مع تعقّد المشهد السوري، وانخراط عدة قوى إقليمية ودولية في الملف، تبادر إلى أذهان كثير من السوريين طرح التقسيم على اعتبار أنَّه من الصعوبة بمكان تقليل الفجوات السياسية بين الفواعل لأسباب تتعلق بتباين الأهداف والدوافع والاستراتيجيات التي دفعت كل طرفٍ للتدخل السياسي أو العسكري.
وقد عززت هذه الطروحات مشروع حزب العمال الكردستاني، خلال أولى مراحل تغلغله في سوريا، ورغباته في تشكيل دولة قومية، قبيل تشكيل ما يسمى قوات سوريا الديمقراطية، ولاحقاً الإدارة الذاتية في إطار تحالف مع واشنطن. في حين، لم تكن المنطقة الشمالية التي تسيطر عليها المعارضة بعيدةً عن عرضة هذا الطرح بدواعٍ تتعلق بقبول أي حلٍ لا يمر عبر عودة سلطة النظام إلى مناطقها.
في ذات التوقيت، أثار هذا التساؤل حفيظة أطراف الصراع في المشهد السوري، لذلك ومنعاً لانتشار هذه الفرضيات باتت تعرج بشكل مستمر على وحدة الأراضي السورية، في مختلف المنصّات والمسارات السياسية والأمنية والعسكرية. وربما عدم تقسيم سوريا هو المحدد الوحيد الذي باتت متوافقة عليه معظم القوى. مع ذلك، من المهم في مكان الإجابة على فرضيات تندرج في إطار التخوفات المشروعة لدى السوريين عن إمكانية تقسيم سوريا، في حال رأى أيّ طرفٍ ضرورة حدوثه كخيارٍ واردٍ.
تعتمد معظم الفرضيات على مفهوم "Self determination" أي حق تقرير المصير كما نصّت مواد ميثاق الأمم المتحدة حزيران/ يونيو 1945 رقم (1) الفقرة 2 بشكل أساسي
في الواقع، تعتمد معظم الفرضيات على مفهوم "Self determination" أي حق تقرير المصير كما نصّت مواد ميثاق الأمم المتحدة حزيران/ يونيو 1945 رقم (1) الفقرة 2 بشكل أساسي. كذلك، أشارت في ذات السياق في مواد رقم (55، 56، 71) عبر تجريد المواد من سياقها القانوني ومعطياتها القانونية والمعيارية، مع أنّ مفهوم حق تقرير المصير يؤكّد على حق الشعوب أكثرية كانت أو أقلية في تقرير مصيرها.
لكن، يضع معايير محددة لذلك تتمثل في عدة اعتبارات مثل أن يكون لتلك المجموعات الراغبة بالانفصال إرث تاريخي "إنثروبولوجي" ديني أو قومي أو قبلي، وأن تكون هذه المجموعات تحت احتلال، أو انتداب، وصاية عند استخدام الحق، وأن يكون شكل إدارة الحكم في الدولة "فيدرالياً"، فضلاً عن أن لا تكون المجموعات استخدمت وحصلت على الاستقلال/ قررت مصيرها بموجب القانون سابقاً عبر دولتها.
وفي النظر إلى النماذج في القانون الدولي، التي استخدمت هذا الحق يمكن النظر إلى أبرزها، إذ بدأت كمفهوم لحل الصراعات وتعزيز حق الشعوب باختبار مصيرها، بعد الإعلان عن تأسيس المجتمع الدولي مباشرة خلال مؤتمر سان فرانسيسكو (1945) عندما أقرّت الأمم المتحدة، حين تأسيسها بهذه المفاهيم، وفقاً للمذكور وعلى هذا الأساس استطاعت مجموعة دول أن تنتزع استقلالها في المنطقة مثل؛ سوريا، والعراق، ولبنان، والجزائر وغيرهم.
واستكملت مساعيها لذات الهدف، عند تشكيل محكمة العدل الدولية، لجنة عام 1971 نماذج أخرى للبت بها مثل؛ دولة نامبيا، التي استعمرت من قبل ألمانيا ثم جنوب أفريقيا قبل أن تحصل على استقلالها وفق حق تقرير المصير في آذار/ مارس 1990.
وربما كان نموذج الصحراء الغربية من أبرز التحديات التي واجهتها المنظومة الدولية في إطار حق تقرير المصير، ولا سيما بعد منحه من قبل فرنسا وفق اتفاقية مدريد في تشرين الثاني/نوفمبر 1975 الاستقلال، ومن ثم فراغ السيادة الذي مُلئ بصراعٍ موريتاني/مغربي قبل إقرار محكمة العدل عام 1991، بضرورة الاستفتاء. لكنه توقف لأسباب سياسية عسكرية.
في حين، كانت نماذج دول ما بعد سقوط "الاتحاد السوفييتي" عام 1991 من أهم النماذج التي على أساسها طبّقت الدول التي انفصلت عن الاتحاد معايير هذا الحق، وخاصةً شكل نظام إدارة الحكم "الفيدرالية"، وانهيار المركز.
ولا يمكن إغفال النموذج اليوغسلافي، الذي يعتبر مهما للغاية في إطار الصراعات الدولية في العلاقات والقانون الدولي، إذ انقسم إلى نموذجين عند اندلاع الحرب في آذار/مارس 1991، وتفكك الجمهورية "الفيدرالية" المكوّنة من 6 مقاطعات، في أيار/ مايو 1992، الأول حققّ المعايير المطلوبة، عند تشكيل دول: مقدونيا، سلوفينيا، البوسنة، كرواتيا. لكن حدث الخلاف حول الدول التي أرادت الانقسام عن صربيا أي كوسوفو والجبل الأسود، بكونهما أصبحتا جزءاً من دولة صربيا. بالتالي حقهم في تقرير المصير لا يعتبر وارداً.
مع ذلك، منحت الأمم المتحدة الاستقلال لكوسوفو في شباط/فبراير 2008، مما دفع روسيا إلى اقتحام جورجيا وسلخ "أوسيتيا الجنوبية" في 2008، لكن دون أن تحظى باعترافٍ بها. تكرّر الأمر في أوكرانيا في شبه جزيرة القرم عام 2014، وحالياً مستمرة في غمار الحرب الأوكرانية-الروسية.
في العودة إلى الملف السوري، يتم قوننة هذه الأطروحات بالاعتماد على نموذج "لواء اسكندرون" لربطه بحق تقرير المصير، عندما أجري استفتاء عام 1938 وضُمّ إلى تركيا، لكن هذا الطرح مجرد من عوامل مختلفة مثل: السياق، التاريخ، المؤسسة الدولية، وبناءً على ذلك غير وارد. ففي ذلك التوقيت كانت "عصبة الأمم المتحدة" هي المسؤولة عن صياغة هذا النوع من القرارات وليست الأمم المتحدة. بالتالي مفهوم حق تقرير المصير كان مختلفاً عمّا يُعتمد في عالم ما بعد سان فرانسيسكو.
وفي الأصل، أدركت الأمم المتحدة، هذه الثغرة القانونية في العصبة. لذلك تلافتها من خلال المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة الفقرة رقم "4"، يمنع إجراء استفتاء لدولة قررت مصيرها وفق المواد؛ (2)+ (55) + (56) + (71).
الدولة السورية كيانٌ واحد معترف به وعضوٌ مؤسس في الأمم المتحدة، لا يمكن تجزئة/ الاستغناء عن أيٍ من أراضيه
وعلى هذا الأساس، يمكن القول إنّ الوضع السوري لا يحقّق أياً من الشروط الواردة، تعتبر لذلك دولة ذات سيادة بمساحة 185,180 km² حظيت باستقلالها بموجب حق تقرير المصير في 17 نيسان/ أبريل 1946، لذلك الدولة السورية كيانٌ واحد معترف به وعضوٌ مؤسس في الأمم المتحدة، لا يمكن تجزئة/ الاستغناء عن أيٍ من أراضيه.
مما يعني أنَّ فرضيات تقسيم سوريا باستخدام آلية الاستفتاء لا يسمح بها القانون الدولي وفق معطيات وحال الملف، وهذا ما يدفع كل القوى الأجنبية والمحلية للتأكيد على وحدة الأراضي السورية والحفاظ على كيان الدولة الموحدة.