icon
التغطية الحية

كيف سيؤثر غزو بوتين لأوكرانيا على سوريا؟

2022.03.08 | 12:26 دمشق

حاجز اسمنتي في سوريا كتب عليه: المجد لأوكرانيا والمجد لسوريا الحرة في شباط 2022
حاجز اسمنتي في سوريا كتب عليه: المجد لأوكرانيا والمجد لسوريا الحرة في شباط 2022
ميدل إيست آي - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

منذ أمد بعيد ظهرت علاقات متشابكة بين النزاعين الأوكراني والسوري، فمن أهم الدوافع التي شجعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التدخل في سوريا كانت رغبته بكسر العزلة الدبلوماسية التي تعرض لها عقب ضمه للقرم في عام 2014.

 إن النجاح الذي حققه بوتين في تلك العملية، في ظل غياب حالة الصد الغربية تجاه ما ارتكب من جرائم وفظائع فيما بعد، دفع البعض ليقول إن سلبية الغرب تجاه ما حدث في سوريا هي التي شجعت روسيا على غزو أوكرانيا في شباط الماضي، واليوم، بعدما أصبحت أوكرانيا تعاني، تتداخل الأدلة التي تثبت ذلك من جديد، بما أن الجيش الروسي مايزال يعتمد التكتيكات والأساليب نفسها التي اتبعها في سوريا على جبهة القتال اليوم ضمن العملية العسكرية ضد أوكرانيا.

من الواضح أن الحرب السورية أثرت على أوكرانيا، ولكن كيف يمكن للأزمة الحالية أن تؤثر على الأوضاع في سوريا؟ يحق للمرء أن يعتقد أن هذه الأزمة لن تصل إلى حل خلال فترة قريبة، ما يعني أنها ستستمر لتهيمن على الإعلام العالمي ولتستأثر بالاهتمام الدبلوماسي كله. أما سوريا فقد تراجعت مرتبتها بالأصل ضمن سلم الأولويات العالمية، لذا يرجح لغموض وضعها أن يستمر على حاله هو أيضاً، بالرغم من أن الحرب لما تنته بعد.

واصل بشار الأسد قمعه في الداخل، إلى جانب المعاناة المستمرة على الصعيد الاقتصادي، فضلاً عن الاقتتال المتقطع بين الفصائل المتطرفة المختلفة، والذي لا بد أن يتراجع اهتمام العالم به أكثر فأكثر، كما حدث في العراق وأفغانستان من قبل، أي إن سوريا أصبحت حرب الأمس، كما أن المعاناة المستمرة في اليمن وليبيا يمكن أن تتراجع عن دائرة الاهتمام هي أيضاً.

وهذا الوضع مهم جداً بالنسبة لـ5.7 ملايين لاجئ سوري مسجل، سبق لهم أن عانوا من تخفيض في المساعدات من قبل الجهات المانحة الدولية، كان على رأسها المملكة المتحدة. إلا أن ظهور أزمة لجوء جديدة مصدرها أوكرانيا لابد أن يبعد المال والدعم عن الشرق الأوسط لتحل محله أوروبا الشرقية. إذ هنالك أمثلة محزنة لا تحصى من التاريخ عن لاجئين تحولوا إلى ملف أصبح طي النسيان بمجرد أن يتراجع اهتمام الرأي العام بالنزاع الذي هربوا منه، وهذا الوضع يحمل معه في الغالب الأعم عواقب مزرية بالنسبة للاجئين وللدول المضيفة أيضاً.

موارد عسكرية مستنزفة

بصرف النظر عن موضوع تراجع الاهتمام، لابد أن تتأثر الحالة الجيوسياسية للحرب السورية بشكل كبير بسبب تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية، وإذا أدى ذلك لسقوط بوتين في موسكو في أكثر الاحتمالات تطرفاً فإن ذلك لابد أن يغير الوجود الروسي في سوريا بشكل جذري. أما بالنسبة للعواقب الأقل خطورة، فلابد أن يكون لها تأثيرها هي أيضاً، فالحرب الطويلة المرهقة التي تستنزف الموارد العسكرية الروسية، في الوقت الذي تقوم فيه العقوبات الغربية بخنق اقتصادها، يمكن أن تجبر بوتين على سحب المال والقوات العسكرية من سوريا. أما السيناريو البديل فقد يتمثل بقيام بوتين بتضييق الخناق أكثر على سوريا، بسبب إحساسه بأنه محاصر، وهذا ما سيجعل نظام الأسد يقترب أكثر من شبكة الدول التابعة له.

إلا أن كلتا هاتين النتيجتين لن تعودا بأي نفع على الأسد، وذلك لأن التراجع العسكري أو الاقتصادي لروسيا لابد أن يصيبه في مقتل، كما قد يشجع ضده خصومه المحتملين الذين أصبحوا في حالة سبات اليوم. ثم إن الأسد لن يكون راغباً بالانضمام إلى مجال بوتين المعزول عن بقية العالم.

Russian President Vladimir Putin meets Syrian President Bashar al-Assad in Moscow in September 2021 (AFP)

لقاء بوتين بالأسد في موسكو 2021

لقد حاول النظام جاهداً ليعود للاندماج مع دول المنطقة من جديد، كما أنه يخضع بالأصل لعقوبات شديدة فرضتها عليه حكومات الدول الغربية، لذا فإن آخر شيء ينقصه هو أن يُعاقب بسبب قربه من بوتين، إذ قد ينظر بوتين في حالة تعرضه لحصار وعزلة إلى الأسد كما ينظر لرئيس بيلاروسيا ألكساندر لوكاشينكو، على اعتبار أنه مدين له ومجبر على مساعدته في ساعة الحاجة، سواء عبر تصريحات تدعمه، أو عبر إرسال قوات عسكرية لتعينه.

أما الحليفة الأخرى لبوتين والأسد، أي إيران، فستراقب عن كثب كيف ستؤثر الأحداث التي تجري في أوكرانيا على سوريا، وبما أن طهران مدينة بقدر أقل من الفضل مقارنة بدمشق، لذا من غير المرجح لها أن تحس بأنها مجبرة على الوقوف إلى جانب بوتين، بالرغم من أن قيادتها أنحت باللائمة تلقائياً على الولايات المتحدة بدلاً من روسيا بالنسبة للأزمة الأوكرانية. وعلى الرغم من اختلافها مع روسيا بشأن القليل من الغنائم التي خلفتها الحرب السورية، وبخصوص سماح موسكو لإسرائيل بشن هجمات متكررة على مواقع إيرانية، إلا أن طهران تستفيد من الوضع الراهن في سوريا بشكل كبير. لذا فإن أي تغير في موقف روسيا هناك غير مرحب به، بما أن إيران لعبت دوراً رئيسياً في هندسة الأمور.

الموقف الإسرائيلي المتوازن

إن الوضع الحالي مريح بالنسبة لإسرائيل، على الرغم من خوفها من كثرة القوات الإيرانية وقوات حزب الله الموجودة في سوريا نتيجة للحرب التي دارت فيها، إلا أن الوجود الروسي يخفف من حدة تلك المخاوف، كما أن علاقتها القوية بموسكو ساعدت على إطلاق يد الجيش الإسرائيلي ليضرب في العمق السوري.

وبذلك، فإن الحكومة الإسرائيلية أصبحت تسير فوق خيط رفيع منذ أن بدأت الأزمة الأوكرانية، فهي مقربة من الولايات المتحدة وأوكرانيا وروسيا، لكنها سعت لتأكيد شجبها وإدانتها لعدوان بوتين بطريقة صامتة إلى حد ما، لكونها تدرك بأن إغضاب موسكو لا بد أن يمنعها من شن ضرباتها في سوريا. وفي الوقت ذاته، لا ترغب إسرائيل بإشعال فتيل نزاع قد يدفع بوتين للرحيل عن سوريا، لأن هذا من شأنه أن يترك إيران وحزب الله بلا رادع يردعهما كما لابد أن يزيد من احتمال وقوع اشتباكات مباشرة.

أما تركيا فقد اقتربت من الأزمة الأوكرانية بحذر، تماماً كما فعلت إسرائيل، بما أنها تحتفظ بعلاقات عسكرية ودبلوماسية واقتصادية وطيدة مع الطرفين. ثم إن كلاً من موسكو وكييف تتوددان لأنقرة اليوم، بما أنهما حليفتان لها في الغرب، وبما أنها تسيطر على مضيق الدردنيل.

لذا، قد تستغل تركيا هذا الموقف الجيد لتنتزع تنازلات أكبر من قبل روسيا أو الولايات المتحدة في سوريا، حيث سبق لها أن اصطدمت مع كلا الطرفين. إذ إن أنقرة تحلم منذ أمد بعيد بتوسيع نفوذها في الشمال السوري الذي يسيطر عليه وكلاؤها هناك، لذا من المحتمل أن تربط موقفها تجاه الأزمة الأوكرانية بموقف موسكو أو واشنطن تبعاً لسيطرتها على منبج أو كوباني.

قد يختار أردوغان أن يبقي أوراقه على مقربة منه، وذلك لأن تركيزه المباشر ينصب على الاقتصاد التركي المتعثر وعلى تراجع شعبيته نتيجة لذلك. لذا يرجح أن ما يقلقه أكثر هو تأثير الحرب على أسعار النفط والغاز وعلى مصير إمدادات الغاز والقمح الأساسية التي تصله من روسيا، أكثر من اهتمامه باستغلال الأزمة لتعزيز موقفه في سوريا، هذا خلال الوقت الراهن.

مازلنا خلال الأيام الأولى من الحرب الروسية-الأوكرانية بكل تأكيد، لذا من الصعب أن نتوقع حجم الآثار التي ستلقيها تلك الحرب على سوريا أو على أي مكان آخر، ولكن بناء على الطبيعة العالمية للنزاع وعلى عدد العناصر والجهات الفاعلة في سوريا التي تأثرت بسبب هذه الحرب الجديدة، لا أحد يرجح لسوريا أن تنجو من تبعات هذه الحرب.

   المصدر: ميدل إيست آي