ارتفعت معدلات السرقة في حلب بالأشهر القليلة الماضية بالتزامن مع ضيق المعيشة الذي فرضه انهيار الليرة السورية ووصولها إلى مستويات قياسية، حيث قدمت عشرات الشكاوى لمخافر من قبل مواطنين تمت سرقة محالهم أو منازلهم من قبل مجهولين.
ولم تقتصر السرقات على نوع معين من الممتلكات إنما امتدت حتى لفساتين الزفاف والأحذية وما تحتويه السيارات عبر كسر زجاجها وسرقة ما فيها من مقتنيات، بل وصل الأمر إلى إطلاق منصات إخبارية موالية للنظام جملة من التحذيرات لسكان بعض المناطق كي لا يتركوا منازلهم فارغة خشية تعرضها للسرقة.
ويبدو أن قضية ازدياد السرقة جاء بالتزامن مع تدهور قيمة الليرة السورية التي تجاوز سعر صرفها الألف ليرة لكل دولار أميركي واحد وهذا ما زاد من سوء الظروف المعيشية بعد أن أصاب الغلاء جميع السلع والخدمات المتوفرة بالأسواق.
سرقات بالجملة
خلال رصد أبرز الأخبار المتداولة في مناطق النظام بحلب يتبين أن جرائم السرقة تكاد لا تغيب عن الأحداث اليومية، فمنذ أيام ضبط شاب بعد سرقته لمستودعات عن طريق خلع وكسر أبوابها في حي العزيزية بحلب.
ومن المضبوطات التي وجدت بحوزته أدوات كهربائية بالإضافة لألبسة نسائية وبعض الأحذية هذا بالإضافة لأدوات حادة استخدمها الشاب من أجل تسهيل عمليات السرقة.
وكان قد ناشد سكان في أحياء قريبة من الجبهات العسكرية غربي حلب مؤخراً الأجهزة الأمنية لدى النظام من أجل وقف عمليات السرقة التي ينفذها الشبيحة وعناصر الميليشيات بعد نزوح العديد من العائلات خوفاً على حياتهم.
ودعت منصات إخبارية موالية للنظام ومن بينها "شبكة أخبار حي الزهراء بحلب" السكان إلى عدم الخروج من منازلهم أو إبقاء شخص واحد على الأقل بها من أجل ألا تتعرض للسرقة والنهب من قبل الشبيحة وعصابات السرقة التي تنتظر مثل هذه الفرصة.
ونشرت منذ أيام وزارة الداخلية التابعة لنظام الأسد أخباراً تفيد بحصول عمليات سرقة لمحتويات سيارات مركونة في حي الجميلية بحلب، حيث تم ضبط أحد الشبان بالجرم المشهود وهو يحاول كسر زجاج سيارة ليلاً لسرقة محتوياتها.
وتبين بعد التحقيق مع الشاب أنهم عبارة عن عصابة مؤلفة من ثلاثة أشخاص بالإضافة إلى فتاة تعمل معهم وكانوا قد ارتكبوا العديد من السرقات بنفس الطريقة، ومن أبرز المقتنيات التي سرقوها هي كروت ذاكرة "فلاشة" وهواتف محمولة ومقتنيات أخرى.
ومن خلال متابعة أخبار الوزارة يتضح أن معظم الأخبار الواردة بالموقع هي لعمليات سرقة حصلت في عدة محافظات سورية بالآونة الأخيرة.
شهادات مدنيين
يكاد لا يمر يوم إلا وتحصل بعض السرقات في أحياء حلب في الوقت الذي يزيد فيه الناس من حرصهم على ممتلكاتهم سواء منازلهم أو محالهم ومكاتبهم التجارية، بينما يتحدث أشخاص منهم عن قلقهم إزاء ارتفاع معدل السرقات مؤخراً.
وتقول رؤى وهي طالبة جامعية تقطن في حي المرديان بحلب لموقع تلفزيون سوريا: "منذ قرابة أسبوع تعرضت صديقتي للتشليح وهي عائدة إلى المنزل، حيث سرقت حقيبتها من قبل شخصين كانا يقودان دراجة نارية لتفقد مبلغ 12 ألف ليرة سورية وهو بقية مصروفها الشخصي وهاتفها المحمول بالإضافة إلى مقتنيات أخرى".
وتكمل، "نحرص عندما نمشي في الشارع على أن نمسك بحقائبنا بشكل لا يتيح أي فرصة لاحتمال تعرضنا للسرقة، أما عن ازدياد حالات السرقة، بالفعل ارتفعت بالآونة الأخيرة وقصة صديقتي ليست الوحيدة".
وحول مدى علاقة ارتفاع معدل السرقة بانخفاض قيمة الليرة السورية وغلاء أسعار السلع والخدمات، تجيب رؤى: "هذا هو السبب الرئيسي أصلاً، فمبلغ يعادل 100 ألف ليرة سورية مثلاً يكاد لا يساوى حتى مصروف شهر بالنسبة لعائلة ذات مصروف متوسط وهذا مقابل قلة فرص العمل وضعف الرواتب والأجور".
من جانبه، يقول أحمد وهو شاب سوري بالعشرينيات من عمره ويقيم في حلب ومطلع على حوادث السرقات الأخيرة لتلفزيون سوريا: "المعيشة في حلب باتت سيئة للغاية وفرص العمل باتت بقصد توفير الطعام ومصاريف السكن وبالكاد تغطيها، أما حوادث السرقة فحدث ولا حرج".
ويتابع، أن ارتفاع حوادث السرقة ساعدها عدة ظروف من بينها انقطاع الكهرباء وحلول الظلام على أحياء في حلب ساعد في تخفي عصابات السرقة وتسهيل تحركاتهم ليلاً مع غياب الأمن بشكل واضح.
وكان موقع إخباري موالٍ للنظام قد نشر مؤخراً تقريراً معتمداً على شهادات صناعيين في الكلاسة الصناعية بحلب جاء فيه: "أن قلة أعمدة الإنارة بين المنشآت تتسبب بحدوث حالات سرقة ما أجبر الصناعيين على قطع السير بالشوارع الفرعية عبر حواجز إسمنتية وحصرها بشارع رئيسي واحد من أجل تفادي السرقات ليلاً".
قيمة الليرة والسرقات
يربط خبراء اقتصاديون ازدياد السرقات في عموم المحافظات السورية بتدهور الليرة السورية التي وصلت خلال الشهر الماضي إلى 1550 ليرة سورية مقابل الدولار الواحد وهذا ما أنذر بكارثة اقتصادية تعد الأولى من نوعها بتاريخ البلاد.
وحول ذلك يقول الخبير الاقتصادي حيان حبابة لتلفزيون سوريا: "هناك ثلاث طبقات من الشعب وهي الطبقة الغنية والمتوسطة والفقيرة أو معدومة الدخل، فالأولى قليلة جداً والمتوسطة تنحدر نحو الثالثة بازدياد، ومع انهيار الليرة باتت الطبقتان المتوسطة ومعدومة الدخل بالكاد تؤمن المواد الأولية والأساسية".
ويضيف، مع انهيار الليرة ازدادت أسعار المواد الأساسية كالخبز والرز والزيت وغيرها بالإضافة للخدمات مثل المياه والكهرباء، لذا باتت الطبقتان الفقيرة والمتوسطة من الصعب جداً تأمين هذه الأساسيات التي زادت قرابة 20 ضعفاً مقارنة بعامي 2011 و2012، لذا فمن الطبيعي أن تزداد وتيرة السرقات رغم أنها جريمة لكن البعض منهم اضطروا لارتكاب ذلك.
ويكمل، ازدياد نسبة البطالة وأيضاً التضخم الذي حصل بسبب انهيار الليرة السورية من الأسباب التي أدت إلى ازدياد هذه السرقات.
وحول سؤاله عن مدى احتمالية هجرة رؤوس الأموال إثر انعدام الأمن وازدياد السرقات يجيب "بالتأكيد ستهاجر رؤوس الأموال لأماكن يتوفر فيها بيئة أمنية مستقرة واحتمالية حصول ذلك واردة جداً سواء كان لديها أصول ثابتة كعقارات وآلات وإن كانت متداولة كمخزون.
ويبدو أن النظام مقبل على انكماش اقتصادي مع احتمال هجرة رؤوس الأموال إثر انعدام بيئة أمنية توفر لهم استقراراً في أعمالهم وأصولهم وتأثير ذلك على الميزان التجاري بشكل عام.