مهما تغيرت الأحداث في العالم ومهما تنوعت يبقى الشرق الأوسط هو قلب العالم السياسي والجغرافي لأنه يربط بين قارات ثلاث وبحار سبعة، علاوة على ما يمتلكه من طاقة أو طرق الطاقة والتجارة وعليه فإن الطموحات الغربية في الشرق الأوسط ستبقى قائمة وسيقابلها طموحات دول المنطقة ومن يقف خلفهم من دول متحالفة معهم، وبالتأكيد القضية الفلسطينية لا تزال هي المشكلة الرئيسية للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
على مدى عقدين ونيف كانت حركة حماس عبارة عن مقاومة فلسطينية ضد التدخلات الإسرائيلية وأغلب أعمالها العسكرية عبارة عن ردة فعل وليس العكس، واليوم تحولت المقاومة الفلسطينية من الدفاع إلى الهجوم وتحولت المقذوفات البدائية في تسعينيات القرن الماضي إلى طائرات بدون طيار وصواريخ موجهة رغم الحصار الشديد والمضايقات والهجمات المستمرة التي يتعرض لها الفلسطينيون، ولا يمكن عزل هذا التطور التكنولوجي لحماس دون مساعدات من الخارج وهذه المساعدات تعطيك مدى الصراع الاستراتيجي بين بعض دول المنطقة وإسرائيل مما أفضى عن حماس صاحبة المبادرة العسكرية طوفان الأقصى. وهنا لا يجب إنكار الأسباب الداخلية التي كان لها دور في تفجير هذه العملية العسكرية فالاحتقان على الجانب الفلسطيني واستمرار حصار غزة وتوسيع الاستيطان وانتهاكات المستوطنين للمسجد الأقصى وحكومة نتنياهو المتطرفة كلها كان لها دور في هذه الحرب.
عملية التطبيع العربي مع إسرائيل ستأخذ بالانحسار والتوقف المرحلي رغم وجود علاقات دبلوماسية رسمية من عدة دول مع إسرائيل، ذلك لأن صورة إسرائيل القوية قد اهتزت بعد هذه العملية
بالطبع ستكون هنالك تداعيات إقليمية لهذه العملية وتغيرات جيوسياسية في جميع دول المنطقة، فعملية التطبيع العربي مع إسرائيل ستأخذ بالانحسار والتوقف المرحلي رغم وجود علاقات دبلوماسية رسمية من عدة دول مع إسرائيل، ذلك لأن صورة إسرائيل القوية قد اهتزت بعد هذه العملية، كما أن تعاطف العرب والمسلمين مع فلسطين سيزيد من الضغط على الحكومات العربية للابتعاد عن إسرائيل. كما ستكون هنالك ضربة أخرى على الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا فهذا الممر لا يمكن تأمينه دون إيجاد صيغة سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، وهذه الصيغة لن تكون إلا بحل الدولتين فهل تفكر إسرائيل بهذا الأمر بعد انتهاء حربها مع حماس والتي لا يبدو لها أُفق محدد.
ومن المؤكد أن هذه الأزمة ستساعد في تحسين صورة إيران في الشرق الأوسط، ومن ناحية أخرى تقوية تحالفها مع روسيا التي يبدو أنها ستصطف لصالح حماس في ظل وجود حكومة اليمين المتطرف (نتنياهو) التي دعمت أوكرانيا في حربها مع روسيا وستكون روسيا سعيدة برؤية صرف انتباه الغرب عن الحرب الأوكرانية وتقليص الإمدادات العسكرية عنها.
في هذه الحرب الرابحون كثر والخاسر الوحيد هو تل أبيب، فالتموضع الجيوسياسي لكثير من دول المنطقة قد يصبح أفضل وعلى حساب إسرائيل
في هذه الحرب سيتصاعد دور بعض دول المنطقة مثل مصر والأردن بشكل كبير وإعلان مصر رفضها لأي تغيير ديمغرافي في غزة بحجة الحرب على حماس، وهي تعلم أنها الأن ربما البوابة الوحيدة لإمداد الشعب الفلسطيني بما يحتاجه من مواد أولية وغيرها، لذلك سنشهد توافدا واتصالات مكثفة مع القاهرة في هذه الحرب وربما تفرض بعض شروطها مستفيدة مما يجري، وأما تركيا التي أعلنت على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان رفضها للسياسات الإسرائيلية وأن على إسرائيل أن تتصرف كدولة وليس كمنظمة وأن أي صيغة احتلال للأقصى الشريف مرفوضة، طبعاً ما يحصل من حرب الأن يصب في مصلحة أنقرة فالطريق التجاري من الهند إلى إسرائيل يبدو أنه قد يتحول نحو الأناضول وحتى خطوط الطاقة من إسرائيل نحو أوروبا ستتجه نحو بلاد الأناضول.
في هذه الحرب الرابحون كثر والخاسر الوحيد هو تل أبيب، فالتموضع الجيوسياسي لكثير من دول المنطقة قد يصبح أفضل وعلى حساب إسرائيل، وحتى الخسائر الاقتصادية التي تطول إسرائيل بسبب هذه الحرب تحتاج فترة لترميمها، فالغرب الذي كان يمد تل أبيب هو في ضائقة اقتصادية نوعاً ما بل العالم كله يشهد تضخماً اقتصادياً، وحتى لو قررت اجتياح غزة فالخسائر ستكون أكبر مما يتوقعها أحد وربما تجر إسرائيل لخسائر هي بغنى عنها.