icon
التغطية الحية

هل تقبل تركيا بشروط النظام للتطبيع وتسحب جيشها من سوريا؟

2023.04.07 | 04:15 دمشق

zxcv
حلب - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

يرفع النظام السوري سقف المطالب قبل الانخراط في أي مسار لتطبيع العلاقات مع تركيا، إذ يشترط على الأخيرة الانسحاب بشكل كامل من الأراضي السورية، ليكون ذلك مدخلاً للتطبيع بين الطرفين، في حين توجه الرئاسة التركية اتهامات للنظام باتباعه نهجاً تخريبياً لإفشال عملية التقارب التي تسعى إليها موسكو. ولكن تبدي أنقرة استعدادها للاستمرار بالعملية التفاوضية مع النظام بدفع من موسكو، وهذا ما يترك الاحتمالات مفتوحة أمام جميع السيناريوهات، لكن دوافع محلية سورية وأخرى تركية تجعل من قرار الانسحاب منافياً للمنطق، حيث ما زالت الأسباب التي دعت للتدخل التركي قائمة.

وبعد انتهاء الاجتماع الرباعي على مستوى نواب وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران والنظام، الثلاثاء الماضي في موسكو، قال أيمن سوسان رئيس وفد النظام السوري ونائب وزير الخارجية إنه "لا توجد مؤشرات إيجابية بخصوص انسحاب القوات التركية من سوريا، ولا بخصوص محاربة الإرهاب والقضاء عليه"، في إشارة إلى فشل المحادثات الأولية بين أنقرة والنظام.

كذلك اتهم سوسان، تركيا بعدم الالتزام حتى بالتفاهمات التي تم التوصل إليها في إطار أستانا أو مع الجانب الروسي، معرباً عن "استعداد النظام للتنسيق مع الأصدقاء الروس والإيرانيين ومع الجانب التركي حول مختلف الجوانب العملية المتعلقة بانسحاب تركيا من الأراضي السورية"، معتبراً ذلك هو "المدخل لإعادة التواصل بين الجانبين".

ويعود التدخل العسكري التركي في سوريا إلى آب/أغسطس من عام 2016، تحت اسم عملية "درع الفرات" ثم "غصن الزيتون"، و"نبع السلام" و"درع الربيع".

وينتشر الجيش التركي في الأراضي السورية ضمن 129 قاعدة عسكرية، ولا يقتصر النشاط التركي داخل سوريا على الملف العسكري فقط، إنما تطور لاحقاً ليشمل الملفات الخدمية والإدارية والطبية والإغاثية وغير ذلك، مما يجعل نقاش إمكانية الانسحاب التركي الكامل من سوريا، أمراً معقداً للغاية.

الوجود العسكري نقطة قوة لتركيا

قبيل انطلاق الاجتماع الرباعي في موسكو بساعات، ذكر رئيس وفد النظام أيمن سوسان، أن "الوفد سيركز بالتحديد على إنهاء الوجود العسكري التركي على الأراضي السورية، ومكافحة الإرهاب وعدم التدخل في الشؤون الداخلية"، في حين أفادت مصادر دبلوماسية لموقع تلفزيون سوريا، أن موسكو ما تزال تضغط من أجل عقد لقاء على مستوى وزراء الخارجية، وأنه من غير المستبعد أن ينعقد هذا الاجتماع في غضون أسبوعين قادمين، مع عدم توقع حدوث تغيير كبير في المواقف.

الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية محمود علوش، يشير إلى استراتيجية جديدة وضعها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سوريا، ترتكز على ثلاثة عناوين أساسية، وهي معالجة الهواجس الأمنية لتركيا إزاء "الوحدات الكردية" من خلال التعاون مع النظام وحلفائه، وإعادة طوعية وآمنة للاجئين، ودفع الحل السياسي.

قبل تحقيق هذه الأهداف، يؤكد "علوش" في حديثه مع موقع تلفزيون سوريا، أنه لا ينبغي توقع أن تسحب تركيا قواتها من سوريا، إذ لا يزال الوجود العسكري التركي ضرورياً لمصالح الأمن القومي، كما أنه يشكل ورقة قوية بيد أنقرة لفرض مصالحها في أي عملية سلام شامل في البلاد.

يحيلنا ذلك للقول، إن السقف الذي يمكن أن تصله تركيا في مسألة الوجود العسكري هو تقديم ضمانات معلنة بالانسحاب أو وضع جدول زمني لذلك، لكن الأمر مرهون بما يمكن أن تحصل عليه في المقابل، خصوصاً في مسألة التعاون الأمني واللاجئين والتسوية السياسية.

ومن غير المُرجح أن يطرأ تطور كبير على مسار الحوار التركي السوري قبل الانتخابات باستثناء إمكانية تطوير اللقاءات التركية السورية إلى مستوى وزراء الخارجية، وفقاً لما يرى الباحث.

احتمالات الانسحاب التركي من سوريا

يكرر النظام السوري مطالبه بانسحاب تركيا من البلاد، وفي شهر آذار الفائت، قال رئيس النظام بشار الأسد، في مقابلة مع قناة "روسيا اليوم"، إن "أولوية أردوغان هي الانتخابات ولا شيء آخر، أما بالنسبة لسوريا فالأولوية هي للانسحاب واستعادة السيادة، وإذا كان موضوع الانسحاب من سوريا سيحقق لأردوغان الفوز في الانتخابات فليس لدينا مشكلة".

وأوضح الباحث والمحاضر في العلوم السياسية، محمد بقاعي، أن الوجود التركي في سوريا قائم بناء على تهديدات الأمن القومي من قبل حزب العمال الكردستاني وداعش، وتخوّف أنقرة من موجات هجرة ضخمة نحو أراضيها. وهذه التهديدات ما زالت قائمة، وبالتالي إن مسألة الانسحاب من سوريا لن تتوازى مع نسبة زوال هذه الأخطار، سواء من خلال تمدد "قسد"، أو ملء الفراغ من جانب روسيا والنظام، وسيؤدي ذلك بالضرورة لموجة لجوء ضخمة نحو تركيا.

ويضيف "بقاعي" في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن النظام يدرك بأن دعوته لتركيا للانسحاب من سوريا في الوقت الحالي، أمر غير منطقي، ولذلك سيركّز الطرفان في جولات التفاوض القادمة على إيجاد نقاط التلاقي بينهما، وربما يشمل ذلك مبدئياً التنسيق الأمني، "وهو أمر سينتج عنه بالتأكيد إضعاف المعارضة السورية"، بحسب البقاعي.

خيارات المعارضة السورية ورد فعلها

سبق أن كشف مسؤول أمني تركي رفيع المستوى عن استعداد بلاده لطرح جميع المواضيع على طاولة الحوار مع النظام السوري، بما في ذلك انسحاب القوات التركية كلياً أو جزئياً من سوريا.

وذكر المسؤول لموقع BBC أن العمليات العسكرية التي بدأت في سوريا كانت بالتنسيق مع روسيا، ونقاط المراقبة الموجودة في إدلب جاءت وفق الاتفاقات التي توصلت إليها أنقرة مع موسكو وطهران، مضيفاً: "لا توجد خطوط حمراء وشروط مسبقة مطروحة على الطاولة اليوم".

انسحاب تركيا من سوريا فيما لو حدث، سيعني انحسار الخيارات أمام قوى المعارضة السورية، فإما أن تتحالف مع النظام، وهذا مستبعد وسيؤدي إلى موجات لجوء كبيرة نحو تركيا وأوروبا، أو التحالف مع الولايات المتحدة والتقارب مع "قسد"، وسيطرة الأخيرة بالتالي على كامل الشريط الحدودي مع تركيا، ما يعني أن مهددات الأمن القومي في السيناريوهين باتت أكبر من ذي قبل.

ووصف وزير الخارجية التركي في وقت سابق مطالب النظام السوري بانسحاب تركيا أنها "طرح غير واقعي" مشيراً إلى خطورة ما سماه "التنظيمات الإرهابية" في تلك المناطق، وقال: "إذا انسحبنا من تلك الأراضي اليوم فلن يحكمها النظام، وستهيمن عليها التنظيمات الإرهابية، هذا الأمر خطر علينا، وخطر على النظام أيضاً، يعني أنه خطر على سوريا كلها".

ويؤكد الباحث "بقاعي" أن أي عملية انسحاب تركي من شمال غربي سوريا، تعد تهديداً وجودياً للمعارضة السورية في مناطق سيطرتها، ولذلك لا يجب الاستهانة بالأمر، باعتبار أن القبول المبدئي من تركيا بمناقشة الفكرة يستوجب من المعارضة دق ناقوس الخطر.

ولا يرى بقاعي أن مسألة إعادة تحالف المعارضة مع الأميركيين بهذه البساطة، لأن واشنطن ليست مهتمة بالاستثمار أكثر في الشرق الأوسط، وسوريا خصوصاً، فضلاً عن أن نموذج المعارضة السياسي والعسكري لا يشجع أحدا على التحالف معها.

أما الباحث محمود علوش، فيشير إلى أن علاقة تركيا بالمعارضة السورية لا تخضع لظروف معينة، وهي متينة، مضيفاً أن مصالح تركيا بعيدة المدى في سوريا، وتكمن في تحقيق عملية سلام حقيقية تلبي تطلعات الشعب السوري وتحدث انتقالاً سياسياً.

لا تقتصر التهديدات بعد الانسحاب التركي من سوريا على التنظيمات المصنفة إرهابياً، فاحتمالية سيطرة إيران على المنطقة ستزداد، وهذا يمنح الحرس الثوري الإيراني - الذي اشتبك مع القواعد الأميركية قبل أيام - الفرصة لتطويق تركيا في سوريا والعراق أيضاً.

الاجتماع الرباعي دون التوقعات

لم تصدر مخرجات ذات أهمية عن اللقاء الرباعي الأخير على مستوى نواب وزراء الخارجية في موسكو، وبعد انتهاء الاجتماع بساعات، قال جاويش أوغلو، إن أنقرة تنتظر دعوة من روسيا لعقد اجتماع رباعي على مستوى وزراء الخارجية في المستقبل مع كل من النظام السوري وإيران، لاستكمال مباحثات عملية التطبيع.

وفي تحليله للقاء، ذكر الناشط السياسي السوري عبد الكريم العمر، أن ما رشح من معلومات عن الاجتماع الرباعي يشير إلى فشله بشكل ذريع، لأن النظام لا يملك أي شيء ليقدمه لتركيا أو للدول العربية الراغبة بالتطبيع معه، فهو يريد المال فقط، لتمويل مشاريع تصنيع الكبتاغون.

وفي حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أوضح العمر أن تركيا لا يمكن أن تنسحب من سوريا بهذه السهولة دون تسوية قضية "قسد" وغيرها، مضيفاً أن سقف التنازلات التركية هو فتح الطرق الدولية في شمال غربي سوريا، أو معابر تجارية مع مناطق سيطرة النظام، أو فتح سفارة في دمشق، لكن الانسحاب مستبعد، حتى لو عادت العلاقات بين الطرفين.

ويتفق الباحث في الشأن التركي طه عودة أوغلو مع ما سبق، إذ قال في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، إنه لم ينتج شيء مهم عن اللقاء الرباعي، حيث انبرى كل طرف لتكرار المطالب التي طرحها سابقاً على الطرف الآخر، مع ملاحظة تكرار الإشارة في نهاية اللقاء لاستمرار المشاورات مستقبلاً، ما يعني إحالة ملف التطبيع إلى أجل غير مسمى.

شراء للوقت واستعجال روسي

يوضح عودة أوغلو، أن النظام السوري يسعى بقوة للحصول على أكبر قدر من المكاسب، مستغلاً حاجة الرئيس أردوغان لإرضاء الناخب التركي عبر عدد من الملفات، كإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

ولم يحقق اللقاء الاختراق المنشود على المدى القريب، حيث تسعى مختلف الأطراف لكسب الوقت، وبشكل عام، ما يهم أردوغان حالياً تجاوز مرحلة الانتخابات بسلام، وسحب ملف اللاجئين وإعادة العلاقات مع النظام من يد المعارضة التركية، معتبراً في الوقت نفسه أن الانسحاب التركي من سوريا مرفوض بشكل تام بالنسبة للحكومة، لأن الانتشار في البلاد يتعلق بعدة مسارات واتفاقيات دولية.

من جهته، يرى الباحث محمود علوش، أن هناك تناقضاً في الموقف من الانتخابات التركية بين كل من روسيا والنظام السوري، فبينما يُعول الأسد على هزيمة أردوغان، فإن موسكو ترى أن فوزاً محتملاً للمعارضة التركية سيجعل تركيا قريبة من الغرب وسيُقلص على نحو كبير انخراطها في الجهود الروسية لتسوية الصراع في سوريا وفق معايير موسكو.

لذلك، تبدو روسيا حريصة على الاستعجال في إبرام تسوية تركية سورية قبل الانتخابات التركية أو على الأقل قطع أشواط مهمة في طريق المصالحة، كما تُدرك أن أردوغان، وفي حال إعادة انتخابه مُجدداً، سيُصبح أقل مرونة في تقديم تنازلات للنظام من أجل المصالحة.

وحتى لو أحدثت الانتخابات التركية تحوّلاً سياسياً، فإن المقاربة التركية لمسألة الانسحاب من سوريا لن تتغير بشكل جذري وستبقى مرهونة بمعالجة الهواجس الأمنية لأنقرة إزاء "قسد" وأذرعها، كما أن رغبة المعارضة في إعادة اللاجئين السوريين لا يُمكن أن تتحقق من دون تأمين ظروف آمنة وكريمة لإقناعهم بالعودة، وفق الباحث.

ورغم استبعاد الباحثين لفكرة انسحاب الجيش التركي من سوريا، وصعوبة التطبيق العملي لذلك في الواقع لأسباب متعددة سردها التقرير آنفاً، إلا أن التطورات السياسية المفاجئة مؤخراً حيال الملف السوري، تؤكد أنه لا مستحيل في عالم السياسة، وهذا ما يستدعي من قوى المعارضة دراسة التبعات والنتائج لأي حدث مرتقب.

الوجود التركي متجذر في سوريا

لا يقتصر الانتشار التركي في سوريا على القواعد العسكرية ونقاط المراقبة، بل شمل خلال السنوات الماضية عدة قطاعات، إغاثية ومدنية وإدارية، فضلاً عن الإشراف الكامل على عمل المجالس المحلية وقوات الشرطة المدنية في مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري.

وتتحكم المؤسسات التركية بمختلف القطاعات في مناطق سيطرة الجيش الوطني، كل حسب اختصاصها، مثل الكهرباء والقطاع الطبي والملف التعليمي والقضاء والحواجز، مع افتتاح 4 مراكز للمديرية العامة للبريد التركية (PTT) بريف حلب، فضلاً عن انخراط شركات كهرباء واتصالات تركية في سوق العمل شمالي سوريا.

ودعمت تركيا إنشاء عدة مدن صناعية في الشمال السوري، وسمحت لبعض الجامعات التركية بافتتاح فروع لها في المنطقة، مع إشراف المنظمات الإنسانية التركية على إنشاء مخيمات وقرى سكنية للنازحين، وإعادة ترميم بعض المراكز الصحية، والمساجد، والطرقات العامة.

إلى جانب ذلك، تتحكم تركيا بقرار المعارضة السورية، العسكري والسياسي، عبر ضبط مسار عمل الجيش الوطني السوري عسكرياً، والائتلاف الوطني والحكومة السورية المؤقتة سياسياً وإدارياً، وهذا ما يعني أن أي تطورات مصيرية تخص مناطق سيطرة المعارضة، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار المصالح التركية هناك.

الجدير بالذكر أن الانتشار التركي في سوريا يتم بموجب تفويض قابل للتجديد كل عام من البرلمان التركي، ولم يكن التدخل العسكري في بداياته محط خلاف بين الحكومة والمعارضة، بالنظر إلى الأسباب التي دفعت إليه، كاقتراب قوات تنظيم "داعش" و"قسد" من الحدود الجنوبية لتركيا، وتكرر حوادث التفجير داخل الأراضي التركية، لذا يرجح أن تُحال القرارت الاستراتيجية بإحداث تغيير جوهري بهذا الملف إلى مجلس الأمن القومي التركي والبرلمان، دون احتكار حكومة أو حزب ما لقرار الانسحاب من سوريا.