لم يعد مقهى قيبار وغيره من المنشآت الترفيهية الناشئة في بلدة بابنس القريبة من كلية المشاة شمالي حلب، يستقبل عناصر ميليشيا "قوات تحرير عفرين" التابعة لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، فالأخيرة أمرت الجميع بما فيهم مجموعات الاحتياط، وأعضاء وأنصار "الشبيبة الثورية" بالالتحاق بمعسكرات التدريب وجبهات القتال ضد فصائل الجيش الوطني السوري في المنطقة التي تُطلق عليها اسم "مناطق الشهباء" بريف حلب.
وتضم تلك المناطق: تل رفعت وفافين وأكثر من 30 بلدة وقرية ومزرعة يهدّد الجيشان الوطني السوري والتركي، منذ أيار الفائت، بالسيطرة عليها في إطار عملية عسكرية ضخمة قد تنطلق في أي لحظة.
لا مجال للتسلية وقضاء وقت ممتع في واحد من المقاهي التي افتتحها، سابقاً، قادة الميليشيا التابعون لـ"قسد" في مزارع تعود ملكيتها لمهجّرين من المنطقة في بابنس وأم القرى والوحشية وفافين.
فالمعركة بالنسبة لعناصر "قسد" باتت وشيكة والتهديدات تبدو جدية هذه المرة بخلاف التهديدات السابقة، أما قادة الميليشيا وأمراء الحرب والنافذون المقربون منها في المنطقة فقد تنبهوا لخطورة الوضع مبكراً، وبدؤوا في الثلث الأخير من شهر أيار بنقل عائلاتهم إلى أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب مروراً بحواجز "الفرقة الرابعة" التابعة للنظام السوري، المتمركزة قرب المنطقة الحرة شمالي سجن حلب المركزي.
تحسّن العلاقة بين قسد ونظام الأسد
العلاقة مع النظام تحسّنت مؤخراً، وتسمح بعبور سلس ذهاباً وإياباً، فـ"قسد" نقلت أيضا تعزيزات عسكرية من معسكراتها في حلب إلى جبهاتها في الريف الشمالي.
وقالت مصادر محلية متطابقة في حلب لـ موقع تلفزيون سوريا إن "الطرق المفتوحة أمام الجيب الذي تسيطر عليه قسد شمالي حلب ليس المظهر الوحيد الذي يدل على تحسن العلاقة مع نظام الأسد بعد شهرين من التوتر والتصعيد المتبادل، إذ سمحت قسد لآلاف الطلاب بالمرور من معبري الطبقة جنوبي الرقة ومعبر التايهة شرقي حلب، لكي يتقدموا لامتحانات الشهادتين الثانوية والتعليم الأساسي، بل سمحت أيضا لأعداد كبيرة من البعثيين والمشرفين التربويين المقيمين في مناطق سيطرتها بمرافقة الطلاب ونقلتهم على نفقتها الخاصة إلى المعابر، حيث كان في انتظارهم أرتال من الحافلات الخضراء لنقلهم إلى حلب في 40 مركز إيواء مؤقت".
وأضافت المصادر أن "مسؤولين في مجلس الإدارة الذاتية بمقاطعة الشهباء وقادة في ميليشيا قوات عفرين عقدوا، أواخر شهر أيار، عدة اجتماعات مع مسؤولين في قوات النظام وفرع حزب البعث في حلب وذلك في مقر الإدارة ببلدة تل رفعت، وجرى التنسيق لتنظيم حراك شعبي ضد العملية العسكرية التي تهدد تركيا بشنها، وجرى بحث عمليات إعادة الانتشار لقوات النظام في محاور الشيخ عيسى وجنوبي اعزاز والمحاور الممتدة نحو الشرق انطلاقاً من جبهات مارع الجنوبية وصولاً إلى مشارف الباب".
وبحسب المصادر "شهدت مدينة تل رفعت يوم 28 أيار الفائت، مسيرة مؤيدة للنظام شارك فيها أنصار قسد، ورُفعت أعلام النظام وصور رئيسه بشار الأسد، وطالب المشاركون بمنع العملية العسكرية على المنطقة، وقد نُقل المشاركون إلى تل رفعت بحافلات النقل الداخلي من نقاط التجمع الرئيسية، النقطة الأولى عند مدخل حي الأشرفية بمدينة حلب والثانية على أطراف السكن الشبابي في القسم الغربي من المدينة، كما نَقل فرع البعث بحلب أعضاء الفرقة الحزبية بشعبة اعزاز من نقطة تجمعهم في ساحة سعد الله الجابري وسط المدينة، والتي شهدت أيضا مسيرة مشابهة وللأهداف ذاتها، شارك فيها العشرات من أعضاء البعث التابعين لفرق وشعب المدينة حلب. كما شارك وفد من نبل بينهم عناصر في الميليشيات الإيرانية التي تتبع لـ حزب الله و(فيلق المدافعين عن حلب)".
على الصعيد الميداني، تروّج قسد لوصول تعزيزات عسكرية ضخمة أرسلتها قوات النظام إلى الجبهات بريف حلب، وأن الأخيرة تمركزت بأعداد كبيرة ومعها معدات حربية دفاعية ومن مختلف العيارات في مطار منغ القريب من جبهات جنوبي اعزاز، وركّز الإعلام الرديف على اشتراك الميليشيات الإيرانية ومن عدة تشكيلات في عمليات الانتشار التي شهدتها المنطقة خلال الأيام الأولى من شهر حزيران الجاري.
وبحسب مزاعم قسد فإن "فيلق المدافعين عن حلب" و"لواء الباقر" ومجموعات تتبع لميليشيا نبل والزهراء تسلّمت نقاطاً عسكرية جديدة في جبهات شرقي تل رفعت، وفي الجبهات مع الفصائل المطلة على عفرين واعزاز. ونسبت قسد عبر إعلامها الرديف مسؤولية القصف المتكرر على موقع المعارضة واستهداف آلياتها العسكرية في ريفي منبج وعفرين لقوات النظام والميليشيات الإيرانية، وهي محاولة لإثبات عمليات الانتشار لهذه القوات في المنطقة.
وقال عضو مكتب العلاقات في الفيلق الثالث بالجيش الوطني السوري هشام سكيف لموقع تلفزيون سوريا: "لدينا تجربة سابقة مع دخول ميليشيات النظام إلى جانب قسد وخاصة عند معركة تحرير عفرين، هذه الميليشيات أصلاً متهالكة ولا تستطيع فعل شيء وقد رأينا هروبها في أثناء معركة تحرير عفرين، هذه الميليشيات ذات ولاء إيراني وتدريب إيراني ولا نستغرب تعاونهم، وتنسيقهم المشترك، لكن يمكن القول إن قوات وميليشيات النظام والميليشيات الإيرانية لن يكون لها قيمة عسكرية بدون الغطاء الروسي".
يَخشى نازحو عفرين في مخيم برخدان قرب بلدة فافين وغيرها من المخيمات التي تديرها قسد في ما تُسمّيه "مقاطعة الشهباء" شمالي حلب، من انطلاق عملية عسكرية نحو المنطقة تبعدهم أكثر عن ديارهم التي تمنعهم قسد من العودة إليها، وذلك لعدة أسباب أهمها: العملية ستكون فرصة لميليشيا "قوات عفرين" لتجنيد الآلاف من الشباب والشابات في صفوف الميليشيات بحجة الدفاع عن المنطقة، وهذا ما حصل بالفعل، إذ شهدت المخيمات حملة تجنيد غير مسبوقة خلال الأيام العشرة الماضية.
كذلك يخشى النازحون من إجبار قسد لهم للنزوح نحو مناطق شمال شرقي سوريا في حال انسحبت من المنطقة لحساب المعارضة (فصائل الجيش الوطني) والجيش التركي ومنعهم من البقاء ليتسنى لهم العوة إلى عفرين، إذ منعت قسد عشرات العائلات النازحة، خلال شهر أيار الفائت، من العودة إلى منازلها في عفرين، وتحاول الاستثمار في مخاوفهم لتجنيد أبنائهم في مواجهة العملية العسكرية.
ويبدو أن قسد استثمرت مخاوف النازحين في ريف حلب لصالحها بالفعل، وأجبرتهم أواخر أيار الفائت، على المشاركة في مظاهرة حاشدة أمام القاعدة الروسية في قرية الوحشية شمالي بلدة فافين، حيث تجمّع المئات أمام القاعدة التي تتمركز فيها القوة الروسية الأكبر ضمن مناطق قسد شمالي حلب، وطلب المتظاهرون الذين تقدمهم قادة في ميليشيا "قوات عفرين" من القوات الروسية الدفاع عن المنطقة ومنع العملية العسكرية.
ومع بداية شهر حزيران الجاري، بدأت القاعدة الروسية في قرية الوحشية تنشط بشكل متصاعد، وشهدت القاعدة هبوطاً متكرراً للمروحيات العسكرية التي نفذت دوريات في سماء المنطقة، وعددها يزيد على 6 طائرات مروحية.
وشهدت أجواء ريف حلب الشمالي خلال الفترة ذاتها تحليقاً مكثفاً للطائرات الحربية الروسية التي اعتادت تنفيذ طلعاتها على علو متوسط ومنخفض بعد منتصف الليل وحتى ساعات الصباح الأولى، تكرر تحليق الطيران الحربي الروسي بشكل يومي منذ بداية حزيران، وهو ما يعتبره قادة في قسد تلبية لمطالبهم التي قدموها إلى القوات الروسية في قاعدتها بقرية الوحشية.
لكن الواقع الميداني ما يزال بعكس المزاعم، فالجيش التركي والفصائل تواصل تصعيد القصف مستهدفة معاقل قسد وخطوطها الدفاعية الأولى في منطقتي تل رفعت وفافين، وقد دمّرت أكثر من نصف قدراتها العسكرية بعمليات الاستهداف المركّزة التي طالت مستودعات الأسلحة والذخيرة ونقاط التمركز والخنادق في الخطوط الدفاعية، وعلى أطراف القرى والبلدات، أهمها: تل مضيق والسموقة وأم حوش وحربل وأحرص وتل قراح وقرامل وحساجك وأم القرى والشيخ عيسى.
اقرأ أيضاً.. قائد القوات الروسية لـ قسد: لا يمكننا حماية من هم خارج سلطة الحكومة السورية
المحلل العسكري العقيد مصطفى بكون قال إنّ "قسد تحاول الزج بكل القوى الموجودة في المنطقة وخاصة ميليشيات إيران ونظام الأسد بوجه تركيا من أجل تعقيد الموقف وإحراج تركيا في حال بدأت عملية عسكرية في الشمال، خاصة بعد التصريحات الأميركية بعدم الموافقة على هذه العملية".
وأضاف بكور لـ موقع تلفزيون سوريا أن "الإيرانيين ونظام الأسد يعتبرون قسد وتحديداً على تخوم المناطق شمالي حلب كـ(ميليشيا رديفة)، ولا مانع بأن تبقى ككيان يأتمر بأمر النظام وينفذ أجندته ورغباته وتكون ورقة في يده يحركها متى شاء للضغط على تركيا، لذا لا أستبعد دخول قوات النظام وميليشيات إيران إلى المنطقة، ولاحقاً دعم قسد بالسلاح لكي تثبت في المنطقة ولا تكرر سيناريو عفرين عندما انسحبت بدون مقاومة".