ضرب زلزال ضخم مدينة حلب السورية في مثل هذا اليوم، الـ11 من تشرين الأول عام 1138م، أدى إلى مصرع عشرات الآلاف من السكان. ويعد ذلك الزلزال، رابع أكبر الزلازل في تاريخ البشرية من حيث قوته وحجم الدمار الذي نتج عنه، والثالث من حيث دمويته وأعداد الضحايا التي خلفها.
وبحسب مؤرخي ذلك العصر، وصل عدد الضحايا إلى 230 ألفاً، كما تم تدمير معظم مدينة حلب وعدد من البلدات والقرى المحيطة في شمالي سوريا وشرقي تركيا، ودمّر أيضاً عدداً من أكبر القلاع والحصون في المدينة ومحيطها من بينها قلعة حلب وقلعة الأتارب وقلعة بناها الصليبيون في حارم.
الزلزال رافقه تسونامي في البحر المتوسط، وتبعته 5 هزات ارتدادية عنيفة، وقدّرت الدراسات الحديثة شدة الزلزال بـ8.5 درجات على مقياس ريختر، وصنّفته هيئة المسح الجيولوجي الأميركية كرابع أخطر زلزال في التاريخ.
كما كان زلزال حلب الكبير بداية أول تسلسلين عنيفين من الزلازل في المنطقة: من تشرين الأول 1138 حتى حزيران 1139، وسلسلة أكثر شدة من سبتمبر/أيلول 1156 إلى مايو/أيار 1159، وأثر التسلسل الأول على المناطق المحيطة بحلب والجزء الغربي مدينة أورفة التركية، وخلال الثاني تعرضت منطقة شمال غربي سوريا وشمال لبنان ومنطقة أنطاكية الواقعة جنوبي تركيا لزلزال مدمر.
الزلازل الكبرى وآثارها
يأتي زلزال حلب ثالثاً بالنسبة لعدد الضحايا بعد زلزالي: (شانشي) الذي ضرب الصين عام 1556 وراح ضحيته قرابة 830 ألف قتيل، و(تانغشان) الذي ضرب الصين أيضاً عام 1976 وبلغ عدد ضحاياه نحو 242 ألف قتيل.
وذكر المؤرخ الدمشقي، ابن القلانيسي، الذي كان شاهداً على وقوع الزلزال المدمر، بأن مدينة حلب كانت الأقل تضرراً من الزلزال نظراً لإخلاء عشرات الآلاف من سكانها بعد الزلزال الاستباقي الذي ضرب المدينة قبل يوم واحد من وقوع الزلزال المدمر، بينما كانت مدينة حارم السورية من أكثر المناطق تضرراً، حيث تشير المصادر إلى أن القلعة التي بناها الصليبيون تدمرت بالكامل والكنيسة سقطت، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 600 من حراس القلعة.
أما بالنسبة لمدينة حلب، فقد انهارت الجدران الشرقية والغربية لقلعة حلب الكبيرة، ودمرت المدينة بشكل شبه كامل وانهارت العديد من المنازل، وأغلقت الأحجار الكبيرة التي أسقطها الزلزال طرق وشوارع المدينة، الأمر الذي تسبب في حصار السكان وعدم قدرتهم على الهرب. كما سُجّل المزيد من الأضرار في أزرب وبزاعة وتل خالد وتل عمار، حتى إنه شعر سكان دمشق بالزلزال الرئيسي وتوابعه.
حلب في القرن الـ12 الميلادي
لعب موقع حلب في شمالي سوريا دوراً رئيساً في تعرضها للزلازل. إذ تتموضع المدينة على طول الجزء الشمالي من صدع البحر الميت الذي يعتبر بمثابة فلق طبيعي يفصل الصفيحة التكتونية العربية عن الصفيحة التكتونية الأفريقية، والذي يعد من أكثر الصدوع الزلزالية حركة ونشاطاً وتوليداً للزلازل.
وغدت حلب في منتصف القرن العاشر الميلادي عاصمة الدولة الحمدانية تحت حكم سيف الدولة الحمداني، حيث عاشت المدينة عصراً ذهبياً في تلك الفترة وكانت أحد الثغور المهمة للدفاع عن العالم الإسلامي في وجه المد البيزنطي. واحتُلت المدينة لفترة قصيرة بين عامي 974 و987، أثناء الصراع البيزنطي السلجوقي.
وحُوصرت حلب مرتين أثناء الحروب الصليبية عامي 1098 و1124، إلا أن الجيوش الصليبية لم تتمكن من احتلالها لمناعة تحصينها. وكانت الدول الصليبية التي أقامها الأوروبيون في إمارة أنطاكية في حالة نزاع مسلح مستمر مع الدول الإسلامية في شمال سوريا وأطراف الجزيرة العربية، وبخاصة مدينتي حلب والموصل.
الزلازل المدمرة في بلاد الشام
وقعت الكثير من الزلازل التي خلفت دماراً كبيراً وقتلت الآلاف في مناطق مختلفة من بلاد الشام على مر التاريخ، ومن أبرزها:
- زلزال الجليل: وهو زلزال مدمر ضرب جنوب شرقي بلاد الشام يوم الـ18 من أيار عام 363، كان مركزه مدينة الجليل شمالاً وامتدت آثاره على طول صدع البحر الميت حتى خليج العقبة جنوباً. وتسبب بدمار مدينة البتراء إضافة إلى أضرار كبيرة لحقت بمدن مثل القدس وحيفا وطبريا.
- زلزال بيروت: وقع الزلزال يوم الـ9 من تموز عام 551، وتسبب الزلزال الذي قُدرت شدته بنحو 7.6 حسب مقياس ريختر بتسونامي مدمر وصل تأثيره إلى المدن الساحلية في فينيقيا البيزنطية، مما تسبب بتدمير كبير وغرق العديد من السفن، وبلغ عدد الضحايا في بيروت وحدها 30 ألفاً، حسب تقديرات أنطونيوس بياتشينزا.
- زلزال غور الأردن: كان زلزال غور الأردن الذي وقع عام 1033 عبارة عن مجموعة من الهزات الأرضية القوية والمتتالية، والتي استمرت لـ40 يوماً تقريباً، أدت إلى دمار مدينة طبريا وأريحا، وتهدمت أجزاء كبيرة من المسجد الأقصى وأسوار القدس، بالإضافة إلى تشكل أمواج تسونامي على شاطئ البحر الأبيض المتوسط.
- زلزال صفد: وقع الزلزال الذي كان مركزه مدينة صفد الفلسطينية في الأول من كانون الثاني عام 1837، بلغت قوته على مقياس ريختر حوالي 6.5 درجة، وراح ضحيته قرابة الـ5 آلاف نسمة. ودُمرت بسببه 17 قرية بالقرب من بحيرة طبريا مع مدينة صفد بالكامل.