أعلن حزب الله اليوم الأحد استهداف دبابة ميركافا في موقع الراهب ما أدى إلى سقوط طاقمها بين قتيل وجريح بحسب بيان الحزب، في حين قال متحدث باسم جيش الاحتلال إنه استهدف مواقع حزب الله ومصادر النيران بعد مقتل مدني وإصابة 3 آخرين في الهجوم.
ويعد الاستهداف اليوم الخامس لحزب الله ضد مواقع إسرائيلية منذ انطلاق معركة "طوفان الأقصى" في غزة والتي دخلت يومها التاسع، ولم يذكر الحزب في بيانه أن استهداف الميركافا اليوم كان نصرة لغزة وإنما "في سياق الرد على الاعتداءات الإسرائيلية التي استهدفت الصحفيين وأدت إلى استشهاد الصحفي عصام العبد الله وجرح عدد من الصحفيين وأيضاً القصف الذي أدى إلى إصابة منزل في شبعا وأدى إلى استشهاد المواطنين خليل أسعد علي هاشم ورباد حسين العاكوم".
يصيغ حزب الله بيانات لتبرير الرد والاستهدافات العسكرية دون أن تفقده ماء الوجه، ويحاول حصر المواجهة في سياق الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب اللبناني.
واللافت في استهدافات حزب الله لمواقع إسرائيلية منذ بدء طوفان القسام، أن جميعها تمت بصواريخ موجهة والأرجح أنها من طراز كورنيت الروسية، والتي تمنح دقتها الحزب على ضبط القتلى والجرحى في صفوف الإسرائيليين، ولتذكير تل أبيب بالترسانة النوعية التي يخزنها حزب الله منذ حرب 2006.
ويركز المحللون على أي تصعيد يحصل على الجبهة الشمالية بناء على المخاطر الكبيرة من اندلاع فتيل حرب شاملة، انطلاقا من الترسانة الصاروخية الكبيرة لحزب الله والتي تعادل مئات أضعاف ترسانة "القسام" وهي ترسانة قادرة على إشغال "القبة الحديدية" الإسرائيلية بما يسمح لسقوط مئات الصواريخ لمسافة 90 كم، بالإضافة للأسلحة النوعية مثل مضادات الدروع وخاصة الكورنيت والطائرات المسيرة، وأنظمة التشويش والاتصال الإيرانية المتطورة، وعدد العناصر البالغ 100 ألف عنصر بحسب ما أعلنه حسن نصر الله عام 2021.
وكشف حزب الله في مناورات "سنعبر" في أيار الفائت عن نسخة معدلة من الكورنيت تطلق صاروخين متتاليين ما يزيد فرص تدمير المدرعات والدبابات وإشغال نظام حمايتها المتقدم المعروف باسم "تروفي".
الحفاظ على قواعد الاشتباك القديمة
ومنذ اليوم الثاني لمعركة "طوفان الأقصى" شهدت الجبهة الشمالية مناوشات متقطعة لم تخرق قواعد الاشتباك المتفق عليها ضمنياً بين حزب الله وإسرائيل، وبينما ذهب المحللون لوصفها بالرسائل النارية بين الطرفين، قالها رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله اللبناني هاشم صفي الدين علانية: "أرسلت المقاومة الإسلامية رسالة تحية وشكر وتقدير على طريقة المقاومين بالنار في منطقة مزارع شبعا لتقول المقاومة إن من حقنا أن نستهدف العدو الذي يحتل أرضنا.. يجب أن يتمعن الإسرائيلي برسالة المقاومة جيداً".
وجاء الاستهداف الأول لحزب الله بعد 24 ساعة من بدء معركة "طوفان الأقصى" وهي فترة كافية ليتحصن جنود الاحتلال ضمن استنفار الحرب التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فحزب الله يضبط إيقاع رده العسكري بألا يكون مغمساً بالدم الإسرائيلي.
ومن الطرف الآخر لا ترغب إسرائيل باستفزاز أكبر، ففي اليوم الثالث لعملية القسام الخاطفة نأت طهران بنفسها وأعلنت عدم مشاركتها فيما حصل، وذلك على لسان بعثتها في الأمم المتحدة، وفي اليوم ذاته عندما تسللت مجموعة من المقاتلين من لبنان، لم يعلن الحزب مسؤوليته، ولم تتهمه إسرائيل بذلك، في محاولة منها لامتصاص أي تصعيد على هذه الجبهة، لتعلن سرايا القدس لاحقاً مسؤوليتها عن التسلل.
وبعد تسعة أيام من المحرقة المتواصلة في قطاع غزة وارتفاع عدد الضحايا إلى 2329 قتيلاً فلسطينياً و9042 جريحاً، لا تظهر مؤشرات لدى إسرائيل وحزب الله ومن خلفه إيران للتصعيد في الجبهة الشمالية والانخراط في المعركة القائمة في غزة، وهو ما ترغب به الولايات المتحدة والدول العربية لتجنب الانزلاق إلى صراع أوسع في المنطقة التي تنتشر بها القواعد العسكرية الأميركية والتي سبق أن تعرضت للاستهداف في العراق وسوريا عدة مرات.
وقالت تقارير صحيفة أجنبية إن إسرائيل عندما ردت على ضربات حزب الله خلال الأيام الماضية، حذّرت مقاتلي الحزب عن طريق الاتصال بهم على الهواتف المحمولة لتحذيرهم مسبقاً، وقالت "مجموعة الأزمات الدولية" في تقرير لها إن إسرائيل ادعت وجود خسائر في صفوف قواتها لإقناع حزب الله بأنهم نجحوا في مهمتهم ويمكنهم الانسحاب، ومن جانبه، قلل حزب الله في بعض الأحيان من شدة الضربات الإسرائيلية حتى لا يشعر بأنه مضطر إلى الرد، وحصرت هجماتها وهجماتها المضادة في مزارع شبعا غير المأهولة، وهي منطقة حدودية تحتلها إسرائيل.
وبعد وصول حاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد آر فورد" والسفن الحربية المرافقة لها إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، والتحذير الأميركي من تدخل أي طرف خارجي في معركة غزة قال تساحي هنغبي مستشار الأمن القومي لنتنياهو: "نأمل ألا يتسبب حزب الله حقيقة في تدمير لبنان، لأنه إذا اندلعت حرب، فلن تكون النتيجة أقل من ذلك".
وقبل ذلك هدد وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت في شهر آب الفائت بـ"إعادة لبنان إلى العصر الحجري"، إذا بدأ حزب الله حرباً ضد إسرائيل، وجاءت التهديدات ضمن جولة ميدانية لمناورة "القبضة الساحقة" على الجبهة الشمالية، وتحاكي هذه المناورة سيناريو حرب متعددة الجبهات تشمل هجوما ضد المنشآت النووية في إيران.
هذه التهديدات يأخذها حزب الله على محمل الجد، فبعيداً عن المستوى الإقليمي والدولي الذي يسعى لتجنب حرب واسعة، فإن الداخل اللبناني لا يشبه واقع 2006، لأن أقل تكاليف الحرب على مستوى النزوح ليست محمولة، بالتزامن مع الانهيار الاقتصادي منذ أربع سنوات والانقسام السياسي الآخذ بالاتساع لدرجة أن القاعدة الشيعية لحزب الله لن تجد مأوى لها لتنزح إليه.
هل يدخل حزب الله المواجهة؟ متى؟
أكدت عدد من التقارير الصحفية نقلاً عن مصادر مطلعة أن حماس شنت هجومها الاستثنائي والتاريخي يوم السابع من الشهر الجاري دون إبلاغ إيران ووكلائها في المنطقة بالتفاصيل، واقتصرت على إبلاغهم بأنها تجهز لمعركة كبيرة فقط، وهذا يعني أن لـ "القسام" هامش تخطيط وتنفيذ لا يمتلكه حزب الله، وبالتالي فإن قرار انخراط الحزب في الحرب قرار إيراني وهذا ما يعقد توقع الحد الذي ستصل إليه المعركة لتوعز طهران للحزب بالتدخل.
تنحو معظم توقعات الخبراء باتجاه أن الحزب سيكون مجبراً على التدخل في المعركة عندما تصل إلى مرحلة التوغل البري لجيش الاحتلال داخل قطاع غزة، وهو احتمال تزداد مؤشراته مع تمسك إسرائيل بخيار تهجير القسم الشمالي من القطاع، في حين أوضح البعض أن المخاطر في المنطقة لو تدخل حزب الله بكامل ثقله تتطلب حداً أعلى من التوغل البري، وتوقعت أن الحزب لن يتدخل في حال بدأت إسرائيل بالتوغل، بل قد يتدخل في حال قاربت حماس على الانتهاء ولم تتمكن من مقاومة التوغل البري.
وبناء على ما سبق، فإن تدخل حزب الله عندما تبلغ المعركة حدها المرتقب وغير الواضح حالياً، سيكون محاولة لتدارك أي ضربة قوية لمحور المقاومة وخسارة الحزب وطهران الأساس الأول لخطابهما الموجه للقاعدة العقائدية الشعبية، وكي لا تتحول كل خطابات "المحور" و"وحدة الساحات" إلى عبارات جوفاء.
ومن الممكن أن يعتمد حزب الله مبدأ التصعيد التدريجي، وعندما يضطر للانخراط بثقل كبير في المعركة قد يستخدم الساحة السورية إلى جانب الجنوب اللبناني.
وأفادت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا أن "وحدة الجولان" في "حزب الله" نفذت عملية إعادة انتشار واسعة لميليشياتها في محافظات ريف دمشق والقنيطرة ودرعا والسويداء، واستدعت الوحدة حشوداً عسكرية ضخمة قوامها أفراد من جنسياتٍ إيرانية وعراقية ولبنانية وصلت إلى المنطقة الجنوبية من لبنان والعراق عبر العاصمة دمشق.
وأثارت هذه التحركات مخاوف إسرائيل ما استدعاها إلى قصف مطار دمشق مرة ومطار حلب مرتين خلال اليومين الماضيين، لجعل مهمة الإمداد من إيران أكثر صعوبة.
ويبقى احتمال عدم تدخل إيران وبالتالي حزب الله وارداً، حيث من الممكن أن تقدم الولايات المتحدة لطهران مزيداً من المغريات بعد الاختراق الذي توصلت إليه الدولتان في اتفاق المليارات الستة وتبادل السجناء، ومزيداً من الترهيب أيضاً، مقابل ترك حماس وحيدة في المواجهة.
وجاء في تقدير موقف للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات: "تتمثل الفرضية الأساسية لدى القيادة الأمنية والسياسية الإسرائيلية في أنّ حزب الله لن يدخل في هذه الحرب، وبأن قوته العسكرية معدّة للدفاع عن مشروعه في لبنان، وأساسًا عن المشروع النووي الإيراني، ولردع إسرائيل عن القيام بمهاجمته. ولكنها تعتقد أيضًا أن حزب الله لن يمنع فصائل فلسطينية موجودة في لبنان من القيام بعمليات عسكرية محدودة عبر الحدود، وسيحافظ على معادلة الردع القائمة بينه وبين إسرائيل من دون الدخول في حرب شاملة ضدها. وثمة خشية في إسرائيل أيضًا من أن يؤدي خطأ في التقديرات أو حتى في ردات الفعل المحسوبة بين الطرفين إلى الدخول في مواجهة شاملة لا يرغبان فيها. لذلك ستُبقي إسرائيل قواتها على الجبهة الشمالية في حالة استنفار لردع حزب الله، وللرد على العمليات المحدودة التي تقوم بها بعض المجموعات الفلسطينية في جنوب لبنان".
ملحق
أبرز المناوشات بين حزب الله وإسرائيل في السنوات العشر الأخيرة:
- آذار 2014: حزب الله يتبنى تفجير عبوة ناسفة استهدفت دورية إسرائيلية، رداً على الغارة الإسرائيلية التي استهدفته في وقت سابق في منطقة حدودية مع سوريا.
- تشرين أول 2014: فجر حزب الله عبوة ناسفة في دورية إسرائيلية ما أدى إلى إصابة عناصرها، رداً على مقتل أحد عناصره خلال محاولته تفكيك جهاز تنصت إسرائيلي في جنوب لبنان.
- كانون الثاني 2015: استهدف حزب الله دورية إسرائيلية تتضمن عدة آليات، رداً على اغتيال الأخيرة لمجموعة من عناصره في منطقة القنيطرة، وقصفت إسرائيل عدداً من القرى المتاخمة للحدود مما أدى إلى مقتل جندي من قوات الأمم المتحدة.
- كانون أول 2016: استهدف حزب الله آليتين إسرائيليتين، رداً على اغتيال إسرائيل للقيادي سمير القنطار في منطقة جرمانا السورية.
- أيلول 2019: استهدف حزب الله آلية عسكرية إسرائيلية عند طريق ثكنة أفيفيم، رداً على مقتل عنصرين له بغارة إسرائيلية في سوريا.
- آب 2021: تبادل حزب الله وإسرائيل إطلاق الصواريخ والغارات لأيام على الحدود الجنوبية للبنان.