لطالما كان للنظرية السياسية شأن في صياغة المواقف السياسية العامة للدول، ولا سيما تلك المرتبطة بتقلبات تفسيرات ثنائية السيادة-الشرعية والتعاطي معها من منظور العلاقة مع الجماهير، إذ يعكس تعاطي الدولة مع الشرائح الاجتماعية وفقا للنظرية السياسية سواء كانت؛ الليبرالية أو الاشتراكية أو المركبة أو تلك الأوتوقراطية وجه دلالة المواقف في إطار العلاقات الدولية.
وتتبدل بشكل مستمر بتبدل أو الانتقال من مدرسة إلى أخرى وتؤدي في المجمل لتغيير في السياسيات الدولية وفق لأولويات تختلف باستمرار، فعلى سبيل المثال؛ من الصعب في مكان أن تحضر وحدة تحليل القيم السياسية الإنسانية في النظرية السياسية التي تقوم على مفهوم السيادة الميكافيلية أو الهوبزية.
ما يعني، أنّ صناعة المواقف تنسجم وتتقاطع مع ماهية "النظرية السياسية" أكثر من تسمية مدارس العلاقات الدولية نفسها، لا سيما عند ضرورات الوقوف مع ثورات شعبية أو مع أنظمة تحقق مصلحة براغماتية، وهذا لا يعني أن النظرية السياسية الليبرالية قد ترجح القيم الإنسانية على حساب المنفعة البراغماتية، بقدر أنّها تتأثر بإرهاصات الوعي الاجتماعي الداخلي بقضايا قائمة على تلك القيم مما يسهم في تعقيد إمكانية التقارب مع مجرم حرب أو ديكتاتور.
الحقيقة، إن تغيير مواقف الدول تجاه قضايا إقليمية أو دولية، له تفسيرات أعمق من البراغماتية العامة ومصالح الدول الأمنية أو الاستراتيجية، فالاستراتيجيات متغيرة وفقا للحاجة أو تغير المسارات وتبدل السياقات، ومن الأساس ما قد يدفع الدول لإعادة صياغة تعاطيها مع أي ملف سياسي يندرج في إطار العلاقات الدولية هو السلطة أو الدفاع عن البقاء أي شكل النظام السياسي والنظرية السياسية التي يقوم عليها النظام.
النظرية السياسية لدى النظام السياسي القائم على الأوتوقراطية أي احتكار السلطة ستكون محركات النظام المنفعة الشخصية البراغماتية
فمن الطبيعي عندما تكون علاقة الدولة مع الجماهير علاقة ديمقراطية تنبع من إيمانٍ بضرورة دمقرطة المجتمع، أن تتعاطف مع الشعوب التي تسعى لنسج ذات العلاقة مع دولتها أي أن يكون الموقف السياسي موقفاً منسجماً مع قضايا الشعوب التي تعمل على إجراء تحولٍ ديمقراطي في بلادها.
في حين، أنّ النظرية السياسية لدى النظام السياسي القائم على الأوتوقراطية أي احتكار السلطة ستكون محركات النظام المنفعة الشخصية البراغماتية أي الاصطفاف مع الأنظمة ضد الشعوب لأنها تشكل خطراً محدقاً على وجودية النظام.
لا توجد أسباب منطقية للاصطفاف أو الحفاظ على النظام السوري والعلاقة معه سوى خوف الدول نفسها على أفرادٍ يعتقدون أن دولهم بضاعة مادية وميراث شخصي للعائلة الحاكمة
وهذا يدفع للقول، إنّ الدول لا تتحرك وفق مدارس العلاقات الدولية التقليدية أو المتغيرة انطلاقاً من مصلحة قومية براغماتية للدولة ذاتها ككيان سيادي أكثر من طبيعة النظرية السياسية التي تشكل النوايا والرغبات والأهداف السياسية، وبالطبع البراغماتية في كل الأحوال حاضرة كأداة تطبيقية للنظرية، لكن هناك فرق كبير بين براغماتية الأوتوقراط أي الفرد أو المنظومة المستبدة التي تحول منافع الدولة من تلك التي تحقق مصلحة عامة إلى أخرى يجب أن تتقاطع مع مصلحة فرد المنظومة، وليس من الضرورة أن تتقاطع مصلحة السلطة مع الدولة.
إنّ التحولات السياسية التي تشهدها المنطقة بشكل مستمر متعلقة بالنظرية السياسية، فلا توجد أسباب منطقية للاصطفاف أو الحفاظ على النظام السوري والعلاقة معه سوى خوف الدول نفسها على أفرادٍ يعتقدون أن دولهم بضاعة مادية وميراث شخصي للعائلة الحاكمة، كما لا توجد مصلحة من إجراء أي تحول ديمقراطي في سوريا، طالما أنّ ذاك التحول قد يؤدي لزرع ثقافة التحرر عن الأنظمة المستبدة وسينفي نظرية المؤامرة التي قامت عليها دول المنطقة منذ عقود.
الحقيقة، إنّ الإشارة إلى مواقف الدول من القضايا وتبدلاتها لا يمكن أن تقتصر على مصطلح البراغماتية السياسية، وهذا ما تجب الإشارة له، السلطات وطبيعتها وفلسفتها مختلفة من الصعب ضمان حرصهم على أمنٍ عام قومي، دون قراءة واقعية للحال الداخلي في البلاد، ودائماً مؤشرات الحرية وشكل النظام السياسي وآليات/أدوات الحكم تساهم في بناء صورة أقرب إلى العقلانية عبر الاستدلال المنطقي، للأسباب التي نسجت علاقة تحالفات مع سلطات أخرى مستبدة، خاصة أنّ الطبيعي الإنساني في صراع بين سلطة-مجتمع أن تصطف تلك الدول مع الشعوب لا مع السلطات وربما هنا تبرز النظرية السياسية ومفاهيمها الخاصة ومحركاتها وأدواتها.