تزامنت قمّة طهران الأخيرة في إطار مسار أستانا، على صعيد الرؤساء مع تعطّل العملية السياسية أي اللجنة الدستورية لأول مرّة منذ بداية المسار في تشرين الثاني/ نوفمبر، 2019. مع أنّه يُعنى بالملفات الأمنية والاقتصادية لا سيما تلك الخاصة بالعملية العسكرية التركية ومساعي المنطقة الآمنة، إلّا أن الملف السياسي السوري لم يغب عن مخرجات القمّة فقد أشار لبيان جنيف (1) والقرارات ذات الصلة لا سيما القرار الأممي (2254) كمرجع أساسي للعملية السياسية واستمرار العمل والتنسيق وصولاً لإيجاد حل مستدام.
اللافت، عدم الإشارة إلى مصير النظام السوري أو الانتقال السياسي، من قبل الدول الثلاثة. في حين، كان التركيز على مسارٍ سياسي يحافظ على سيادة الدولة ووحدة الأراضي السورية، لربما هذه محاولة لترحيل الملفات الخلافية لا سيما مصير رئيس النظام السوري "بشار الأسد" وماهية العملية السياسية. لعلّ الخلاف المركزي في هذا المحور حول طبيعة العملية السياسية، أي القراءات المتباينة للقرارات الدولية بين ما نتج عن مؤتمر سوتشي الروسي، والمسار الذي ترعاه الأمم المتحدة، مع ذلك كان هناك تماهٍ تركي مع موسكو وطهران في الانتقال لسلة الدستور رغبةً منها في ربط المسار السياسي بتطورات "تجميد النزاع".
مع ذلك، لم ينتج عن إدارة هذه التقاطعات أي بوادر للتقارب، بل عمّقت الفجوة وأفقدت العملية السياسية جوهرها لا سيما حول "الانتقال السياسي" الذي على ما يبدو بات خارج إطار الطرح كلياً مع أنّه في صلب القرار كنتيجة ومحصلة. لكن القراءة الروسية-الإيرانية مختلفة بشكل كامل فروسيا باتت غير مقتنعة لحدٍ بعيد حتّى بالمسار الذي فرضته كأمرٍ واقع مع تراجع الاهتمام الأميركي لا سيما خلال ولاية الرئيس السابق "دونالد ترامب" وهذا ما دفعها لأن تصبح جزءًا من التعطيل أكثر من أنها جزء من الحل، متماهية مع الموقف الإيراني.
فعلى سبيل المثال؛ صرّحت روسيا على المستويين الفني والرئاسي كان آخرها على لسان المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف، في كانون الأول/ ديسمبر، 2021 بأنّ الغرض من اللجنة الدستورية يجب ألا يهدف إلى تغيير السلطة في سوريا، وهذه كانت نقطة ارتكاز تعّبر بوضوح عن النظرة الروسية للقرارات الدولية التي لطالما تشير لها؛ أي أنّها لا تخرج عن إطار تشكيل "حكومة تكنوقراط" مع إبقاء الهيمنة للنظام السوري على شكل السلطة وإدارة الحكم.
المؤشرات قد تدل، بأنّ المطلوب ليس تقديم النظام التنازلات، بل المعارضة خاصةً على صعيد أجندة التفاوض، وآليات الخطاب الذي بالفعل قدمت المعارضة فيه تنازلات كبيرة كان آخرها وصف وفد النظام بـ "وفد الجمهورية العربية السورية"
ومن هنا، يمكن الإشارة إلى نقطة عدم التقاطع بين الموقفين التركي والروسي، فتركيا قد تكون تنازلت عن فكرة الانتقال السياسي وما يتبعه من تحوّل ديمقراطي، الذي قد يرافق العملية السياسية بما في ذلك مصير رئيس النظام السوري، لكنها تدعم بقوّة ضرورة إشراك المعارضة في السلطة، وقد يكون الهدف من ذلك غير مرتبط فقط بضرورة التوصل لتفاهم أو حل، بقدر الحفاظ على مكاسبها التي حققتها في سوريا، والتي لا بدّ أن تمر عبر المشاركة في السلطة والتأثير في الحياة السياسية السورية بالقدر الذي يساعدها على تنفيذ أو تمرير سياستها والحفاظ على استدامة "المنطقة الأمنية" التي تريدها أي طوق عمقها الجيواستراتجي في الأراضي السورية.
لذا، تعتبر موسكو، هذا الطرح غير مقبول، مما يدفعها لمعارضة أي عملية عسكرية تركية، فالقضية بالنسبة لها غير مرتبطة فقط بتوزع النفوذ، وإنما الخشية من الاستثمار التركي من هذا التوسع لينعكس على العملية السياسية، وهذا يفضي لمنح أنقرة نقاطا بالمجان على حساب منافسيها. مما يعني أنّ طبيعة هذه العملية التي تتوافق عليها الأطراف غير موجودة من الأساس. ما يعزز القول بأنّها مجرد غطاء لاستمرار حالة إدارة الوقت والتمترس النسبي خلف المنجزات المرحلية التي تحققت على الصعيد النفوذي.
الحقيقة، أنَّ جوهر العملية السياسية بالنسبة لقوى الصراع بالقياس إلى الملفات المركز عليها هي أدوات بناء الثقة أي؛ التعافي المبكر، فكلِ دولة تنظر لهذا المسار بكونه مؤصّلا لمرحلة قادمة قد تفتح الأفق أمام جملة من المتغيرات. بالتالي، قد تساهم في إحداث خرقٍ بصرف النظر عن ماهيته. تركيا، ترنو لأن يساهم المسار في إنماء المناطق التي تسطير عليها وإعادة اللاجئين السوريين وبناء المنطقة الأمنية التي تريدها، وتنظيم ومأسسة عمل هياكل المعارضة، لا سيما على صعيد الإنماء والإدارة والحوكمة. في حين، موسكو تأمل بأنّ التعافي قد يمنحها القدرة على التحرك في خضم تحريك ملف إعادة إنتاج النظام على الصعيد الدولي والإقليمي لا سيما في إطار مسار تطبيع العلاقات الذي يشهد مداً وجزراً.
صحيح، أن لإيران وجهة نظر مختلفة عن روسيا، إلّا أنّها متماهية معها لحدٍ بعيد، في الأصل طهران موقفها أكثر صلابةً من موسكو، إذ ترفض إشراك المعارضة في السلطة على جميع المستويات. لكن، يبدو أنّ تعقّد المشهد جعلها منساقة مع الموقف الروسي، طالما أن المسار السياسي لن يؤدي إلى النتائج المرغوب بها. وهنا، يكمن التركيز الإيراني، على مسار التعافي في تقويض العقوبات الاقتصادية التي تستهدف شخصيات مرتبطة بها بشكل شللي، والاستفادة منه في الاستثمار بملف المساعدات الإنسانية لأجل إعادة الإعمار لا سيما بشأن المشاريع التي تشرف عليها في دمشق ومحيطها.
على أيّ حال، كل هذه المعطيات تُشير بأنّ مخرجات قمّة طهران على الصعيد السياسي، توحي برغبة العودة إلى اللجنة الدستورية، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة النظر بملفين؛ الأول، مرتبط بالمكان الذي بات لدى روسيا تحفظات حوله في انعكاسٍ للحرب الأوكرانية. الثاني، بتقليل الهوّة بين وفدي النظام والمعارضة.
والمؤشرات قد تدل، بأنّ المطلوب ليس تقديم النظام التنازلات، بل المعارضة خاصةً على صعيد أجندة التفاوض، وآليات الخطاب الذي بالفعل قدمت المعارضة فيه تنازلات كبيرة كان آخرها وصف وفد النظام بـ "وفد الجمهورية العربية السورية" في بيانٍ صحفي للمرّة الأولى خلال تعطيل روسيا للجنة الدستورية.