبطين والحاضر وتل ممو، والتقى القنصل والوفد المرافق بقادة الميليشيات من (حزب الله ولواء الباقر وفيلق المدافعين عن حلب وفاطميون)".
الباحث في مركز نما للأبحاث المعاصرة محمد بقاعي يرى أن "التحرك الأول للقنصل الإيراني في حلب نحو العشائر المتحالفة مع إيران بشكل أو بآخر يعكس الرغبة الإيرانية بالتمسك بتحالفاتها المحلية مع القوى العشائرية النافذة في المنطقة والتي بدأت تتشكل في العام الثاني من انطلاق الثورة السورية، والزيارة تهدف على ما يبدو إلى تجديد تلك التحالفات والبناء عليها عبر واجهات مدنية مستحدثة بدلاً من الواجهات العسكرية التقليدية التي كانت تدير مجموعة العلاقات، وفي الغالب كانت بإدارة مباشرة من قيادة الحرس الثوري".
وأضاف بقاعي لموقع تلفزيون سوريا أن "زيارة واحد من أهم شيوخ قبيلة البكارة في حلب والذي دعم ميليشيا لواء الباقر منذ تأسيسها وأمده بالأعداد لها دلالات عديدة، من أهمها محاولة إيران الاستفادة من تحالفها مع قسم كبيرة من أبناء قبيلة البكارة في الشمال السوري لتوسيع القاعدة العشائرية الموالية لها والذي يضمن لها التغلغل طويل الأمد وسط المجتمعات المحلية والعشائرية ويضمن استمرار وتوسع مصالحها التي ستكون أكثر تنوعاً خلال الفترة المقبلة، كما يضمن التوسع المفترض الاستثمار لاحقاً في الوسط العشائري الموالي لإيران في أي مواجهة محتملة مع الأميركيين شمال شرقي الفرات".
آل حمادين في تركان
تبعد قرية تركان عن مدينة حلب جهة الجنوب الشرقي مسافة 5 كيلو مترات تقريباً، وتتبع القرية قليلة السكان والكتلة العمرانية لمركز منطقة السفيرة، ويشكل البكارة من آل حمادين معظم سكان القرية التي يقاتل أكثر من 90 في المئة من رجالها وشبانها في صفوف ميليشيا "لواء الباقر"، وذلك منذ تأسيس المليشيا أواخر العام 2012 بدعم من الحرس الثوري الإيراني.
بقيت تركان خارج سيطرة المعارضة برغم تطويقها من قبل فصائل المعارضة من عدة جهات عبر السيطرة على قرى في ريف السفيرة وطوق حلب جهة الجنوب، وهو ما دعا شيخ تركان ومختارها سامي الحمادين للتفاخر غير مرة بصمود قريته أمام الوفود الزائرة، من أهمها زيارات مسؤولين في مجلس الشعب التابع للنظام، ومسؤولين في محافظة حلب وقادة في القوات الروسية وقادة من الميليشيات الإيرانية، وراح أبناء الشيخ ومقربون من ميليشيا الباقر يطلقون على القرية لقب "عاصمة البكارة" في حلب.
كانت قرية تركان ملاذاّ آمناً لقسم من مجموعات "الشبيحة" التابعة للنظام والتي طردت من الأحياء الشرقية بحلب في أثناء سيطرة المعارضة عليها منتصف العام 2012، وتحصنت في تركان مجموعات تتبع لخالد المرعي المنسحبة من حي المرجة وعدد من الأحياء الطرفية، المرعي اعتقل في أثناء المعارك بمحيط مخفر الصالحين في العام 2012 مع مجموعة من أقاربه، وقتل آخرون خلال المعركة، وتمكن المرعي من الفرار في العام ذاته ليؤسس لاحقاً ميليشيا "لواء الباقر" التي ضمت أعداداً كبيرة من أبناء قبيلته البكارة حاملاً معه لقبه الجديد "الحاج باقر" وحقده على فصائل "الجيش الحر" التي سيشترك في كل المعارك ضدها في حلب منذ تأسيسه وحتى بداية العام 2020 في أثناء تمدد النظام في طوق المدينة وريفها الغربي.
ترجع العلاقة بين "لواء الباقر" الذي يتخذ من حي البللورة في حلب معقلاً رئيسياً له وبكارة آل حمادين في تركان إلى صلة القرابة، فخالد المرعي زعيم ميليشيا الباقر يكون ابن أخت الشيخ سامي الحمادين شيخ ومختار البكارة في تركان، ويحضر الحمادين معظم المناسبات التي تقيمها الميليشيا، ويستقبل بشكل دوري ابن أخته زعيم الميليشيا الحاج باقر، وابن أخته الثاني عمر الحسن، والذي يشغل منصب المسؤول السياسي لميليشيا الباقر، وعضواً في مجلس الشعب ممثلاً عن الباقر والمقربين منها في حلب.
تكرر خلال السنوات الماضية إرسال العشرات من ميليشيا الباقر وأنصارها من آل حمادين في تركان للمشاركة في المناسبات الدينية الشيعية بالعراق، مثل "مشاية الأربعين" في النجف، وأحيت الميليشيا بشكل متكرر مناسبة عزاء "أبي عبد الله الحسين"، في جامع المشهد (النقطة) وفي عدد من مواقع تمركزها ونفوذها في الأحياء الشرقية، وزار "الحاج باقر" ومعه أولاد خاله في تركان المقامات الشيعية في العراق بداية العام 2019، واستضافته ميليشيا "الحشد الشعبي" في البصرة وكربلاء والنجف.
كرامات آل حمادين والباقر
يعتبر أنصار الميليشيات زعيمهم "الحاج الباقر" مخلصاً، وصاحب كرامات وذلك عندما يتحدثون عن بداية نشأة الميليشيا، وينقلون عن زعيمهم تفاصيل أحداث حدثت معه في السجن عندما كان معتقلاً لدى الفصائل المعارضة بحلب: "قال لي أحد قادتهم وأنا أسير لديهم، إن تركناك فسوف تكون قائداً وسيكون لديك جيش كبير وسوف تحاربنا"، ما يعني أن الزعامة كانت بادية على وجهه، وأعداؤه قبل أنصاره قد شهدوا له بوقوع الكرامات.
لا تختلف أدبيات النشأة التي يروج لها أنصار الباقر للميليشيا التي يوالونها عن أدبيات تولي آل حمادين في قرية تركان مشيخة (زعامة) القبيلة هناك، ففي سردية تكاد تشبه الأساطير، يقدم آل حمادين في تركان إجابة عن السؤال الآتي، كيف أصبح الشيخ حمادين علي حمود علاوي الفاضل العابد، وهو جد الشيخ الحالي سامي الحمادين، شيخا على البكارة في حلب؟
تقول سردية آل حمادين "في يوم أسود في تاريخ البكارة في حلب الذي كان تاريخ فاصلا قبله وبعده، هجم الغزاة على قرية تركان، واستطاع رجال البكارة الأشاوس الدفاع عن تركان بكل قوة مما اضطر الغزاة إلى الهروب نحو الجنوب فما كان من الرجال إلا أن يلحقوا بهم فيأمر الشيخ عزاز ابن أخيه حمادين بالرجوع مع بعض الرجال وعدم ترك تركان خالية وهو يقوم بمطاردة اللصوص ومعه قرابة ثمانية رجال وما إن وصلوا التلال البعيدة جنوباً حتى بدأت الأمطار تهطل عليهم وأخذت بنادقهم تسيطر عليها الرطوبة فما كان منهم إلا أن أشهروا سيوفهم أمام أكثر من عشرين من الغزاة الذين كانوا يتربصون بهم وجرت معركة قتل فيها كثير من الغزاة وقتل رجال البكارة بينهم الشيخ عزاز ولم يسلم إلا رجل واحد وهو عذاب الذي وصل إلى تركان وهو يصرخ، أيتها النساء اندبن فمن لم يقتل أخوها قتل أبوها ومن لم يقتل أبوها قتل زوجها".
وتابع "وهنا أخذ جدنا حمادين فرسه وأراد الذهاب فقام الرجال والنساء بمنعه خوفا من الغدر، وفي اليوم الثاني الذي لم يأت بسهولة حزم الرجال سلاحهم وانطلقوا نحو الجنوب ليروا قبور آبائهم وأعمامهم وإخوتهم، وهنا عادوا والصمت لا يبارح شفاههم والحرقة تأكل قلوبهم، فقام أحد الرجال وقال لم يبق شيخ فقد قتل شيخنا وكبيرنا الشيخ عزاز وكل رجل شيخ على عائلته فقام الفتى حمادين وقال بصوت عال من سيقاتل معي لنأخذ بثأر من قتلوا وانضم إليه فرسان من أهله ذوو نخوة وشرف، قالوها بصدق نحن معك أينما تريد فلا طيب ولا نساء حتى نأخذ بالثأر، الرجل بعشرة وهنا حزموا أمتعتهم وركبوا خيولهم يبحثون عن قطاع الطرق والغزاة فكانوا يصطادونهم كما يصطادون الحجل وفي كل معركة يقتلون الغزاة ويأتون بواحد منهم إلى تركان ويقطعون رأسه أمام أعين اليتامى والأرامل حتى باتت تحسب القبائل حسابهم، ومنذ ذلك الوقت حمل البكارة دلال قهوتهم ووضعوها أمام الشيخ حمادين وقالوا له أنت شيخنا وكبيرنا وهو بعمر الـ١٩ فما كان منه إلا أن قال أمام الناس أنا من كنت شيخه فعليه أن يستعد للموت فلا كرامة و لا رجولة لمن أراد أن يعيش كالنساء".
يقول آل حمادين في تركان "الشيخ الجد حمادين لم يكن شيخا على البكارة فحسب بل كانت كل العشائر تقصده لطلب حاجتهم وأيضاً كان له نفوذه زمن العثمانيين الذين صنعوا له ختم شيخ البكارة وكانوا لا يعترفون إلا به، وهذا هو حال حفيده الشيخ المختار سامي حج علي جاسم الحمادين فعله دل عليه"، تحكى سردية آل حمادين عادة للدلالة على مقاومة ما يسمونهم بالغزاة، ويلمحون إلى أن ما قام به الشيخ سامي الحمادين من دعم لميليشيا الباقر، وصمود قريته وموالاة إيران ما هو إلا استمرار لنهج جده حمادين، ويسقطون "أسطورة" نشأة الشيخة لآل حمادين قبل قرن ونصف تقريباً على ما عاشته القرية في أثناء تمدد المعارضة في محافظة حلب في العام 2012 وصمود القرية تركان أمام هذا التمدد بفضل رجالها "الشجعان" أبناء حمادين شيوخ قبيلة البكارة.