يتقاسم عدد من السوريين مع اللاجئين السودانيين الفارين من الحرب في بلادهم إلى مصر، تجربة اللجوء للمرة الثانية بعد عقد من الزمن كانت فيها المأساة السورية من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم.
وقالت المنظمة الدولية للهجرة إن عدد النازحين بسبب الحرب المشتعلة في السودان، منذ أكثر من شهر ولا تزال، تضاعف ليصل إلى 700 ألف شخص، في حين تشير التقارير إلى أن العاصمة الخرطوم تتحول إلى "مدينة أشباح" يفر منها السكان.
يتجرع السوريون في السودان مرة أخرى مرارة اللجوء، ضمن أفواج اللاجئين السودانيين التي وصلت إلى مصر عبر المنافذ الحدودية المشتركة، عن طريق الحصول على تأشيرات دخول بطرق شبه رسمية عبر المكاتب السياحية التي يديرها سوريون في مصر.
وصل إلى الأراضي المصرية ما يزيد على 40 ألف سوداني، بحسب تصريحات مسؤولين في الحكومة المصرية، بعد فتح مصر أبوابها أمام اللاجئين السودانيين منذ اندلاع المعارك في بلادهم.
في حين لم يتم الإعلان عن عدد السوريين القادمين إلى مصر من السودان، بسبب غياب الإحصائيات الرسمية وصعوبة الحصول عليها في الوقت الحالي.
تقدر أعداد السوريين في السودان بنحو 250 ألف سوري، بحسب آخر إحصائية لعام 2019، استخرج بعضهم وثائق رسمية وجوازات سفر سودانية محاولين الحصول على فرص أفضل للعيش، يقيمون فيها كعمال وأصحاب أعمال صغيرة، وطلاب، ومستثمرين.
ولكن الإحصائيات غير رسمية تشير إلى أن عدد السوريين في السودان يقدر بعشرات الآلاف قبل الحرب.
رصد موقع "تلفزيون سوريا" وصول عدد منهم إلى مصر، وأجرى مقابلات معهم تستطلع أوضاعهم وظروف مغادرتهم البلاد التي لجؤوا إليها.
الدخول إلى مصر
في منافذ عبور القادمين من السودان باتجاه مصر، يقدم الهلال الأحمر المصري للواصلين خدمات إنسانية وإغاثية، إضافة إلى الفحص الطبي من خلال عيادات متنقلة، ووجبات الطعام وتذاكر السفر بالقطار.
تضع السلطات المصرية شروطا لدخول السودانيين لمن هم في عمر ما بين الـ 16 و50، حيث يجب عليهم الحصول على تأشيرة دخول يتم تقديمها في السفارة المصرية، بينما يستطيع الأطفال والنساء وكبار السن والجرحى الدخول من دون أي تأشيرة أو مشكلات في الدخول.
كما وافقت وزارة الخارجية المصرية على طلب سفارة النظام السوري في القاهرة والخرطوم بدخول السوريين القادمين من الأراضي السودانية بشرط وجود قوائم معدة مسبقا تعدها السفارة في الخرطوم، على أن يتم منح الموافقة لدخول ممن وردت أسماؤهم ضمن القوائم وعلى مسؤوليتها.
حكايات الهروب من الموت
خالد الحمصي، سوري كان يقيم في الخرطوم من 2018، يقول لموقع "تلفزيون سوريا" عندما وصلت إلى السودان كان الدخول يسيرا ومن دون تأشيرة "فيزا"، عشت فيها سنوات وفتحت مطعماً وكانت أموري ميسورة والسودانيون استقبلونا بكل ترحيب.
يغادر خالد السودان اليوم التي فتحت له أبوابها مضطراً تحت صوت المدافع ورصاص الاشتباكات التي اندلعت منتصف نيسان/أبريل الماضي بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع".
ويضيف خالد، الحرب تذكرنا بالحرب وتكرار شعور الخوف وضياع كل شيء مرة أخرى أمر صعب، ولكن لم أجد بديلاً إلا أن أترك كل ما أسسته من عمل وحياة للنجاة.
ويروي اللاجئ السوري رحلة خروجه من السودان إلى مصر وما اعتراها من صعوبات ومخاطر.
يقول خالد، لم يكن الأمر سهلاً، تواصلت مع إحدى السيارات التي تنقل الناس إلى الحدود المصرية، كنا سوريين وسودانيين وكان الطريق مليئا بالمخاطر، وعند الوصول إلى منطقة قريبة من الحدود وضعونا في منزل مكون من غرفتين فقط، كنا مكدسين فوق بعضنا بعضا، بعد أن دفع كل شخص مبلغ 500 دولار أميركي للمهرب.
ويضيف خالد، الآن عليّ أن أبدأ من الصفر من دون عمل أو رأس مال، وكل ما فعلته أن استأجرت برفقة عدد من السوريين شقة صغيرة في منطقة فيصل بالقاهرة.
وبدوره، عبد الله خير، سوري وأحد الفارين من الحرب، يقول كانت السودان ملاذا لنا بعد الحرب السورية، وكنت أعمل فيها بأحد المطاعم وأعيل عائلتي المؤلفة من زوجتي وطفلين، ووضعنا كان يسير نحو الأفضل وبدأنا بتحسين منزلنا أكثر.
ولكن بعد سقوط قذيفة في منطقة قريبة جدا من المنزل، قررت اللجوء إلى مصر، لأن لدي كثيرا من الأقرباء فيها وأقنعوني أن آتي وأقيم عندهم في منطقة العبور إلى حين تأمين عمل وسكن وأنطلق من جديد مرة أخرى.
ويضيف عبد الله، دفعت كل ما جنيته من مال من أجل الدخول إلى مصر، كلفتني رحلة اللجوء أنا وعائلتي نحو 2000 دولار.
هاجر علي، امرأة سودانية هربت من الحرب إلى القاهرة تقول، عدت إلى القاهرة مجدداً، تركتها قبل خمس سنوات وعدت إلى بلدي، ولكن فجأة اندلعت الحرب.
تضيف هاجر، في حديثها لموقع "تلفزيون سوريا"، واجهنا صعوبات كثيرة في أثناء الهرب في رحلة شاقة مليئة بالخوف تستغرق سبع ساعات من الخرطوم إلى الحدود مع مصر.
تتابع اللاجئة السودانية، عند الوصول إلى المعبر المصري مكثنا خمسة أيام مرابطين على الحدود إلى أن تمكنا من العبور، نتيجة الازدحام الشديد وآلاف السيارات المكدسة بالبشر.
وتشير هاجر إلى أن أسعار تذاكر السفر إلى مصر ارتفعت 20 ضعفاً، وقد وصلت إلى 500 ألف جنيه سوداني، أي ما يعادل 640 دولارا أميركيا، بعدما كانت تكلف 25 ألف جنيه فقط في الأيام العادية.
كذلك، إيمان المحمد، امرأة سودانية، اتخذت قرار مغادرة منزلها بعد رأت مقتل عائلة من جيرانها في الحرب بالخرطوم.
تصف إيمان رحلة الهروب بأنها "رحلة الموت"، وتقول ركبنا في عربات الشحن بشكل مكدس بسبب عدد الأشخاص الكبير، وعشت تجربة رعب حقيقي ومشاعر ممزوجة بالقهر والذل والخوف.
وصلت إيمان إلى القاهرة، ولكنها تركت ابنها خلفها في السودان لأن المعبر المصري لم يسمح له بالدخول لأن عمره يبلغ 20 عاماً ويحتاج إلى تجديد تأشيرة الدخول التي يمتلكها، ولكنها منتهية الصلاحية منذ أسابيع.
استقبال اللاجئين السوريين والسودانيين
تعد الجالية السودانية في مصر هي الأكبر بين الجاليات العربية، حيث يقيم في مصر نحو أربعة ملايين سوداني قبل الحرب، تليها الجالية السورية بمليون ونصف المليون سوري يتوزعون على جميع محافظات الجمهورية.
منذ اندلاع الحرب في السودان، تزايدت المنشورات على مجموعات السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تعرض المساعدات والدعم والمشورة للاجئين الجدد، منها مجموعات الجالية السورية (منظمة غير حكومية).
تتضمن المنشورات البحث عن منازل وفرص عمل والسؤال عن الطرق القانونية للحصول على الإقامة في مصر للداخلين بطرق غير شرعية، وصورا لمنازل معروضة للإيجار بسعر زهيد توافق الظروف المالية التي يمر بها السوريون القادمون من السودان.
كما يلجأ السوريون القادمون بطرق غير شرعية إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في القاهرة من أجل الحصول على إقامة لجوء، والتي تقوم بدورها بمصالحة بين اللاجئين والحكومة من ثم يمنحون إقامة اللجوء التي تجعل وجودهم قانونيا.
بدورها الجالية السودانية في المعادي استنفرت لمحاولة تأمين السكن والرعاية الصحية للسودانيين الهاربين من الحرب، حيث يتجمع عدد كبير من السودانيين في منطقة “حدائق المعادي".
عبد الله الجوني، سوداني مقيم في القاهرة منذ 2005 وأحد أبرز أعضاء الجالية الناشطين، يقول لموقع" تلفزيون سوريا " أنشأت مع أصدقائي منذ سنوات مجموعة (سوا سوا) التي تستهدف دعم السودانيين في مصر، فتعاقدنا مع مؤسسات طبية من مستشفيات ومراكز تحاليل وأشعة من أجل تأمين الرعاية الصحية هذا الأمر ازداد في وقتنا الحالي بعد قدوم العديد من اللاجئين إلى مصر.