يتحرك الأردن بخطا متسارعة ضمن مسار إعادة العلاقة مع نظام الأسد، هذا ما يستطيع أي متابع للشأن السوري تلمّسه، وهو ليس بجديد، خاصة بعد تموز 2018 (مرحلة تهجير درعا والجري لإعادة فتح المعابر الحدودية)، لكن ذلك بقي في إطار المصالح الاقتصادية وتبادل البضائع التجارية ومحاولات تمرير حبوب الكبتاغون.
يأتي اتصال الملك الأردني عبد الله الثاني ببشار الأسد، كي يُنهي حالة التكهن حول مسعى دولة عربية تستضيف لاجئين سوريين ورفعت شعار تغيير الأسد ونظامه وطردت سفيره ذات يوم، ليضعه في مكانه الحقيقي، ألا وهو التطبيع الكامل وإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل آذار 2011، وهنا يبرز سؤال ملح، هل يسير الأردن في هذا القطار منفرداً، ودون ضوء أخضر عربي، مدفوعاً بما تراه من تراجع أميركي بريطاني في الملف السوري وبروز دور أكبر من ذي قبل لروسيا وإيران؟.
تبريد الملفات والعودة إلى ما قبل 2010
يرى الدكتور رامي الخليفة المختص بالفلسفة السياسية، في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن الأردن يمثل حالة عامة في المنطقة، مؤكدا أن هنالك شعوراً بإعادة العلاقات بشكل طبيعي مع نظام الأسد عند أطراف لا يبدو عليها الحماس والاستعداد كالأردن.
"هناك حالة عامة ترى بأن الحرب قد وضعت أوزارها في سوريا وبشار انتصر وبالتالي لابد من التعاون مع هذا النظام"، وفق قول الخليفة الذي يعتقد بوجود مرحلة جديدة تشمل الملف السوري وملفات أخرى، تريد العودة إلى ما قبل عام 2010. وما يدلل على ذلك العلاقات السعودية الإيرانية إذ تجري مفاوضات بين الطرفين في بغداد، وتواصل مصري تركي وتواصل تركي سعودي إيراني، و"بالتالي هناك حالة تبريد لعدد من الملفات، وما يقوم العاهل الأردني ينسجم مع هذا الإطار. مع الإشارة إلى أن الملف السوري يبقى الأكثر تعقيدا بين هذه الملفات".
وفي رده على سؤال حول ما إذا كان الأردن يتجاوز خطوط حمراء عربية وسعودية تحديدا في المسير بالتطبيع مع الأسد، يقول الخليفة إن تحركات الملك الأردني لا تعني تجاوزا لما تريده السعودية، ويدلل على كلامه بأن هناك علاقات بين مصر ونظام الأسد قبل مدة ولم يكن ذلك مدعاة للخلاف بين مصر والسعودية.
ويعتقد أن كسر العزلة عن الأسد بات قاب قوسين أو أدنى، وأردف "نحن أقرب إلى أن نجد النظام يعود إلى الجامعة العربية ويحتل مقعد سوريا من جديد، خاصة وأن هناك جملة من المتغيرات الإقليمية وتطورات لم نكن نتوقعها باتت تحدث، كـ عودة دول كانت ترفض النظام إلى التطبيع معه استخبارياً وتجارياً".
ما مبررات الأردن المهرول إلى التطبيع مع الأسد؟
يرى المحلل الإستراتيجي الأردني عامر السبايلة، في حديث لموقع تلفزيون سوريا، أن الأردن متأثر من بقاء الأزمة في سوريا 10 سنوات على عدة مستويات أهمها الأمني، مشيراً إلى الجنوب السوري والتوغل الإيراني هناك.
وأضاف أن هناك مستوى آخر وهو اللاجئون وانقطاع فرص التعامل مع هذا الملف العالق، وفق قوله، ويتابع "ثالثا الجانب الاقتصادي وحركة العبور من وإلى الأردن: من لبنان وسوريا إلى الخليج وبالعكس، وبالتالي وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة فإن الأردن يفكر في جميع الفرص التي ممكن أن تخدمه في هذه المرحلة، ويتوازى ذلك مع رغبة الأردن الانفتاح على العراق مما يعني تفعيل الحدود الجغرافية خاصة وأن الأردن عانى من إغلاق الحدود الجغرافية بسبب الأزمة في سوريا".
السبايلة يعتقد أن المهم هو ما بعد هذا الانفتاح (التطبيع الأردني مع الأسد)، وقال "هو غير مرتبط بالتبادل التجاري السوري- الأردني لأن هناك رؤية باتجاه العراق ولبنان إلى جانب أن الأردن يريد أن يلعب دور الربط بين مصر وسوريا".
وفي هذا السياق قال "لا أعتقد أن اختيار مشروع خط الغاز هو الذي يقدم غطاء استراتيجيا للتطبيع لأنه يشمل مشاريع طويلة الأمد ومشاريع تحتاج إلى تفاهمات عسكرية وأمنية".
وحول الاتصال الذي جمع ملك الأردن ببشار الأسد، يرى السبايلة أنه ليس بجديد لكن الجديد من وجهة نظره أنه جاء مُعلنَاً، وهو مؤشر على بدء مرحلة جديدة تقوم على فكرة كسر الحواجز السياسية في التعامل مع سوريا سياسيا ومع الرئاسة (نظام الأسد). كما أنه (الاتصال) يمثل انتقال الأردن إلى مرحلة أكثر علنية بطبيعة العلاقة مع النظام وألا تقتصر فقط على المكالمات غير المعلنة.
وعن فرص الأردن في التطبيع في حال كان هناك فيتو عربي، يؤكد السبايلة أن السعودية هي اللاعب الوازن في المنطقة وهي التي تقرر فعليا في كثير من الموضوعات والمشاريع العربية، وهي البلد المقرر للكيفية التي من خلالها ممكن إعادة العلاقات مع نظام الأسد عربيا.
وأضاف "لهذا أعتقد أنه عندما نتحدث عن كسر العزلة عن نظام الأسد عربيا فإن الأردن سيكون عليه خلق أجواء إيجابية لكنه لا يستطيع أن ينجز وحده مشروع إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، لكن علينا أن ننظر إلى أن هناك حلفاً بدأ يتشكل من عدة دول قد يستطيع التأثير كالموقف المصري الداعم والإماراتي غير المعارض واللبناني والعراقي وحتى الجزائري".
من هي الدول المستعدة لصعود قطار التطبيع مع بشار الأسد؟
لمعرفة من هي تلك الدول وكيف غيرت موقفها تدريجيا لا بد من سرد تاريخي لمرحلة طرد الأسد عربيا، أصل مقاطعة نظام الأسد من الجامعة العربية يعود إلى تشرين الثاني 2011، حينئذ، علّق وزراء الخارجية العرب عضوية النظام، بعد أشهر من اندلاع الثورة السورية، ووافقت 18 دولة عربية على ذلك القرار، مقابل رفض سوريا ولبنان واليمن له، وظل المقعد السوري شاغرا في الجامعة العربية حتى آذار 2013، حينئذ، مُنح المقعد خلال القمة العربية المنعقدة في الدوحة للمعارضة، التي ألقى الرئيس السابق للائتلاف السوري، أحمد معاذ الخطيب، كلمة باسمها، لمرة واحدة في ذلك الوقت والمكان.
ظلت المقاطعة العربية تعمل إلى أن بدأت تحدث متغيرات عسكرية على الأرض قلّصت من مساحة سيطرة المعارضة، بدأت بعض الدول العربية تطلق تصريحا مبطناً حول العلاقة مع النظام، هكذا حتى عام 2018، حين أعادت الإمارات افتتاح سفارتها في دمشق، بعدما أغلقتها عام 2012 مع الدول الخليجية الأخرى.
بررت أبو ظبي تلك الخطوة من منطلق التأكيد على "حرص الإمارات على إعادة العلاقات بين البلدين الشقيقين إلى مسارها الطبيعي، بما يعزز ويفعّل الدور العربي في دعم استقلال وسيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة أراضيها"، وكان ذلك مؤشرا على لحاق دول عربية بها. تعززت باتصال ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، برئيس النظام بشار الأسد، في آذار 2020، لـ "بحث تداعيات انتشار فيروس كورونا".
مصر هي الأخرى تريد التطبيع وقد تحدث وزير خارجيتها، سامح شكري، مطلع عام 2021، عما وصفها بـ"التعقيدات أمام عودة العلاقات الدبلوماسية المصرية مع سوريا، مبديا في الوقت نفسه تطلّع بلاده إلى عودة سوريا لمحيطها العربي."
شكري جدد الحديث عن عودة النظام خلال اجتماع لوزراء الخارجية العرب في الدورة الـ 155 لمجلس جامعة الدول العربية، في آذار الماضي.
وقابل النظام تصريحات مصر بعرضه تقديم الدعم لمصر في الملف الليبي، وقال وزير خارجية النظام السابق، وليد المعلم، في حزيران 2020، إمكانية تقديم الدعم لمصر في الملف الليبي إذا أرادت ذلك.
أما سلطنة عمان فلديها علاقات لم تنقطع مع الأسد وسبق أن انتقد وزير الخارجية العماني السابق، يوسف بن علوي، في شباط 2019، مواقف بعض الدول العربية التي تعرقل عودة سوريا إلى الجامعة العربية.
وحافظت مسقط على علاقتها بالنظام خلال الثورة، وأبقت على سفارتها مفتوحة في دمشق رغم تخفيض تمثيلها الدبلوماسي عام 2012.
كما أجرى وزير الخارجية السوري السابق، وليد المعلم، زيارتين إلى مسقط، منذ عام 2011، بالإضافة إلى زيارة وزير الخارجية العماني، يوسف بن علوي، إلى دمشق، في تموز 2019، ولقائه بالأسد.
وأجرى وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، زيارة إلى سلطنة عمان، في آذار الماضي، وهي أول عاصمة عربية يزورها المقداد منذ تعيينه وزيرا للخارجية.
وتعتبر سلطنة عمان أول دولة عربية تعيد سفيرها إلى دمشق، في 4 من تشرين الأول 2020.
لبنان.. برزت دعواتها للمطالبة بعودة النظام إلى الجامعة العربية على لسان وزير الخارجية اللبناني السابق، جبران باسيل، الذي دعا إلى ذلك في عدة مناسبات، بالإضافة إلى رفض لبنان قرار تجميد عضوية النظام.
وفي تشرين الأول 2019، قال باسيل خلال كلمته ضمن اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، "لا نجتمع اليوم ضد تركيا، بل من أجل سوريا في غيابها".
أما العراق التابع سياسيا لإيران، فقد طالب وزير خارجيته، فؤاد حسين، خلال زيارته إلى السعودية، في شباط الماضي، بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، مشيرا خلال لقائه بالأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف الزياني، إلى ضرورة هذه العودة لتحقيق مبدأ التكامل في العمل والتنسيق العربي.
الكويت أيضا تريد، ففي عام 2019، قال وزير خارجيتها السابق، صباح الخالد الحمد الصباح، إن بلاده ستكون سعيدة بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
وطالب حينئذ، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي أن "بدء العملية السياسية في سوريا وعودتها إلى أسرتها العربية سوف يكون في غاية السعادة لنا في دولة الكويت"، مشيرًا إلى أن "سوريا دولة محورية مهمة لأمن واستقرار المنطقة".
إلى جانب تلك الدول، تدعو الجزائر إلى إنهاء تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، وسبق وأن قال الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، خلال لقاء أجراه مع قناة "روسيا اليوم"، إن سوريا تستحق العودة إلى الجامعة العربية، لأنها وفية لمبادئها، وفق تعبيره.
وفي الوقت نفسه، أشار تبون إلى أنه "كان من الواجب على النظام السوري فتح المجال في الداخل للشعب"، بحسب رأيه.