في سياق تهديداته المستمرة، صعّد رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطابه بقوله: "العملية العسكرية التي ستقوم بها قواتنا في قطاع غزة هدفها تغيير خريطة فلسطين والقطاع وتغيير وقائع الشرق الأوسط"، وعلى الرغم من تقليل الأطراف الإقليمية من أهمية هذا الكلام إلا أنه يحمل في طياته تصور نتنياهو لإطالة أمد وجوده في السلطة الإسرائيلية.
واستدعى هذا الكلام رداً إيرانياً على لسان وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان في مؤتمره الصحفي الذي عقده في بيروت مؤكداً أن استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد المدنيين في قطاع غزة ستشعل الجبهات من قبل محور المقاومة، مؤكداً أن تدخل حزب الله في المعركة سيؤدي إلى "زلزال كبير يدمر إسرائيل ويساهم في تغيير الوضع في المنطقة وخريطة الوجود الإسرائيلي في فلسطين".
والأكيد أن الطرفين يعملان منذ مدة على تغيير خريطة النفوذ الإقليمي، كل من موقعه، لذا تبقى التهديدات الإيرانية في إطار الضغط لتحقيق أهداف سياسية بعد الضربة العسكرية الكبرى التي نفذتها حركة حماس ضد إسرائيل. وبحال لم تنجح المساعي وأصرت إسرائيل على عمليتها البرية فإن الجبهات ستشتعل من كل المساحات المحتملة.
وفي أثناء هذه الردود والتهديدات يتواصل القصف الإسرائيلي العنيف على غزة، ويعود وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بخفي حنين من الرياض والدوحة والقاهرة بعد أن سمع كلاماً حاسماً من القطريين والمصريين والسعوديين برفض تهجير الغزاويين إلى سيناء، وصدم من الوزير من عدم إدانة بن سلمان والسيسي هجوم حركة حماس
والأكيد أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الذي يحط في بيروت مساء اليوم، وضع اللمسات الأخيرة على خماسية إقليمية تضع نصب عينيها الضغط على واشنطن وتل أبيب من أجل وقف فوري لإطلاق النار والعودة لقواعد الاشتباك المتفق عليها قبل انفلات الأمور نهائيا نحو حرب كبرى قد لا يكون الهروب منها صعباً.
حماوة سياسية وتحشيد ميداني
ورغم الاعتقاد السائد لدى العواصم المعنية بالوضع في المنطقة بأن المعطيات الجدية لا تؤشر حتى اللحظة بأن الحرب ما بين حزب الله وإسرائيل هي على الأبواب، إلا أن تطور العمليات العسكرية وارتفاع منسوبها مرة بعد أخرى على وقع دنو الحملة العسكرية الإسرائيلية البرية على غزة يرسم علامات استفهام مخيفة وغير متوقعة.
لذا فإنه من المفترض أن يبقى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في الشرق الأوسط هذا الأسبوع. في حين يبقى السؤال الأبرز هل ثمة جديد حول تسويات يعمل عليها؟ أم أن لذلك علاقة بقيام مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني بمهمة للتوسّط لإيجاد حلول إقليمية هي الأولى لمسؤول صيني في الشرق الأوسط في ظروف عسكرية؟
بالمقابل يشدد مصدر أمني عربي رفيع لموقع تلفزيون سوريا أن الأجواء التي نقلت عن وزير الخارجية الإيراني لم تكن سلبية، وما سمعه مندوب الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند من عبد اللهيان والذي التقاه في بيروت بعد عودته من زيارته لدمشق بأن إيران لا ترغب بالتصعيد ولا أن تتطور الأمور إلى حرب إقليمية، لكنها تضع خططا موازية قد تترافق مع العملية البرية الإسرائيلية في حال حصولها.
ويشير المصدر إلى أن الاستعدادات العسكرية الإسرائيلية متصاعدة للبدء بالعملية البرية، والتي ستفتح الباب أمام حرب معقدة ومليئة بالمفاجآت وقد تطول لأشهر، خصوصا مع تحصن آلاف المقاتلين الفلسطينيين في أنفاق كبيرة تحت الأرض، ويدرك جيش الاحتلال الإسرائيلي جيداً أن التفوق التكنولوجي لا يؤمن حسما سريعا للمعركة.
وأوضح المصدر أن حروب المدن كانت الأصعب والأكثر تعقيدا على الدوام، حيث تمتاز مدينة مثل غزة بالأزقة الضيقة وشبكة من الأنفاق تمنع الآليات والمدرعات من التقدم أو حتى التحرك. وهذا ما ظهر من خلال عملية العبور التي نفذتها حركة حماس لناحية التنظيم والدقة العسكرية، والمعلومات التي كانت بحوزتها، وهي ما مكنها من وضع خطة محكمة أدت إلى معرفة أماكن وجود شبكة الاتصالات العسكرية وأنظمة المراقبة وتعطيلها كلها ومن ثم نصب الكمائن لقوات المساندة الإسرائيلية.
ويشير المصدر أن القوات البرية الإسرائيلية ليست في المستوى القتالي المتوقع، والانطباع السائد هو بأن إسرائيل ستستخدم القوة التدميرية التي تمتلكها كتعويض إلزامي، مثل ما يعرف بالقنابل الذكية والتدميرية وتلك المعروفة بخارقة التحصينات والمخصصة لاختراق باطن الأرض. وهذا ما يحتم عليها الانتظار طويلاً.
ويعتقد المصدر أن نتنياهو الذي استدعى خبراء عسكريين إسرائيليين شاركوا بحروب عديدة، بات مقتنعاً وفق الاستشارات التي قدمت له على ضرورة اعتماد أسلوب حصار إسرائيل لمنظمة التحرير وحلفائها في بيروت عبر حصار شامل يترافق مع قطع الإمدادات وتدمير البنى التحتية وقطع شامل للماء والكهرباء، مع خطة متركزة على الدخول إلى الجانب الشمالي من غزة، لدفع الأهالي والمقاتلين إلى الجنوب، وإجبار العالم على التفاوض معه من موقع قوة يقضي لسحب عناصر كتائب القسام إلى خارج غزة، في حين هذا المقترح لاقى رفضا أميركيا وتحديدا من وزيري الدفاع والخارجية الأميركيين اللذين اعتبرا أن العالم يشاهد هذا الأمر ما قد يزيد الضغط على حكومات المنطقة.
مقترح أميركي على الدوحة.. حماس تشترط
وثمة اعتقاد أن الأهداف المرجوة من الحرب باتت واضحة، من خلال دفع فلسطينيي غزة إلى النزوح باتجاه سيناء وإزالة غزة من الوجود. وهذا المسار تحديدا ما تعارضه مصر والسعودية وتركيا، أكثر مِنَ القضاء على حركة حماس أو نفوذ إيران على الساحة الفلسطينية. عندها تصبح احتمالات الحرب المفتوحة أكثر ارتفاعا لأنها ستعني ترسيخ معادلة شرق أوسطية جديدة مناقضة لتلك القائمة حالياً.
وخلال الساعات الماضية أعلنت الولايات المتحدة إرسال حاملة طائرات ثانية إلى الشرق الأوسط، وإذا كانت الرسالة التي واكبت إرسال "جيرالد فورد" هي التلويح الجدي بالقوة، فإن إرسال "آيزنهاور" الأكثر عملانية يعني التحضير الفعلي لاستخدام القوة المفرطة. كما أن وجهة الرسالتين كانتا قد حددتا سلفا وبوضوح: عدم اتساع رقعة الحرب. أو بمعنى آخر باتجاه الحد من مشاركة حزب الله وإيران في أي معركة.
وتشير المعلومات إلى أن الحكومة الإسرائيلية تشهد صراعات داخلية حول آليات العمل عسكرياً، وهي تواجه تحدياً يتمثل في إصرار واشنطن على إفساح المجال أمام هدنة مؤقتة، يجري خلالها إتمام "صفقة إنسانية"، تهدف من خلالها إلى تأمين خروج حاملي الجنسية الأميركية وجنسيات أخرى من سكان القطاع، وإطلاق الأسرى الأميركيين لدى كتائب القسام.
وبحسب المعطيات فإن الجهد الأساسي الذي تبذله إدارة بايدن مع مصر وقطر يتركز على هذه النقطة. وقد عُرض على قطر مشروع اتفاق يقضي بإطلاق الأسرى المدنيين كافة، بمن فيهم الأميركيون وإفساح المجال أمام خروج الأجانب من غزة، مقابل إدخال مساعدات طبية وغذائية إلى القطاع. وهو مقترح ناقشه القطريون مع حماس.
وتؤكد المعلومات أن حماس اشترطت مقابل تنفيذ هذه الشروط، هدنة طويلة لا تقتصر على ست ساعات كما يعرض الأميركيون والإسرائيليون بل تستمر لخمسة أيام، على أن يصار وضع ترتيبات تضمن دخول المساعدات الإنسانية مقابل إطلاق المدنيين من الأسرى، وأن العملية الإنسانية يجب أن تكون مضمونة ومكتوبة، وأن يسمح لأطقم طبية من خارج القطاع بالدخول مع مساعدات كبيرة تحتاج إليها المستشفيات الفلسطينية من جهة، وسيارات إسعاف مجهزة لنقل أكثر من أربعة آلاف جريح إلى خارج القطاع للعلاج، وقد أبدت عدة دول استعداداً لاستقبالهم، من بينهم مصر وتركيا وقطر.
تصلب سعودي مصري
وقال مصدر دبلوماسي عربي رفيع المستوى لموقع تلفزيون سوريا إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كان حازماً مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من خلال التأكيد على أن الحل مع غزة لا يكون إلا بالسياسة وفك الحصار القائم منذ 18 عاماً، لذا فالمطلوب الدفع باتجاهات مختلفة.
وكشف المصدر أن بلينكن سعى جاهداً لأن تصدر الرياض بياناً يحمّل حماس المسؤولية عما جرى، في حين الموقف السعودي كان رافضاً لهذا الموقف على اعتبار أن تلك المواقف تعزز تصلب سكان المدينة بخيارهم احتضان الحركة.
وأشار المصدر إلى أن بن سلمان أكد لضيفه الأميركي رفض الرياض لأي خطة تهجير للغزاويين باتجاه سيناء، لأن خطورة هذا الأمر أنه يعطي الحق والقدرة لأي طرف بتهجير السكان الأصليين باعتماده على دعم خارجي مفتوح، لذا فإن الرياض حريصة على تكثيف جهودها في دعم مشروع حل الدولتين وليس تهجير السكان نحو دولة أخرى، وهذا الأمر بحسب المصدر تتشاركه الرياض مع القاهرة وأنقرة وستسعى لممارسة أقصى الضغوط لوقف إطلاق النار ودخول المساعدات والذهاب عبر قطر ومصر للتفاوض حول الأسرى المدنيين والعسكريين الذين تحتجزهم حماس في غزة وطي هذه الصفحة.
بالمقابل يشير المصدر إلى أن دولة قطر أسمعت المسؤول الأميركي كلاماً واضحاً يقضي أن تضغط واشنطن على تل أبيب بوقف فوري لإطلاق النار والقصف المدمر الذي يفضح الانحياز العالمي مع إسرائيل، مع ممارسات التطهير العرقي الحاصل بحق أهل غزة، ويقول المصدر إن القطريين الذين دخلوا منذ اللحظة الأولى بحوارات مع أعضاء المكتب السياسي لحماس حول المحتجزين لديها حريصة على إتمام الصفقة لكن دون أن تكون على حساب الشعب الفلسطيني.
وحول موقف مصر يشير المصدر إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أبلغ وزير الخارجية الأميركي رفضاً مصرياً على الإخلال بالأمن القومي المصري، وتحديداً "عملية الترانسفير" المقترحة، وهو جاهز لفتح المعبر لخروج الأجانب والأسرى، وهذا الأمر أبلغه والقيادات العسكرية المصرية إلى كل الأطراف، على اعتبار أنه يجب اتخاذ الإجراءات التي تضمن حصر الخارجين من القطاع بلوائح تُقدم له من قبل الأميركيين وحركة حماس، وأن يصار في الوقت نفسه لانتقال هؤلاء إلى نقل المساعدات، وأن أي محاولة لقيام إسرائيل بفتح النار لترويع الناس ودفعهم إلى المغادرة نحو مصر ستوقف العملية، وأن القرار واضح برفض دخول أي نازح من غزة إلى مصر.
فيدان وعبد اللهيان.. طائرات لا تهدأ
ويستوجه وزير الخارجية الإيراني الموجود حالياً في العراق، صباح الأربعاء إلى السعودية للقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ونظيره فيصل بن فرحان، وهذه الزيارة هي ترجمة للاتصال الأول بين الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وبن سلمان، ومن المتوقع أن يتفق الطرفان على مواقف متعلقة بوقف إطلاق النار وعدم تمدد المعارك إلى كل المنطقة.
بالتوازي يصل وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى بيروت مساء اليوم الإثنين للقاء الأطراف اللبنانية، وقالت مصادر في الخارجية اللبنانية إن هدف زيارة فيدان إظهار الدعم التركي للبنان والدفع باتجاه التهدئة وعدم الدخول في الحرب التي قد تؤدي إلى ضرب ما تبقى من استقرار في البلاد.
وبحسب المصدر من الخارجية اللبنانية، سيلتقي فيدان رئيسي الحكومة نجيب ميقاتي ومجلس النواب نبيه بري إضافة لقائد الجيش جوزيف عون ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب وبعض الوزراء والمسؤولين اللبنانيين.
ويؤكد المصدر أن لبنان يعوّل على الدور التركي والعربي لمنع تمدد الحرب ووقف إطلاق النار، وخاصة أن العلاقة التركية مع إسرائيل والدول المعنية تطورت ومن الممكن أن تنجح أنقرة بإقناع حماس وإسرائيل على وقف الحرب والاكتفاء بما جرى.