كتبت الصحفية السورية هدى فنصة جوادي عن تجربتها مع تطبيقات المواعدة عبر الإنترنت فقالت: عندما انتقلت للعيش في لندن، كطالبة في بداية الأمر ثم كلاجئة، اعتقدت بأن أمور المواعدة ستكون أسهل مما هي عليه في سوريا، ولكن عندما استعنت بتطبيقات المواعدة، صرت أعرف نفسي أكثر.
وتتابع: مضت ست سنوات على وطء قدمي أرض لندن، بعدما سافرت من دمشق لأحصل على شهادة الماجستير عندما كنت في الثانية والثلاثين من عمري. أقل ما بوسعي قوله عن تلك السنوات إنها كانت محمومة بعواطف متضاربة، إذ قبل أن أغادر دمشق، كنت أعيش حالة النجاة، فقد كنت عاطلة عن العمل وأعيش مع أهلي (إذ من عادة السوريات أن يبقين في كنف أهلهن إلى أن يتزوجن أو يتوفاهن الله). ارتديت الحجاب، وكانت وقتها علاقتي العاطفية الأولى والأخيرة مع الشخص الذي أحببته في الجامعة في أواخر أيامها، ولذلك لم تعد لدي أية توقعات أو آمال إلى أن قررت أن أدرس في المملكة المتحدة.
بعد مرور عدة أشهر من صدمة الحضارة في لندن، أطلقت العنان لعفريت مشاعري المكبوتة من الزجاجة التي حبسته فيها، فخرجت نقاط ضعفي كلها، ممزوجة بحالة كرب ما بعد الصدمة، والإحساس بأني غريبة وسط آخرين، إلى جانب شعوري بالكآبة. كنت ضعيفة وحساسة ووحيدة معظم وقتي، بعدما أنهى الشخص الذي أحببته علاقتنا التي امتدت لاثني عشر عاماً لكنها أفضت إلى طريق مسدود بعد كل الوقت الذي مر.
بعدما حصلت على الماجستير، بقيت في المملكة المتحدة وحصلت على صفة لاجئة، لأن الوضع في دمشق لم يعد آمناً، بما أن القذائف والرصاص كانا يتناثران في كل مكان ويحجبان السماء. ولهذا، بعدما وصلت إلى بر الأمان، أدركت معناه أخيراً، ولذلك تحولت إلى لاجئة، بيد أن كل تلك التغييرات دفعتني لأعيد النظر بأمور كثيرة.
هويات أحملها لكنها لا تحدد مسار حياتي
كان الحجاب إحدى تلك الهويات، إذ لم أكن أريد أن أخلعه، بما أن أحداً لم يجبرني على ارتدائه في المقام الأول. كنت في السابق أحس بأن حجابي يدل على المنطقة التي أتيت منها، ويؤطرني داخل صندوق معين يشير إلى أني مسلمة وسورية ولاجئة، وتلك هويات أفخر بها، لكنني لن أسمح لها أن تحدد مسار حياتي بأكملها.
أدركت بعد ذلك بأني أريد أن أتحرر، وأن أفاجئ الناس بماهيتي وما بوسعي أن أقدمه، كانت لدي رغبة عارمة لأن أنغمس بالحب، أي أن أحب وأن يبادلني أحدهم هذا الحب. أعترف بأني خلت بأن حظوظي بالعثور على شريك في لندن عالية وكثيرة، خاصة بعدما خلعت حجابي، إذ اعتقدت أنني بعد ذلك لابد أن أعثر على شخص يناسبي في لندن، تلك المدينة التي يصل تعداد سكانها إلى تسعة ملايين ونصف المليون نسمة.
اعتقدت أني أصبحت مستعدة للتغيير، فبحثت عن الحب عبر المواعدة عن طريق الإنترنت، تماماً كما رأيت في الأفلام العاطفية التي أحبها مثل: You’ve Got Mail وفيلم Must Love Dogs. كان الأمل يحدوني وأنا أنطلق في رحلتي بالمواعدة عبر الإنترنت، إذ كنت مقتنعة تماماً بأنها ستكون رحلة رائعة.
قصص مواعدة محرجة ومضحكة
تمتلئ صفحات الإنترنت في لندن بإعلانات لتطبيق مواعدة مخصص للمسلمين شجعتني صديقاتي على تحميله، بما أن أغلب الأشخاص الذين أعرفهم ضمن الجالية السورية، وكذلك صديقاتي، عثروا على شركائهن وشريكاتهم عبر الإنترنت. حملت الكثير من التطبيقات إلى أن أصابني التعب والكد، فقد كنت أبحث عن تجربة رومانسية تجتاحني من رأسي حتى أخمص قدمي، إلا أن كل ما عثرت عليه هو قصص مواعدة مضحكة ومحرجة.
في بعض الأحيان كنت أفضل الشخص الذي لا يفقه من العربية حرفاً، وهذا ما دفعني لأن أعجب بشاب أخذ يلمسني ويحضنني منذ اللحظة الأولى للقائنا حتى مع كل محاولاتي للابتعاد عنه. وهذا ما دفعني لأن أعتذر منه وأتركه ثم أحظره. ولست أدري اليوم لم اعتذرت منه، على الرغم من أنه كان يجدر بي أن أصفعه على وجهه عوضاً عن ذلك.
دفعني ذلك أيضاً للتعرف على رجل من صقيلية سألني عن سوريا، وهل هي تشبه طالبان؟ فأحبطني سؤاله حد الموت، وذلك لأن سوريا جغرافياً ليست ببعيدة عن إيطاليا، لكنه لم يكلف نفسه عناء تعريف نفسه بها. عدت إلى البيت لأكتشف بأنه ألغى متابعتي وهذا ما أزعجني بعض الشيء، إلا أني استمتعت بعشاء رائع على الأقل.
كنت في أحيان أخرى لا أقبل إلا الاقتراحات التي تشير لتوافقي مع شخص عربي أو مسلم، وذلك حتى نتشارك بالأرضية نفسها. وافقت على اقتراحات حول شبان مسلمين تقليديين توقعوا مني أن أكون امرأة مسلمة تقليدية ترغب بأن تتحول إلى ربة منزل. وحتى أهرب من موعدي مع أحدهم، طلبت من إحدى صديقاتي أن تتصل بي وتدعي أنها بحاجة ماسة لمساعدتي، وهكذا غادرت وحظرته.
خلال السنوات الخمس الماضية، لم أفتح تلك التطبيقات إلا في أوقات متقطعة، إذ كنت أحس بالإحباط كلما استخدمتها. ولكن مؤخراً، بعد معاناتي عقب وفاة والدتي، دفعتني تلك الخسارة وإحساسي المتزايد بالوحدة لأن أمنح أحد التطبيقات الجديدة فرصة أخرى، بما أنه تطبيق مخصص للقادمين من الشرق الأوسط وللمسلمين. وعلى الرغم من عدم استكمالي للمعلومات على ملفي الشخصي، قبلت شابين استخدما لملفيهما صوراً رائعة وذكرا بأنهما اعتنقا الإسلام. ولكن بالرغم من أنهما عاملاني بمودة، إلا أن العلاقة لم تتطور، ثم تبين لي بأنهما لم يكونا أكثر من محتالين يبحثان عن المال فحسب.
أأريد أن أهرب من الصفات التي تحدد هويتي؟
بقيت أسأل نفسي، ماذا تعني المواعدة بالنسبة لي؟ وهل تشتمل على الجنس المحرم في المجتمعات المحافظة كالمجتمع الذي أنتمي له أم لا؟ وهل الصفات التي أوردتها في صندوق التعريف بنفسي هي نفسها التي أحاول أن أهرب منها، وهي أني مسلمة وسورية ولاجئة؟ وهل ينبغي علي أن أصبح أكثر جرأة؟ وهل أطلب الكثير؟ إذ كانت صديقاتي يسخرن من السمات المميزة التي أبحث عنها في شريكي المثالي، لأني كنت بنظرهم أبحث عن المستحيل.
من المرجح أني أبحث عن خيال، عن مجموعة من الخصال التي لن أعثر عليها في أحد. إلا أن خوضي لتلك الرحلة علمني بأنه لا خيار أمامي سوى أن أواصل السعي دون يأس، وأن أنهض بعد كل كبوة، فنحن محكومون بالأمل كما قال المسرحي السوري سعد الله ونوس، ولذلك بقي أملي يزداد ويذكرني بالاحتمالات الكبيرة لعثورنا على السعادة. ولكن على الرغم من الأمل، تبقى مواجهتي للحقيقة والواقع بمفردي دون وجود شخص ألجأ إليه صعبة، ولذلك لم تعد المواعدة رفاهية بالنسبة لي، بل حاجة من حاجات الحياة الأساسية، لأني اقتلعت من جذوري وأتيت إلى هنا لأعيش غريبة، دون وجود أهل أو ناس يدعمونني.
ولكن بعد خروجي بتلك الأفكار الجديدة، كيف بوسعي أن أوازن بين شخصيتي وما أنا عليه وبين خروجي من الصندوق الذي كنت فيه، بما أنه بقي يشدني إليه؟ كيف بوسعي أن أعثر عن شخص يناسبني دون التنازل عن أفكاري والتخلي عن معتقداتي؟
الحياة قصيرة
من الصعب ألا نحكم ويحكم علينا من خلال مظهرنا وديننا وبلدنا الأم ومنصبنا الوظيفي، كما أنه من الصعب أن تتحلى بالصبر وتنتظر القصة حتى تتكشف على مراحل بناء على صور وجمل فحسب، في الوقت الذي يدفعنا فيه عصرنا النزق للسعي وراء قصة كاملة. من السهل أن ترفض الشخص على تلك التطبيقات، بل إن حركة السحب نحو اليسار (أي الرفض) باتت مغرية أكثر بالنسبة لي، ولكن خلال فترة استخدامي لتطبيقات المواعدة، رغبت بأن استغل الوقت للتفكير والتمعن بالأمور، وذلك لأن قراري بالرفض أو القبول يقوم على المظهر المعروض في تلك التطبيقات المعاصرة، وهذا ليس عدلاً برأيي، لأنه يسطح البشر. ثم إن العثور على من يرغب بمواعدتك ويثني عليك ويمتدحك أمر رائع، إلا أن معرفتي بأنهم يقولون معسول الكلام ليغطوا بذلك على نواياهم تزعجني بحق.
بعدما فكرت بالأمر ملياً، أدركت بأن تطبيقات المواعدة لا تناسبني، إلا أن استخدامها علمني ألا أقبل بشخص لا يناسبني، وألا أحس بالعار مما أنا عليه، لأن علي أن أقبل بنفسي كما أنا، وبالصندوق الذي رتبت فيه كل الأمور التي تعبر عن هويتي، مع استعدادي للخروج منه في الوقت المناسب، وذلك لأن الحياة قصيرة ولا تستحق أن نضيعها ونحن نحاول أن نرضي الآخرين، خاصة الرجال على تطبيقات المواعدة. لذا، إن لم أجد ما يرضيني فالأفضل ألا أعود لاستخدام تلك التطبيقات.
المصدر: Gal-Dem