تأسيس أسرة في تركيا ليس سهلا بالنسبة للسوريين، لا يرجع ذلك بسبب الوضع الاقتصادي والمعيشي فحسب، ولكن بسبب صعوبة إنجاز المعاملات الرسمية التي قد تكون مكلفة أكثر من الزواج نفسه!، حيث تواجههم عقبات جمَّة في استخراج أوراقهم من مناطق النظام أو من قنصليته في إسطنبول، التي تتعمد بحسب مراجعيها عرقلة أوراق جميع السوريين معارضين وغير معارضين، حتى يضطروا لدفع الأموال عن طريق أصحاب مكاتب تعقيب المعاملات "السماسرة" الذين لديهم اتصال مباشر بقنصلية النظام، وتبدأ أرقام حجز مواعيد تصديق الأوراق الرسمية عبر المكاتب من 50 دولارا وقد تصل إلى ألف أو ألفي دولار.
ويقول أحد معقبي المعاملات لـ موقع تلفزيون سوريا، إن المكاتب "تحجز جميع مواعيد التصديق" لدى القنصلية عبر موقعها الرسمي، وتعيد بيعها للمراجعين بالتنسيق مع القنصلية، بمعدل 210 مواعيد أسبوعيا.
تعقيدات "قانونية"
يضاف إلى ذلك مزاجية الموظف التركي الذي يستطيع طلب أي ورقة يريدها متى شاء، من دون سند قانوني لطلبه في بعض الحالات، الأمر الذي وضّحه "وليد" وهو مواطن سوري يحمل الجنسية التركية، يقول وليد لموقع تلفزيون سوريا إنه منح الجنسية التركية بعد 5 أشهر من زواجه، وكانت زوجته موجودة في سوريا، ما أدخله في دوامة طويلة من المعامالات ليستطيع لم شمل زوجته، فاضطر إلى مراجعة دائرة نفوس ولاية غازي عنتاب التركية عدة مرات، كما لجأ إلى الوالي، وقدم شكوى لدى مكتب المواطنين في رئاسة الجمهورية كمواطن تركي لكنه لم يستفد شيئاً، ما جعل خياره الوحيد لاستقدم الزوجة هو مكتب السفارة التركية في بيروت والحصول على فيزا، وبسبب تضارب المعلومات بين المؤسسات التركية، اضطر وليد لرفع دعوى على دائرة النفوس وتوكيل محامٍ وانتظار عام كامل من دون جدوى، إلى أن قرأ على إحدى مجموعات مواقع التواصل الاجتماعي أن بإمكانه السفر إلى بيروت لتثبيت زواجه هناك وبالفعل حُلَّ الأمر خلال 10 دقائق بعد أكثر من عام ونصف من المعاناة مع الأوراق الرسمية.
الأمر نفسه تكرر مع آية وهي سورية مقيمة في تركيا بموجب بطاقة الحماية المؤقتة، إذ قالت لموقع تلفزيون سوريا إن "المعاملات قد تستغرق شهوراً أو سنوات وفي بعض الحالات تسبب أزمه فرعية في استخراج الأوراق التي تحمل مدة صلاحية، مثل ورقة الأعزب أو إخراج القيد، وكذلك التحاليل المتعلقة بالزواج، والصور الشخصية وغيرها من الأوراق التي يضطر السوري لاستخراجها عدة مرات وبتكاليف مادية مرتفعة خلال فترة المماطلة" كما وصفتها.
عقود شرعية لتثبيت زواج السوريين
لا يقتصر موضوع تثبيت الزواج والحصول على أوراق نظامية في تركيا على الزوجين فقط بل تتفاقم الأزمة بوجود حمل أو فكرة الإنجاب، حيث يبقى الأطفال المنجبون مكتومي القيد وغير معترف بوجودهم على الأراضي التركية لعدم اعترافها بعقد الزواج الشرعي الذي يكون حلاً في بعض الأحيان لإتمام الزواج، أو هروباً من السن القانوني للزواج الذي تفرضه تركيا، إلا أن العقد الشرعي لا يمثل أي قيمة قانونية وفق القانون التركي، ولا يمكن الاعتماد عليه لتسجيل وقائع الزواج أو الولادة أو تثبيت النسب، الأمر الذي دفع آية والتي تحاول منذ سبعة أشهر أن تسجل زواجها في إسطنبول إلى القلق تجاه فكرة الإنجاب، مخاوف أكدها وليد الذي اضطر لتغيير الموظفة في دائرة النفوس عندما رفضت تسجيل أطفاله في تركيا وطلبت منه السفر إلى بيروت لتسجيلهم رغم أنهم يحملون الجنسبة التركية عن والدهم، في الوقت الذي تقدر فيه بعض الجهات الرسمية التركية عدد المواليد السوريين في تركيا بأكثر من 700 ألف طفل منذ عام 2011 إلا أنه ما من إحصاء رسمي حول عدد الأطفال الذين ولدوا فيها لكن من دون تسجيل.
وبحسب بيانات معهد الإحصاء التركي يحتل السوريون المرتبة الأولى من عدد حالات الزواج بين الأجانب على الأراضي التركية، واحتلت العرائس السوريات المرتبة الأولى بين الأجنبيات لعام 2021 بنسبة 14% تليهن الأذريات والأوزبكيات من أصل 4% من عدد حالات الزواج الذي وصل إلى أكثر من 561 ألفاً، وعلى الرغم من هذه الأرقام فإن رحلة تثبيت الزواج في تركيا ما تزال أزمة أوراق تضاف إلى ملف أزمات الأوراق الثبوتية للسوريين في تركيا خاصة مع سعي كثيرين منهم لشرعنة وجودهم على أراضيها خوفاً من الترحيل في المقام الأول، بحسب ما صرحت به رنا 25 عاماً متزوجة وأم لطفلة، حيث اضطرت لمسابقة الزمن لتسجيل زواجها في تركيا عندما علمت أنها حامل، ما كبدها كلفة مادية وصلت إلى 2000 دولار أميركي لاستخراج أوراق من سوريا وتصديقها في قنصلية النظام السوري في إسطنبول، إضافة إلى لجوئها إلى مكاتب السمسرة لحجز موعد ضمن إحدى بلديات إسطنبول التي تقبل تزويج الأجانب ولا تدقق كثيراً في أوراقهم الناقصة بحسب تعبيرها، وعند سؤالها لماذا تأخرت في تثبيت زواجها أوضحت رنا أن الدخول هنا إلى الدوائر الرسمية كسوري ليس أمراً سهلاً، يجب أن تكون متفرغاً وملماً بالقوانين لذا فضلت أن أعيش مع زوجي ثلاث سنوات بناء على عقد شرعي على أن أبدأ حياتي الزوجية بعشرات الأوراق والمعاملات وأذونات السفر خاصة وأنه يحمل بطاقة حماية من ولاية أخرى غير إسطنبول، وتتابع "يعني أننا لن ننتهي من أذونات السفر وتكاليفه على الأقل، لذا فضلنا أن ندفع المبلغ مرة واحدة وهو جميع ما ادخرناه خلال سنوات".
خطورة عدم تثبيت الزواج
يلجأ مئات السوريين إثر صعوبة الحصول على الأوراق الرسمية للزواج عبر "كتاب الشيخ"، أو ما يعرف في تركيا باسم "زواج الإمام"، وهو زواج غير معترف به من قبل الحكومة التركية.
المحامي أسامة عبد الرحمن أوضح لموقع تلفزيون سوريا، أن خطورة عدم تثبيت الزواج تكمن في عدم ضمان أي حقوق للزوجين ولا على أي صعيد بما في ذلك حفظ نسب الأطفال للأبوين أو استصدار أوراق رسمية لهم، ويعتبر هذا الزواج ورقة غير رسمية، وهو ما ينتج عنه الكثير من المشكلات للعائلة لاحقاً.
وحول الأوراق المطلوبة من السوريين لإتمام معاملة الزواج في تركيا قال عبد الرحمن "يجب أن يكون السوريون الراغبون في الزواج من حملة بطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك)، أو الإقامات قصيرة المدى (الإقامات السياحية)".
وأضاف "من يحمل (الكيملك)، يستطيع استخراج "بيان عازب" من إدارة الهجرة في حال كان مسجلاً كأعزب لدى الدولة التركية، في حين يحتاج من يحمل الإقامة إلى استصدار الورقة نفسها من سوريا وتصديقها من القنصلية السورية في اسطنبول".
كما يحتاج الراغبون بالزواج في تركيا إلى استصدار تقرير طبي خاص بمعاملة الزواج، وصور شخصية، بالإضافة إلى ورقة النفوس وصور من "الكيملك" أو الإقامة، وفي حال كان من حملة الإقامة عليه ترجمة ونوترة بيان العازب وجواز السفر، وفق عبد الرحمن.