"كأنني كنت أشاهد فيلم رعب مخيفاً، وفي لحظة أضيئت الصالة، وخرجت لأشاهد أناساً طبيعيين، وحياة طبيعية، فهدأت، واطمأننت إلى أن ما كنت أشاهده لم يكن حقيقياً". هكذا وصف لاجئ سوري مقيم في إسطنبول، حالته بعد انتهاء الانتخابات التركية بفوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتحالفه في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لمدة خمس سنوات مقبلة، وخسارة الأحزاب والشخصيات التي تبنت خطاباً معادياً للأجانب، وتحديداً اللاجئين السوريين.
المشاعر نفسها، عبر عنه كثير من اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا لموقع تلفزيون سوريا إنما بعبارات أخرى، كان أكثرها استخداماً عبارة "كابوس وانزاح" و"رجعوا الشناتي" وعبارة "قاعدين" (رداً على دعاية زعيم المعارضة التركية كمال كليتشدار أوغلو الانتخابية الموجهة للسوريين: راحلون)، وعبارات أخرى فيها دعابة مريرة مثل "جات سليمة" أو "مرت على خير" أو "الله ستر".
هل فشل خطاب الكراهية في تركيا؟
"سعيد الأحمد" طالب سوري مقيم في مرسين جنوبي تركيا "الانتخابات أنقذت سمعة الشعب التركي، أنا أعيش بين الأتراك وأعرف أن معظمهم ليسوا عنصريين، وأن العداء للأجانب كان أمراً مفتعلاً بفعل فاعل لغايات انتخابية، ولكن كان من الصعب علي إثبات ذلك للأجانب، وخاصة السوريين، وهم يرون سياسيين يتسابقون على إظهار الكره لهم. الآن أعتقد أن النفوس ستهدأ. نحن بتنا متأكدين أن معظم الأتراك ضد العنصرية، وضد كراهية الأجانب، والسياسيون والأحزاب باتوا متأكدين أن خطاب الكراهية لم ينجح، ولم يحقق لهم النتائج التي يريدون، وعليهم البحث عن خطاب آخر أكثر جدية وفائدة".
ومن بين أكثر السوريين تعبيراً عن الارتياح، السوريون المجنسون، يقول "محمود الشيخي" لموقع تلفزيون سوريا: "مع أنها كانت مجرد توقعات، وأحيانا إشاعات، فإننا كنا نخاف فعلاً من قيام المعادين للأجانب بحال فوزهم في الانتخابات، بسحب الجنسية التركية منا. مجرد التفكير بهذا الاحتمال كان يسبب لي رجفة خوف. لأنه يعني أن أعود مشرداً بعد أن صار لدي جواز سفر واستقرار وعمل دائم وحماية قانونية تامة".
وظهر كليتشدار أوغلو في أول تسجيل مصور على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي ضمن سياق الحملة الانتخابية للجولة الثانية من الانتخابات التركية، مطلقاً تصريحات عن أعداد اللاجئين في تركيا بأرقام مبالغ بها بشكل واضح.
وقال كمال كليتشدار أوغلو في التسجيل: "لم نجد هذا الوطن في الشارع.. لن نترك وطننا لهذه العقلية التي جلبت إلينا 10 ملايين لاجئ غير نظامي.. الحدود شرف".
السوريون في تركيا.. ترقب وانتظار
الارتياح والهدوء والاطمئنان، لم يشمل ملايين السوريين المقيمين في تركيا فقط، وإنما امتد إلى ملايين السوريين المقيمين في الشمال السوري، حيث تسيطر فصائل المعارضة السورية والقوات التركية. فمن الدعايات الانتخابية، ومن الإشاعات التي راجت كثيراً في فترة الانتخابات، أن تحالف الأمة، سيسحب الجيش التركي من الشمال السوري، وسيسلمه، ويسلم المعارضين، للنظام السوري عقب فوزه في الانتخابات.
وكان كليتشدار أوغلو قال إنه حال انتخابه فإنه سيقوم بتطبيع العلاقات مع سوريا، وسيوقع على بروتوكول يضمن الحفاظ على حياة اللاجئين وممتلكاتهم، مع السعي لإشراك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في بروتوكول يقضي بتخصيص صندوق لإعادة إعمار سوريا، وهكذا يمكن للشركات التركية الاستعانة بتلك الأموال لإعادة بناء سوريا. كما تساءل مرشح تحالف الأمة أكثر من مرة عن سبب وجود قوات بلاده في سوريا وليبيا وغيرها من الأماكن.
التفاؤل والارتياح والسعادة التي سادت في أوساط السوريين في تركيا بعد ظهور نتائج الانتخابات، تترافق بالترقب والانتظار. ينتظرون التصريحات الرسمية التركية، وسلوك السلطات التركية، لملاحظة أي تغير فيها نحو تخفيف القيود على حركة وعمل السوريين، وترقب لمعرفة مصير طلبات الإقامة المعلقة بسبب الانتخابات، ومعرفة إن كان سيعاد تفعيل طلبات الجنسية المجمدة!.
تقول "هالة العبيد" وهي سيدة سورية لموقع تلفزيون سوريا: "لا أحد من السوريين يتوقع أن يحصل انقلاب في أوضاعهم نحو الأفضل، ولكنهم يأملون بأن يتم إخراجهم من الصراع السياسي الداخلي التركي، وتحديدا الانتخابي، وأن يتوقف الضغط الشديد الذي مورس من قبل أحزاب المعارضة على الحكومة التركية في موضوع اللاجئين. نأمل ونتوقع أن يتصرف الرئيس أردوغان بأريحية أكثر معنا، لأنه تخلص من ضغط الانتخابات التي كان موضوعها الرئيسي اللاجئين السوريين".
باهتمام كبير يتابع السوريون التصريحات السياسية للرئيس التركي وأفراد حكومته بعد الانتخابات، لتلمس أي تغيير في مسيرة التطبيع المتعثرة بين تركيا والنظام السوري، وكلهم أمل أن تكون دوافعها انتخابية، تنتهي، أو تتراجع، بانتهاء الانتخابات.