"بلاغة الشارع.. بحوث تطبيقية في النقد الثقافي" كتاب صدر حديثاً للكاتب والناقد غسّان إسماعيل عبد الخالق، عن دار "الآن، ناشرون وموزعون"، يرصد الكاتب ويحللّ من خلاله نحو ثلاثين لفظاً برزت خلال موجة ثورات الربيع العربي من منظور نسقي وبلاغي جديد.
ويُبرز المؤلف في كتابه مسائل أساسية في نقده الثقافي لخطاب الجمهور، متمثّلة في الخروج من متاهة التنظير إلى التطبيق، وتجاوُز "عقدة الأجنبي" من خلال استعادة نقّاد في المدوّنة العربية مثل الجاحظ والتوحيدي وابن حزم وابن خلدون، والتوقّف عن التهرّب من أهداف ومرامي النقد الثقافي عبر التقاط جوهره.
وعنوان "بلاغة الشارع" كما ورد في مقدمة الكتاب، يستمدّ كثيرًا من مواصفات النقد الثقافي الذاهب باتجاه "إعلاء أدب الجمهور"، إذ تبرز بلاغة الشارع من خلال "مركباته وأبواقه وأرصفته وأشجاره وروائحه وبيوته ومحلّاته وواجهاته وأصوات ناسه وملابسهم وملامحهم". وهذا الأدب (أدب الجمهور) وفق مؤلف الكتاب، يعدّ "التمثيل الأعلى لثقافة الشعار والملصق والنكتة والمذياع، وهو التجسيد الحقيقي لتيار الحياة المتدفّق دون انقطاع".
إعلان موت الأدب ونقده
يتطرق المؤلف في تمهيد كتابه إلى قضايا عدة منها "إعلان موت الأدب" بوصفه ثقافة النخبة، ثم إعلان موت النقد الأدبي بوصفه المنهج الوحيد لدراسة أدب النخبة وإعادة الاعتبار للثقافة بوصفها أدب الشعب، ثم الإعلاء من شأن المقاربات غير الأدبية والعابرة للتخصصات مثل الاقتصاد السياسي وعلم الاجتماع وعلم النفس وعلم التاريخ، وأن الأدب المحض والنقد الأدبي المحض أسطورتان أكاديميتان، وأن النقد الثقافي في أبرز جوانبه يمثّل انقلابًا على المسلّمات الأكاديمية التقليدية التي تضطلع بدور المرسِّخ والمبرر لسلطة المؤسَّسة الرسمية.
فصول الكتاب ومضامينها
الفصل الأول من الكتاب (بلاغة الشارع ومعجم ألفاظ الربيع العربي)، حاول فيه المؤلف إبراز الجانب السياسي في البلاغي، والجانب البلاغي في السياسي. أما الفصل الثاني (مدخل إلى نظرية الفوضى في الأدب العربي)، فقدّم المؤلف من خلاله الجانب الأدبي في العلمي والعلمي في الأدبي.
وحمل الفصل الثالث عنوان (أين أبو الفتح الإسكندراني في رسالة أبي دُلُف الخزرجي؟)، ويقدم فيه الكتاب دراسةً لـ "الرسالة الأولى" للرحّالة أبي دُلُف مسعر بن مهلهل الخزرجي الينبوعي، مشيرًا إلى أنه على الرغم من الإيجاز الشديد الذي اتسمت به هذه (الرسالة/ الرحلة) إلا أنها أثارت العديد من التساؤلات، سواء على صعيد مدى صحة نسبتها لأبي دُلُف، أم على صعيد مدى دقة المعلومات الجغرافية التي اشتملت عليها، أم على صعيد إمكانية قيام أبي دُلُف بهذه الرحلة فعلًا. مشيرًا إلى أن أبا دُلُف الشاعر المغامر، هو نفسه أبو الفتح الاسكندري في مقامات بديع الزمان الهمذاني.
وحمل الفصل الرابع عنوان (ناصر الدين الأسد وتحرير المصطلح السياسي والاقتصادي)، وتناول فيه الكاتب إسهامات ناصر الدين الأسد، وما تنطوي عليه كتبه وأبحاثه الأدبية من رصانة وجدّة وجدل حول التعليم أو السياسة أو الاقتصاد، وما تضمنته آراؤه من أفكار واستشرافات تمثل خلاصة خبراته في الإدارة الجامعية والثقافية، والعمل الدبلوماسي، والحوار بين الديانات والثقافات.
أما في الفصل الخامس (عصْف الصّور في زمن الاستعمار) فيبرز فيه المؤلف الجانب الأدبيَّ في الحضاري والحضاري في الأدبي من منظور نقد ما بعد الاستعمار.