ملخص:
- استقال 9 أعضاء من المجلس البلدي في بلدة الغارية جنوبي السويداء بسبب الفساد المؤسساتي وتردي الخدمات.
- حاول الأعضاء المستقيلون تقديم شكاوى للجهات المعنية من دون الحصول على أي تعاون أو تحقيقات.
- تجاهلت المؤسسات الرقابية والتنفيذية طلبات التحقيق والمساءلة في ملفات فساد تتعلق برئيسة المجلس.
- تردي الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء والاتصالات دفع الأعضاء لاتخاذ قرار الاستقالة.
- تلقت الاستقالة إشادة من الأهالي، معتبرين أنها خطوة إيجابية يجب أن يحتذي بها المسؤولون الآخرون في مواجهة الفساد.
شهدت بلدة الغارية جنوبي السويداء استقالة 9 أعضاء من المجلس البلدي، الأمر الذي كشف عن الفساد المؤسساتي وتردي الخدمات وعجز النظام السوري عن معالجة الأمور، حيث اعتبر الأهالي الأمر أولى بوادر مناهضة الفساد.
ما أسباب الاستقالة؟
قالت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا إن الاستقالة جاءت بعد محاولات عديدة من قبل هؤلاء الأعضاء للحد من الفساد داخل المجلس، وتقديم الشكاوى للجهات المعنية حول الانتهاكات الوظيفية من قبل رئيسة المجلس وبعض العاملين فيه، من دون الوصول إلى أي تعاون من قبل تلك الجهات.
وأكد أحد الأعضاء المستقيلين في اتصال خاص مع موقع تلفزيون سوريا أن الاستقالة جاءت نتيجة لتجاهل المؤسسات الرقابية والتنفيذية في المحافظة لطلباتهم بالتحقيق والمساءلة في ملفات فساد تمارس ضمن المجلس ومعالجتها.
وأضاف: "قمنا بالعديد من المحاولات من خلال اطلاع المحافظين القديم (بسام بارسيك) والجديد (أكرم محمد)، وقبله تقديم معاريض والتواصل مع الرقابة والتفتيش، لكن الشكاوى طويت، لتذهب جميع الوعود بالمساءلة أدراج الرياح".
وتابع: "بناءً على تجاهل شكوانا، عقد المجلس اجتماعًا في 19 من نيسان الماضي، ليقرر بالإجماع حجب الثقة عن رئيسة البلدية وإيقاف عمل سائق الباص حتى يتم تعيين سائق جديد. كما تم تشكيل لجنة لاستلام الباص من سائقه السابق، لكن رئيسة البلدية رفضت التوقيع على المحضر".
وحول المخالفات التي كانت سببًا في الاستقالة، أوضح: "اكتشفنا قضية فساد تتعلق بالتصرف بشكل غير مشروع بمخصصات المازوت للباص، فقمنا برفع كتاب إلى المحافظ السابق بسام بارسيك طالبناه فيه بحجب الثقة عن رئيسة البلدية لتعلقها بقضية الفساد وفتح تحقيق في القضية، لكنه لم يتجاوب مع مطلبنا، لنصل إلى قناعة بأن القضية تم التستر عليها، وربما كان ذلك من قبل قيادة فرع حزب البعث. حتى الرقابة والتفتيش تجاهلت الملف أيضًا، بل ومنحت فرصة للتغطية على القضية وتسديد المفقودات".
وتابع: "الأمر المتعلق بقضية الفساد والتعامي عنها من قبل الجهات المعنية ليس الدافع الوحيد لاستقالتنا، بل تردي الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء واتصالات ونظافة شكل عاملاً إضافيًا لاتخاذ قرارنا بالاستقالة".
وأكد أنه نظرًا لعدم الاستجابة لمطالبهم والتحقيق في القضايا التي أشاروا إليها، أنذر بأن الوضع يتجه إلى الأسوأ، ولا مجال للنهوض ومحاسبة الفاسدين، ما دفعهم للاستقالة لكي لا يكونوا "شركاء فيما يحصل".
كيف تلقى السكان خبر الاستقالة؟
وعقب خبر الاستقالة، علّق العديد من أبناء المحافظة على الخبر، معتبرين أن ما حصل خطوة إيجابية يجب أن يحتذي بها كل من يكون في موقع مسؤولية عن أهله ومجتمعه.
وقال تيسير قماش، أحد أبناء البلدة، في تعليقه على خبر الاستقالة: "لأول مرة في التاريخ نرى عملاً جماعيًا في الغارية، من الأول، هكذا يجب أن تكون المؤسسات للشعب والقائمين عليها من الشعب". في حين اعتبر منصور خداج أن ذلك دليل وعي ونزاهة من أعضاء المجلس، بينما تساءل آخرون عن الأسباب طالبين توضيحها.
واعتبر آخر في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن "هذه الحالة هي الحالة الصحيحة في التعامل مع الأمور المستعصية عن الحل. فمن يجد نفسه عاجزًا عن الحل، فلا يعيب على نفسه ذلك، بل يقوم بما يمليه عليه ضميره. والأعضاء الذين استقالوا لهم كل الاحترام، وعسى أن يكونوا قدوة لكل موظف في مؤسسات الدولة يعجز عن إصلاح الفساد، فالاستقالة بشرف خير من التواطؤ على مصالح المواطنين".
ليست الحالة الأولى
قبل نحو عام وبتاريخ 6 من آب 2023، أعلن أحد أعضاء المجلس البلدي في قرية ريمة اللحف غربي السويداء استقالته من المجلس البلدي لقريته بسبب العجز عن حل المشكلات الخدمية في القرية، ليلتحق به 6 أعضاء آخرين مبررين استقالتهم بالسبب نفسه.
وقبل ذلك بشهر، بادر نائب رئيس المجلس البلدي في قرية نمرة شهبا شرقي السويداء بتقديم استقالته، وأشار حينئذ إلى أن المجلس عاجز عن ممارسة دوره في تقديم وتحسين الخدمات للسكان.
وسجلت محافظة السويداء العام المنصرم أكبر عملية استقالة جماعية إن صح التعبير، حيث بلغ عدد المستقيلين من دوائر الدولة نحو 500 موظف وموظفة لأسباب مختلفة، لعل أبرزها تدني الرواتب وعدم ملاءمتها للعيش في ظل ارتفاع الأسعار. وكانت أبرز القطاعات التي شهدت استقالات هي التربية والصحة.
وتعكس الاستقالة الأخيرة وسابقاتها حالة الإحباط واليأس التي وصل إليها أعضاء المجلس، في ظل تخلي مؤسسات النظام عن دورها وعدم قدرتها على حل القضايا الخدمية التي تواجه السكان.
خدمات سيئة في السويداء
ويعاني سكان محافظة السويداء من سوء الخدمات المقدمة لهم من مؤسسات النظام السوري وتردي البنى التحتية، مما يزيد من مشقات الحياة اليومية على الأهالي، الذين يعانون أوضاعاً إنسانيةً معيشيةً صعبة في ظل تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد.
يذكر أن الفساد وغياب الخدمات ليس منتشرا فقط في السويداء، إذ يشتكي الأهالي في جلّ المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري وخاصة الريفية منها من غياب الخدمات، ومن أزمات متتالية، حيث يوجّه الأهالي نداءات متكررة ولكن بلا جدوى.