تشهد قضية اكتشاف عملاء وجواسيس داخل "هيئة تحرير الشام" لصالح الولايات المتحدة وروسيا والنظام السوري تطورات ساعيّة، آخرها انعكاس آثار تسريب أسماء وقوائم المقاتلين، على ذويهم القاطنين في مناطق سيطرة النظام السوري.
وكشف موقع تلفزيون سوريا في تقرير خاص، أمس، عن استمرار حملة اعتقال عملاء وجواسيس تابعين لروسيا والولايات المتحدة داخل "هيئة تحرير الشام"، بل توسّعت الحملة بعد التحقيقات المكثّفة، لتشمل قياديين في مناصب حساسة.
وارتفعت أعداد المقبوض عليهم إلى أكثر من 300 عنصر وقيادي في المفاصل العسكرية والإدارية والإعلامية داخل الهيئة و"حكومة الإنقاذ"، بتهمة العمالة للنظام السوري وروسيا ووكالة المخابرات المركزية الأميركية CIA.
الآثار تصل لذوي المقاتلين
كان من بين المعتقلين ضمن صفوف "تحرير الشام" بتهمة العمالة، مسؤول الموارد البشرية في الجناح العسكري للهيئة، والذي قدّم نسخاً كاملة عن سجّلات العسكريين في الهيئة مع صور بطاقاتهم العسكرية لوكالة المخابرات المركزية الأميركية.
وتفيد معلومات متطابقة بأن القوائم قُدّمت أيضاً إلى النظام السوري، واللافت أنها لا تشمل أفراد الهيئة فقط، بل قوائم مقاتلين في "حركة أحرار الشام" سُلمت للهيئة، في وقت سابق، نتيجة التقارب الذي وصل إلى حد الاندماج غير المعلن بين "تحرير الشام" و"أحرار الشام" التي يقودها "عامر الشيخ".
مصادر رسمية في القسم الآخر من "أحرار الشام" بقيادة "يوسف الحموي (أبو سليمان)، أكّدت لـ موقع تلفزيون سوريا أنّ آثار قضية "العمالة" داخل الهيئة تنعكس الآن بشكل مباشر على ذوي مقاتلين في الحركة.
وينحدر معظم المقاتلين في "أحرار الشام" (القسم الذي يصف نفسه بالشرعي) من محافظة حماة، وغالبيتهم ضمن صفوف "لواء الإيمان"، الذي انشق عن الحركة وأعلن عزل قائدها عامر الشيخ، بسبب تقارب الأخير مع "هيئة تحرير الشام".
مداهمة المنازل وابتزاز العائلات
وذكرت المصادر أنّ القوى الأمنية التابعة للنظام السوري دهمت منازل 17 عائلة في حماة من ذوي مقاتلي "أحرار الشام"، بناء على قوائم وذاتيات تشمل اسم المقاتل واسم زوجته وعدد الأولاد وصورة عن البطاقة العسكرية وتاريخ الانتساب ومكان السكن.
وأكّد مقاتلان من "حركة أحرار الشام" في حديث مع موقع تلفزيون سوريا صحة المعلومات، إذ قال أحدهما إن النظام السوري دهم منزل عائلته في حماة واستفسر عنه وعن شقيقه، وقدّم إلى ذويه نسخة كاملة عن تفاصيله الشخصية، مطالباً إياهم بعدم المراوغة ودفع مليون ليرة سورية مبدئياً لإغلاق الملف.
وبحسب المصادر، لم تسجل عمليات اعتقال لذوي المقاتلين حتى الآن، إذ يحاول النظام ابتزاز العائلات، ويطلب منها مبالغ مالية متفاوتة لقاء عدم اعتقال أفرادها، وإغلاق الملفات.
كيف وصلت قوائم المقاتلين لـ "تحرير الشام"؟
أفادت المصادر بأن ذاتيات المقاتلين في "أحرار الشام" بقيادة يوسف الحموي، كانت في حوزة الفرع الآخر من الحركة بقيادة عامر الشيخ المتحالف مع "هيئة تحرير الشام"، والذي أقدم على تسليم جميع القوائم إلى الهيئة، في إطار الحصول على دعم مادي بناء عليها.
وتضيف بأن القوائم كانت بالتحديد بحوزة "أحمد الدالاتي" نائب عامر الشيخ، إضافة إلى شخص يدعى "أبو حمزة الأسير" ويعمل إدارياً في حركة أحرار الشام، وتتضمن القوائم معلومات كاملة عن المقاتلين، وبصمات كل واحد منهم.
وتابعت: "كان هناك اتفاق على عدم التصرف في ملف الأسماء مهما حدث، وإتلافه في حال حُلّت الحركة، لكننا فوجئنا بمداهمة منازل أكثر من 17 عائلة من ذوي المقاتلين، ووصلتنا معلومات مؤكدة، أن (أحرار صوفان) سلّموا الملف للهيئة عندما انضموا إليها بشكل غير معلن، بالتالي وصلت إلى النظام عن طريق العملاء داخل الهيئة".
ويسود تخوّف في الوقت الحالي بين المقاتلين في صفوف الهيئة أو الفصائل المقربة منها، من أن تتأثر عائلاتهم القاطنة في مناطق سيطرة النظام من هذا الملف، خاصة في دمشق وريفها وحمص ودرعا وحماة.
تسليم معلومات المقاتلين ومحاور القتال للنظام
أشار موقع تلفزيون سوريا في تقرير سابق إلى أن الاعتقالات شملت مسؤول الموارد البشرية في الجناح العسكري للهيئة، ومسؤول الدراسات الأمنية عن منطقتي سرمدا والوسطى، إلى جانب المسؤول عن كاميرات المراقبة وخطوط الإنترنت في خطوط التماس مع قوات النظام، والذي قدّم معلومات كاملة للنظام السوري وروسيا عن نقاط الحراسة في خطوط التماس.
ومن بين القياديين المعتقلين، مسؤول التنسيق في الإعلام العسكري للهيئة، ومسؤول القطاع الأوسط سابقاً في هيئة تحرير الشام، (عمل كقيادي في منطقة القلمون سابقاً)، وأحد العاملين في مكتب رئيس حكومة الإنقاذ.
كذلك طالت عمليات الاعتقال شخصيات عسكرية ميدانية كانت مشرفة على ما سُمّي مقتلة فصائل المعارضة على محور ميزناز، في شباط 2020، والتي راح ضحيتها أكثر من 20 مقاتلاً من فصائل المعارضة وتدمير عدة آليات، حينئذ حاولت فصائل المعارضة استرجاع البلدة من قوات النظام، لتقع القوة المهاجمة في كمين معد سابقاً من قبل قوات النظام.
يذكر أن "تحرير الشام" بدأت حملة الاعتقالات (نتائجها اعتقال أكثر من 300 شخص حتى الآن) بعد حصولها من طرف استخباري خارجي على معلومات وقائمة أسماء لقياديين في "جهاز الأمن العام" متورّطين بـ"التعامل والتخابر لصالح التحالف الدولي"، وأدت الحملة والتحقيقات الداخلية إلى اكتشاف خلية أخرى تعمل لصالح روسيا ونظام الأسد.