في ربيع عام 2021 صدرت رواية " ثلاثة لاجئين ونصف" للكاتب السوري الشاب بلال البرغوث عن دار موزاييك للدراسات والنشر، تحكي قصة الدروب الوعرة لرحلة أربعة لاجئين من مختلف الجنسيات العربية ينشدون الوصول إلى أوروبا.
العنوان
يُشكل العنوان العتبة الأولى في الرواية، ويؤطر بداية أفق التلقي لدى القارئ، ويلعب دوراً مهماً في تسويق الرواية وشدّ انتباه القارئ. وغالباً يكون العنوان معبّراً بشكل كلّي أو جزئي عن الرواية أو إحدى شخصياتها الرئيسة أو مكان الحدث. وأحياناً يضطر الروائي إلى اختيار عنوان جاذب يوقع القارئ في الفخ ولا يكون له علاقة بالنص الحكائي أو أيّ شيء مما سبق.
رواية "ثلاثة لاجئين ونصف" توحي من البداية بمضمون الحدث وهو "اللجوء" لكنّها تمنح القارئ فرصة للتساؤل وهو ينظر إلى الغلاف عن المقصود بالنصف المضاف إلى اللاجئين الثلاثة. تُظهر اللوحة النصف السفلي لثلاثة رجال وامرأة. مما يجعل القارئ يذهب بالظنّ إلى أنّ الكاتب أراد أن يقول "إن الفتاة أو المرأة في الصورة هي النصف" سواء كان ذلك النصف يحيلنا إلى المجتمع بمفهوم "أنّها نصف المجتمع" أو يحيلنا إلى النظرة العامة الشرقية للمرأة على أنّها تعادل نصف رجل. فشهادة الرجل تعادل شهادة امرأتين في المحكمة، وغالباً ما ينظر إليها على أنّها أقلّ شأناً من الرجل. لكن الرواية تفاجئنا بالمعنى المقصود في صفحاتها الأخيرة!
الرواية
تحكي الرواية قصة أربعة لاجئين. فتاة، وثلاثة رجال. لا يجمعهم المكان الذي انطلقوا منه إلى بلاد اللجوء، بل تجمعهم فكرة اللجوء نفسها على اختلاف بلدانهم وقضاياهم إلا أنّ الاضطهاد طالهم جميعاً.
الفتاة سورية والشباب أحدهم سوداني، والثاني أفغاني، والثالث مصري.
اختلفت الدروب والطريقة التي سلكوها في اللجوء، أي لم يجمعهم المكان الذي يذهبون إليه أيضاً، مما جعل قصة كلّ واحد منهم منفصلة تماماً عن قصة الآخر، ويمكن أن تكون قصة مستقلة، أو رواية مستقلة. لكنّنا لا نستطيع إطلاق اسم رواية عليها، وهي ليست نوفيلا (الرواية القصيرة أو الأقصوصة الطويلة) إن أردنا قراءة قصصها كل واحدة وحدها. هي أربع قصص لأربع شخصيات جمعهم هم واحد وهو الهرب من وجه الظلم ناشدين الحرية في بلاد "النور" أوروبا.
القصص
تبدأ "الرواية" بقصة سارة الفتاة السورية، فقدت سارة أهلها في مجزرة ارتكبها النظام السوري في مدينة يبرود في آذار/مارس عام 2014 وكانت الناجية الوحيدة. هربت سارة من سوريا، وسلكت درب اللجوء لتصل إلى هولندا. وفي بلغاريا يتعرض رفاقها لعصابة تسرق اللاجئين، وتستطيع هي الفرار منهم لتتلقفها جماعة من الغجر يستضيفونها، ويحمونها وتتفق مع ابنتهم أن تأخذ جواز سفرها لتمر به عبر الحدود ثم تعيده لها. لكن الرياح تجري بما لا تشتهي سارة فقد اكتشفت أن الرجل الذي سيتزوج صديقتها الغجرية يساعد العصابة (التي تطلق على نفسها لقب أخوية بلوفديف) وتذهب مع صديقتها لتطلق أسر اللاجئين، وهناك تكتشف أن أحدهم -وهو أفغاني- كان مقاتلاً في سوريا، وقتل الكثيرين لظنّه أنه يخدم السوريين فتتركه في الزنزانة. يخبر الأفغاني العصابة، ويلاحقون سارة، ثم يأسرونها. مقابل تركها على قيد الحياة يطلبون منها العمل لصالحهم بأن تُوقع في شباكها لاعب كرة قدم دولي معتزل اسمه "يان رودردوف" يريدون منه أن يترشح للبرلمان فيكون رجلهم الذي يستخدمونه لمصالحهم. يقع يان بحب سارة، ويتزوجها فتبوح له بخطط العصابة، فيحجم عن مساعدتهم، وينجو من محاولة اغتيال، ويهرب مع سارة إلى مدينة أخرى لكنه يصبح عاجزاً عن العمل فتقوم سارة بالعمل لتشتري أدوية يان التي يحتاجها حتّى تتورط أخيراً -حين لا تجد المال الكافي لإعالة يان- في الاتجار بجسدها.
قصة سارة هي الأطول بين القصص أخذت نصف المساحة والقصص الثلاثة الأخرى النصف الآخر.
أمّا القصة الثانية فهي قصة "نيل" الشاب السوداني الذي اختطفته عصابة أيضاً في أثناء هربه إلى إيطاليا.
اقتحمت القوات التابعة لنائب الرئيس ماشار المستشفى التعليمي في مدينة ملكال حيث فرَّ نيل بصحبة عائلته وآلاف الأشخاص إلى المشفى ظناً منهم بأنها ستكون في مأمن من هجمات المتمردين، لكن القوات قتلت كلَّ من رأتهم أمامها، الرجال والأطفال والنساء وكذلك المرضى، نجا نيل مع سبعة آخرين. استطاعوا عبور النهر تلك الليلة إلى الطرف الآخر. بعد رحلة صعبة جداً في الصحراء وصل نيل مع بعض اللاجئين بقيادة المهرب إلى جبل عبد المالك شرقي ليبيا. تعرض لهم مسلحون قتلوا المهرب، وأخذوا اللاجئين. وصلوا إلى معسكر يحمل لافتةً عند المدخل مكتوب عليها "قوات درع الوطن" وعلى طرفي اللافتة مرسوم علم الاستقلال الليبي.
العصابة التي وقعوا بين أيديها كانت تتاجر بالأطفال الصغار جنسياً. وحين علم نيل بالأمر أخبر الأمهات علّهن يستطعن الهرب، لكن أمره كشف، وتعرض لتعذيب وحشي، وجعلوه يجامع النساء لينجبن أطفالاً منه ليتاجروا بهم. وكان هذا أقسى عقاب يمكن أن يتعرض له.
يتمكن نيل في النهاية من الخروج من الجحيم بأن اشتراه رجل مع اثنتين من النساء وأطلق سراحهم.
أمّا قصة الشاب الأفغاني فتتلخص بأنّه يبيع جسده في اليونان للحصول على المال من أجل إكمال رحلته. لكنه حين يعلم بموت أمّه التي دفعته للهجرة بعيداً عن أيدي المسلحين في أفغانستان ينهي حياته بالانتحار.
بقي لدينا اللاجئ الأخير، العسكري المصري القبطي "بيشوي" الذي يخدم في سيناء، ويحب عزة الفتاة البدوية، ويفهم من خلالها أنه لم يكن يقاتل أعداء الوطن، وحين تقتل عزة وهي طالبة ثأر لأخيها، يذهب في إجازة إلى مدينته الإسكندرية، يودع أهله، ويقرّر الهرب عبر البحر.
لكن المركب يغرق، ويأتي خفر السواحل بعد موت معظم من في القارب، ويعتقلون بيشوي الذي يخضع لجلسات تعذيب طويلة بالكهرباء فيموت نتيجة التعذيب. لنكتشف هنا أنّ بيشوي هو المقصود "بالنصف" الذي جاء في العنوان، فهو لم يغادر المياه الإقليمية للدولة المصرية، ومات تحت التعذيب لاجئاً إلى السماء حيث تنتظره عزة.
الكاتب الشاب "بلال البرغوث" صاحب الرواية وهي الثانية له، كتبها في أثناء أو بعد رحلة لجوئه إلى أوروبا عام 2015 وقد حوت معلومات واقعية عايشها الكاتب أو سمع عنها في أثناء رحلة اللجوء. وبالرغم من كون القصص جميلة ومؤثرة وذات إيقاع حزين فإنّها افتقدت إلى الغوص في أعماق الشخصيات على حساب السرد الروائي أو الحكاية المهيمنة مع الحوارات السهلة.
الأسلوب سهل ومناسب لشريحة كبيرة من القراء وتطغى الحكاية على الرواية لذا تخرج منها بأقل قدر ممكن من الخسائر النفسية التي تراكمها الرواية في النفس والعقل في أثناء القراءة.