يوجد تناص بين رواية "اسمي أحمر" للروائي التركي أورهان باموق (1998) ورواية "اسم الوردة" للروائي الإيطالي أمبرتو إيكو (1980)؛ من حيث الفكرة والثيمة وكثير من التفاصيل. وهذا التّناص لم ينقص من القيمة الفنية لرواية "اسمي أحمر" التي أهّلت باموق لنيل جائزة نوبل. بالمقابل نرى هوس بعض المبدعين بسرقة الأفكار، رغم أن مختلف الأفكار كما يقول الجاحظ "مُلقاة على قارعة الطريق". فأيهما أهم: الفكرة الأصيلة، أم الإبداع السردي وفلسفة وثقافة الروائي؟
الفكرة الرئيسة لرواية "اسمي أحمر"
سلسلة جرائم تحدث في مدينة إسطنبول خلال عصر الدولة العثمانية، جميع ضحاياها من النّقاشين، وسبب الاغتيالات كتابٌ سري يجمع بين الفن الإيطالي والفن الإسلامي. وبالطبع هناك معارضة شديدة لاستخدام الفن الإيطالي لأسباب دينية وهذا سبب بعض الاغتيالات التي نفّذت.
يتخلل الرّواية نقاشات عميقة حول موقف الإسلام من التّصوير والرسم ويتجسد ذلك من خلال تسليط الضوء على الصراع بين فن المنمنمات الذي يمثل الفن الإسلامي وبين فنون العالم الغربي متمثلا بالفن الإيطالي.
الفكرة الرئيسية لرّواية "اسم الوردة"
سلسلة جرائم تحدث في دير شمالي إيطاليا في العصور الوسطى، جميع ضحاياها من الرهبان، وسبب الاغتيالات هو كتاب ممنوع قراءته، وبالطبع هناك معارضة شديدة للاطلاع على علوم "الكفار" لأسباب دينية وهذا سبب بعض الاغتيالات التي نفّذت.
يتخلل الرّواية نقاشات عميقة حول قضايا فكرية كثيرة منها فقر السّيد المسيح وكتب أرسطو وكتب العرب- "الكفار"، ويتجسد ذلك من خلال تسليط الضّوء على صراعات الطّوائف المسيحية.
اسمي أحمر واسم الوردة - عنوان الرّواية
تشابه العنوان لا يقتصر على استنساخ النصف الأول منه في كلا الروايتين إنما يتجاوزه للمستوى الذي يمكن من خلاله اعتبار كل عنوان نصاً موازياً للرّواية، ويتجاوز فكرة أن العنوان بوابة للنص وحاملاً لفكرته.
رمزية اللون الأحمر المستخدم في الفن الإسلامي؛ تعبير عن الحالة الراهنة للعالم الإسلامي المتهم بالإرهاب والدموية، وهذا ما يلمح له الروائي على لسان اللون الأحمر: "وهكذا أشعر عندما ألوّن أنني أقول لذلك العالم: كُنْ. فيصبح العالم بلوني دموياً. من لا يرى ينكر، ولكنني موجود في كلّ مكان"[1].
ومن اللّافت أن رواية اسم الوردة لا تتضمن بمتنها أي إشارة لأي وردة، إنه نص موازٍ كما ذكرنا، يفسر أمبرتو إيكو هذا الغموض بالاسم بقوله: "إن الوردة صـورة رمزية لها من الدّلالات ما يجعلها فاقدة لكل معنى"[2]. وكأنّه يريد أن يقول من خلال الوردة أن تأويلات الرّواية لا تنحصر بمعنى أو تفسير واحد، فوردة إيكو مثل أحمر باموق "فكرة موجودة في كل مكان".
اسمي أحمر واسم الوردة - الموضوع
موضوع رواية اسم الوردة هو التاريخ الأوروبي "الكاثوليكي" وزمن الرّواية القرون الوسطى ومكان الأحداث هو أحد الأديرة في شبه الجزيرة الإيطالية، بينما موضوع رواية اسمي أحمر هو التاريخ العثماني "الإسلامي" وزمن الرّواية أحدث زمنياً لكنه أقرب إلى التركيبة الاجتماعية الأوروبية في زمن رواية إيكو، وتتوزع أماكن الأحداث على دكاكين النّقاشين وأماكن أخرى في مدينة إسطنبول.
الأفكار غالباً تتكوّن من مدخلاتنا من خلال القراءة والاستماع والتجارب الحياتية المختلفة، وبعد هضم هذه المدخلات تظهر بشكل أفكار قد تبدو جديدة ومختلفة
ويتخلّل الرّوايتين كمٌ كبير من المعلومات التاريخيّة المتنوعة، ولا ننسى الجرائم المتسلسلة والتحقيق المتزامن مع وقوع تلك الجرائم, وتظهر بوضوح الموسوعية في تفاصيل الرّوايتين من خلال كمية المعلومات التّاريخية والفنية الدّقيقة خلال زمني الروايتين، وفق موضوع كل منهما.
اسمي أحمر واسم الوردة – الجريمة
تشترك الروايتان بنقاشهما الصراع الديني داخل أتباع الدين الواحد، ومع الآخر "الكافر". فكفار اسم الوردة هم المسلمون، وكفار اسمي أحمر هم المسيحيون، وفي كلا الروايتين نجد إعجاباً بالحضارة الأخرى رغم ورود بعض التوصيفات السلبية على ألسنة بعض الشّخصيات.
أيضاً، تشترك الروايتان بفكرة القتل "لأسباب سامية" بهدف "حماية الدين والدولة"، فالمجرم في رواية اسم الوردة يقتل حتى لا يطلع رهبان الدير على كتاب يفسد عليهم دينهم، أما رواية اسمي أحمر فالقاتل يقتل خشية افتضاح أمر كتاب سري يُعمل عليه من قبل الدولة ويحتوي على رسومات لكائنات حية على غرار الفنون الأوروبية، وهذا ما يتناقض مع آراء فقهية إسلامية سائدة آنذاك.
إذن، فإن سبب جرائم القتل في كلا الروايتين هو "الكتاب" بما يتضمنه من دلالات رمزية عالية، كما أنه لا توجد دوافع شخصية للجرائم المرتكبة، وإنما دوافع فكرية أيديولوجية.
تناص أم سرقة أدبية؟
التّناص هو إحدى وسائل تحليل النّصوص الأدبية من خلال دراسة تأثر النّص بنصوص سابقة بشكل واعٍ أو غير واع. وتصبح مهمة النّاقد البحث عن النّصوص السّابقة التي تأثّر بها النّص، وتقديمها للقارئ. ويورد معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة لـ سعيد علوش العديد من تعريفات التّناص، لعل أبرزها تعريف "كريستيفا" بأنّه: "أحد مميزات النّص الأساسية، والتي تحيل إلى نصوص أخرى سابقة عنها، أو معاصرة لها"[3].
وأمبرتو إيكو بصفته ناقداً، فإنه يعتبر القراءة المثلى للّنص هي القراءة التي تكشف تأثر النّص بنصوص أخرى؛ أي تكشف التّناص بالنّص. كما يجب على النّاقد أن يكون قارئاً موسوعياً ليستطيع ربط أي نص بمئات النّصوص الأخرى[4]، وبأن "الكتب تولد حصراً من تلك التي سبقتها أو بسببها أو حولها، وكل رواية تحكي قصة سبقَ أن رُويت، فكما يقول باسكال: "لا تقولوا لي إني لم أقل شيئاً جديداً.. إن طريقة ترتيب العناصر جديدة"[5]، وبذلك ينفي أن هناك فكرة أصيلة. فالأفكار غالباً تتكوّن من مدخلاتنا من خلال القراءة والاستماع والتجارب الحياتية المختلفة، وبعد هضم هذه المدخلات تظهر بشكل أفكار قد تبدو جديدة/ مختلفة.
أما مصطلح السّرقة الأدبية plagiarism"" فهو وفق قواميس اللّغات: "الإفادة من إبداع المتقدمين دون إشارة أو نسبة إلى المصدر، أي الأخذ بالمعنى أو باللفظ أو بهما معاً، بعيداً عن توارد الخواطر وتلاقي الأفكار". وقد تكون السرقة الأدبية نقلاً حرفياً وكاملاً للمصدر، أو جزئياً.
ختاماً؛ لا شكّ أن أورهان باموق أخذ قالب روايته من اسم الوردة، وأيضا أمبرتو إيكو لا ينكر أنه تأثر بتقسيم روايته لسبعة أيام "فصول".. وكل يوم قُسم لسبعة أجزاء على أوقات الصّلوات (صلاة أول الصبح، الثالثة، السادسة، التاسعة، صلاة الستار، صلاة النّوم...) بتقسيم رواية "عوليس" للروائي " جيمس جويس"، لكن ما يميز هؤلاء الرّوائيين الكبار أنّهم لا ينفون التّأثر بنصوص من سبقهم؛ بل يُسعَدون بالدّراسات النّقدية التي تحيل نصوصهم لنصوص أخرى، فغالباً ما يكون التّناص لديهم عن غير قصد أو وعي.