ينتاب السوريين في تركيا مشاعر قلق وخوف استباقية لبدء العام الدراسي الجديد في البلاد، بحكم تنامي الخطاب العنصري ضد السوريين عقب الانتخابات الرئاسية وما تبعه من توظيف سياسي لملف اللاجئين وطريقة تعامل الحكومة الجديدة مع ملف السوريين.
الحديث عن ملف السوريين حاضر وبكثافة منذ خمسة أشهر في الإعلام التركي والسوشال ميديا وجلسات الأتراك في المنازل، دون مراعاة أن هذا الحديث يصل إلى الأطفال الأتراك في عمر مبكر، ولذلك تمت تغذيتهم بطريقة مباشرة أو من دون قصد بالخطاب العنصري السلبي ذاته، وهذا ما يثير مخاوف العائلات السورية أن يتعرض أطفالهم في العام الدراسي الجديد لتمييز وجرعة عنصرية أكبر من تلك الموجودة بالأساس في المدارس التركية.
وتزايد الخطاب العنصري داخل المؤسسات التعليمية في نهاية العام الدراسي السابق الذي تزامن مع الانتخابات الرئاسية التركية، وانعكست الأحاديث السياسية وإعلانات الوعود الانتخابية على البيئات الصفية، ولاحظ الآباء انتقال خطاب العنصرية إلى فئات عمرية أصغر من المعتاد.
ويدخل المدارس التركية هذا العام مليوناً و132 ألف طالب سوري من حملة هوية الحماية المؤقتة (الكملك)، بحسب أحدث إحصائية صادرة عن رئاسة الهجرة التركية، في حين تغيب إحصائيات عدد الأطفال في عمر المدرسة من حملة الإقامة.
وغابت المبادرات الحكومية الرسمية للحد من الخطاب العنصري المسيّس الذي بلغ حد العنف الجسدي ضد السوريين كما حدث في عدد من الاعتداءات الموثقة، رغم توقيع تركيا على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ووجود المادة 216 من قانون العقوبات التركي والتي تنص على السجن لمدة تصل إلى ثلاثة أعوام لمن يحرض علناً شريحة من السكان تختلف خصائصها من حيث الطبقة الاجتماعية أو العرق أو الدين أو الطائفة أو المنطقة على الكراهية والعداوة ضد شريحة أخرى، أو تشويه صورة هذه الشريحة.
وأعرب ستة سوريين في حديثهم لموقع تلفزيون سوريا عن يأسهم من أي تحرك لضمان حقوقهم، حيث واجه الأشخاص الستة اعتداءات عنصرية وتقدموا بدعاوي ضد المعتدين ضمن السياق القانوني المتاح، دون أي نتيجة، وقال أحدهم إن منظمات حقوقية مجتمعة رفعت دعاوي ضد إيلاي أكسوي وأوميت أوزداغ دون أي نتيجة.
التغيب عن المدرسة.. أقل العواقب
يقول أحمد الإسماعيل وهو أب لثلاثة أطفال إنه مع تقدم المرحلة العمرية للطفل تصبح العنصرية بالنسبة له مصدر قلق أكبر، وتغدو الآثار السلبية على صحة الطفل النفسية أكثر خطورة، وتزيد احتمالية تحول المواقف العنصرية إلى اعتداء جسدي مؤذ.
وفي نهاية العام الدراسي الفائت الذي تزامن مع الانتخابات التركية وموجة عنصرية وكراهية لافتة ضد السوريين، زاد غياب الابن الأكبر لأحمد عن الدروس، وقال الأب في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إن تجربة ابنه الأصغر لم تكن مختلفة كثيراً، حيث انتقلت أيضاً النقاشات السياسية التي تدور في جلسات الأهالي والأقارب وعلى شاشات التلفاز إلى الفصول الدراسية في المدارس الابتدائية.
وأوضح الإسماعيل أن الاختلاف بين تجربة طفليه هو أن الأصغر عاش حالة عدم إدراك للأحداث ولم يستطع تفكيره المحدود استيعاب الأسباب وتفسير الأحداث والسلوكيات التي ظهرت فجأة من قبل أقرانه، ولم يفهم سبب تخلي صديقه التركي عن صحبته.
ويمثل التغيب عن المدارس أولى عواقب العنصرية والكراهية في المدارس وأقلها ضرراً، إذ من المرجح أن تكبر كرة الثلج لتؤدي إلى عمالة الأطفال وتوقف اندماج الأطفال في المجتمع التركي.
"خائن الوطن".. الوصمة والأذى النفسي
سأل طفل سوري متخصصة علم النفس السريري حوية تاك التي تجري دراسات في مجال علم النفس مع العائلات المهاجرة في تركيا، عن معنى تعبير "خائن الوطن" الذي يكرره زملاءه باستمرار. وقالت المتخصصة النفسية لوكالة الأناضول: "انتشار مثل هذه اللغة بين الأطفال هو بسبب عدم اتخاذ الأسر موقفاً واعياً، ويستخدمون تعابير خاطئة تنتقل لأطفالهم دون وعي، ليؤذي بها طفلاً آخراً ... سألني طفل سوري آخر عن الطريقة التي يمكن أن يصبح فيها تركياً وأكدت تاك أن هذه الممارسات لا تكون نابعة من أفكار الأطفال الخاصة بهم، إنما هي أفكار حددها المجتمع والأسرة".
ورصد تلفزيون سوريا عدة حالات بمراحل عمرية مختلفة لأطفال أتقنوا اللغة التركية ويحاولون إخفاء هويتهم الحقيقة لتجنب رفض الأقران، وحتى أن بعض الأطفال وخاصة الحاصلين على الجنسية التركية يفضلون التعريف عن أنفسهم أنهم أتراك من أصول عربية قادمون من مدن الجنوب التركي مثل هاتاي وماردين.
تختلف تجربة السيدة السورية كنانة طرابلسي عن أحمد الإسماعيل، فرغم تعرضها لموقف عنصري صادم على حد قولها في العام السابق إلا أن هذه التجربة جعلتها أقوى وتنظر بإيجابية وأسهمت في تلاشي المخاوف والقلق.
ما تعرضت له كنانة الحاصلة على الجنسية التركية الاستثنائية تمثل في محاولة إحدى الأمهات التركيات كتابة عريضة وجمع تواقيع لفصل "الطفل السوري" ابن كنانة من المدرسة، لكنها لم تنجح في جمع أي توقيع وفشلت جميع محاولاتها في استبعاد الطفل من المدرسة.
تقول كنانة في حديثها لموقع تلفزيون سوريا إن موقف المعلمة وباقي الأهالي الإيجابي كان سبباً في تجاهلها للموقف العنصري.
وأضافت كنانة: "حصولنا على الجنسية التركية لن يحمي طفلي من المواقف العنصرية، بل على العكس قد يكون له تأثير سلبي على زيادة الأحكام المسبقة والتمييز، ولذلك الجنسية التركية تبقى مجرد وسيلة تجعل الحياة أسهل وأكثر استقرارا من ناحية التنقل والإقامة".
كيف يتعامل المعلمون.. ونصائح للأهالي
زار موقع تلفزيون سوريا مدرسة ابتدائية في مدينة إسطنبول وتحدث مع عدد من المعلمين والمعلمات عن موضوع التقرير ولمحاولة فهم الإجراءات التي يقومون بها للتعامل مع مواقف عنصرية ضد طالب أجنبي أو الحد من وصول العنصرية إلى الصفوف المدرسية، وأوضحت معلمة صف ابتدائي أن المعلم في هذه المرحلة العمرية له تأثير كبير بالحد من التمييز والعنصرية في البيئة الصفية من خلال التحدث عن تقبل الاختلاف وتنمية مهارات التعاطف والتركيز على نقاط القوة للأطفال السوريين.
وقالت المعلمة التركية في حديثها لموقع تلفزيون سوريا: على سبيل المثال كنت أظهر لطلابي مقارنة تجربة الأطفال السوريين في تعلم اللغة التركية بتجربة الأطفال الأتراك المقيمين في ألمانيا.
تختلف الأنشطة التي تنظمها المدارس للتعامل مع هذه الظاهرة باختلاف المنطقة، ولا يوجد برنامج معين تقدمه وزارة التربية والتعليم في الأعوام السابقة، إنما تكون الندوات والأنشطة بإشراف من القائم مقام أو مديرية التربية في المنطقة.
وأوصت المعلمة التركية بضرورة أن يكون الآباء على تواصل دائم مع المدرس وعدم التغييب عن اجتماعات أولياء الأمور حتى لو كانت اللغة التركية للآباء غير كافية، لأن التغييب وعدم الحضور من الممكن أن يعطي فرصة لبقية الآباء للحكم المسبق بأن هذه العائلة غير مهتمة بطفلها، وبالتالي يكون ضحية سهلة للوم على أخطاء الآخرين.
كما أكدت المتخصصة النفسية نور محمد لتلفزيون سوريا أن تجربة التعرض للعنصرية قد تكون تجربة مجهدة جداً للأطفال واليافعين ويؤدي هذا النوع من الإجهاد إلى زيادة نسبة الكورتيزول في الجسم وبالتالي قد تتسبب في ظهور مشكلات في الصحة الجسدية كالصداع والإرهاق وارتفاع ضغط الدم، أما على الصعيد النفسي قد يسبب الاكتئاب والقلق.
وأضافت المحمد: تؤثر العنصرية على الجانب الأكاديمي وانخفاض الدافعية للتحصيل العلمي ويقلل من الكفاءة الذاتية ويؤدي لظهور مشكلات تكيفية وصعوبات عاطفية وسلوكية، إذ تعد الطفولة مرحلة مهمة في تطوير الهوية والمعتقدات عند الأطفال، وتسبب العنصرية إحساساً ضعيفاً بالهوية، وفي بعض الحالات نبذها، وبالنسبة للمراهقين قد يتسبب التعرض للمواقف العنصرية شعوراً بالعزلة الاجتماعية والانطواء وتطوير خجل اجتماعي يمنعهم من التعبير عن أنفسهم بالشكل المناسب وتطوير عادات أكل غير صحية وارتفاع معدلات التدخين، وتعاطي الكحول والمخدرات.
وطالبت المتخصصة النفسية الآباء بالانتباه لما يشاركون به أطفالهم من مشكلات البلد المضيف والامتناع عن الشكوى أمام أطفالهم، فالأطفال يتلعمون من خلال المراقبة والملاحظة والتفاعل مع الآخرين، فيكتسبون القلق من سلوك الوالدين ويتعلمون الخوف وينتقل إليهم القلق عبر ما يلاحظونه من تصرفاتهم إضافةً إلى مراعاة الموضوعات والأحاديث أمام الأطفال، والحد من تعرضهم لفيديوهات العنصرية التي تظهر في وسائل التواصل الاجتماعي.
وأوصت المحمد الأهل ببناء روابط عاطفية مع البلد الأم وتعزيز ثقافته من خلال الاحتفال بالمناسبات الاجتماعية والأعياد مع أبناء الجالية.
كما أشارت إلى ضرورة اتخاذ خطوات حكومية رسمية للحد من العنصرية من خلال إدخال التعليم المتعدد الثقافات إلى المناهج وتعزيز مهارات التعاطف بين الطلاب ونشر التوعية.
تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من "صحفيون من أجل حقوق الإنسان - JHR"